رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
إستراتيجيات البقاء..كيف تنجو الجماعات والدول


المشاهدات 1562
تاريخ الإضافة 2025/03/08 - 10:35 PM
آخر تحديث 2025/04/01 - 5:12 PM

“البقاءُ للأصلحِ لا يَعني القُوةَ فقط، بَل يَعني مَن يُتقِنُ التكيُّفَ والتخطيطَ والإدارةَ الذكيةَ للمواردِ والمَواقفِ.” –هربرت سبنسر
مَعَ إنفتاقِ عَصر [التَّحوّلاتِ والإنقراضاتِ]، فأنهُ كما تُقاسُ قوةُ الجماعاتِ والمكوّناتِ بمدى امتلاكِها للمواردِ أو السلطةِ، تَبرعَمَ عَمودٌ أهمُ وأخطرُ أفرزتهُ قَوانينُ الطّبيعةَ  وسُننُ التأريخِ ألا وهو وجوبُ قدرتِها على إدارةِ الأزماتِ، وإعادةِ التموضعِ، والتكيّفِ مع المتغيراتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، لضمانِ الاستدامةِ والفاعليةِ. لقد تَبيّنَ إنَّ النجاحَ في هذا السياقِ ليسَ وليدَ الصدفةِ، لكنَّهُ نِتاجُ (استراتيجياتٍ واعيةٍ)، قادرةٍ على تحقيقِ التوازنِ بينَ [الثباتِ في المبادئِ والمرونةِ في التطبيقِ]، وبينَ [الحمايةِ والمناورةِ]، وبينَ [الاستقلاليةِ والانفتاحِ على التحالفاتِ].
  {استراتيجيةُ الخروجِ } 
 حينَ تُصبِحُ الساحةُ مُغلقةً أمامَ أيِّ تحرُّكٍ فعّالٍ، فإنَّ الخروجَ المدروسَ يُعَدُّ خِيارًا استراتيجيًّا لا مفرَّ منهُ، فالتشبُّثُ بالمواقفِ الخاسرةِ يَقودُ إلى استنزافِ الطاقاتِ، في حينِ أنَّ الخروجَ الواعيَ يَسمحُ بإعادةِ التمركزِ بعيدًا عن الضغوطِ، والانطلاقِ نحوَ بدائلَ أكثرَ نجاعةً، سواءً في السياسةِ أو الاقتصادِ أو الأمنِ أو التحالفاتِ، والقوى التي تفهمُ متى تَنسحِبُ لتُعيدَ التموضعَ، تُصبِحُ أكثرَ قدرةً على فرضِ واقعٍ جديدٍ لصالحِها.
  {استراتيجيةُ المراجعةِ}
 تُعَدُّ المراجعةُ النقديةُ أحدَ أعمدةِ النجاحِ، فهي لا تعني الاعترافَ بالفشلِ، بَل تعني امتلاكَ الشجاعةِ لتقييمِ التجاربِ السابقةِ، واستخلاصِ الدروسِ منها، وتصحيحِ المساراتِ قبلَ أنْ تَفرِضَ الظروفُ ذلكَ قسرًا، فالجماعاتُ التي تَعرفُ كيفَ تُعيدُ تعريفَ أهدافِها، وهويتِها، وتحالفاتِها، وهيكلياتِها، هي وحدَها القادرةُ على البقاءِ والنموِّ، بينما تَظلُّ الأخرى رهينةً للأخطاءِ الماضيةِ والتكرارِ المُدمِّرِ لِذاتِ الأنماطِ الفاشلةِ.
{استراتيجيةُ المرونةِ والتكيّفِ}
 لا يُمكنُ لأيِّ جماعةٍ أنْ تنجوَ في عالمٍ سريعِ التغيّرِ دونَ مرونةٍ فكريةٍ واستراتيجيةٍ، فالجمودُ هوَ بدايةُ الانهيارِ، والتشبُّثُ بالأيديولوجياتِ المُغلقةِ دونَ مراعاةِ الوقائعِ، يؤدي إلى العُزلةِ والانهيارِ. 
 إنَّ القدرةَ على إعادةِ ترتيبِ الأولوياتِ، واستيعابِ الضغوطِ، والاستفادةِ من الفرصِ المتاحةِ دونَ فقدانِ الهويةِ، هوَ ما يُمكّنُ الجماعاتِ من تجاوُزِ التحدياتِ، وتحقيقِ أهدافِها بطريقةٍ أكثرَ استدامةً.  {استراتيجيةُ الميزةِ والفاعليةِ}   الجماعاتُ الناجحةُ لا تُراهنُ على الدفاعِ فقط، بل تَبحثُ عن نقاطِ القوةِ التي تُمكّنُها من التأثيرِ وصناعةِ القراراتِ، فهيَ تُعزِّزُ نفوذَها من خلالِ تطويرِ أدواتِ القوةِ الناعمةِ كالإعلامِ، والثقافةِ، والتعليمِ، والتكنولوجيا، وتُحققُ الاكتفاءَ الذاتيَّ تدريجيًّا لتقليلِ الاعتمادِ على القوى الخارجيةِ، لأنَّ النجاحُ لا يَكمنُ في البقاءِ فحسب، بل في القدرةِ على صناعةِ النفوذِ واستثمارهِ في تحقيقِ الأهدافِ الاستراتيجيةِ.
الاستراتيجيةُ الدفاعيةُ}
  تُسيطرُ على عالَمِ اليومِ (المصالحُ المتضاربةُ)، تَحتاجُ الجماعاتُ إلى آلياتٍ تحميها من الاختراقاتِ، وتُمكّنُها من الصمودِ أمامَ الضغوطِ، فبناءُ أنظمةِ الحمايةِ الأمنيةِ والسياسيةِ، وتأمينُ الاستقرارِ الاقتصاديِّ، وتطويرُ الوعيِ الجماهيريِّ لمواجهةِ الحملاتِ الدعائيةِ، هوَ ما يُشكّلُ جدارَ الصدِّ أمامَ أيِّ تهديداتٍ خارجيةٍ، حيثُ لا يَكفي أنْ تمتلكَ الجماعةُ رؤيةً قويةً، بل يجبُ أنْ تكونَ قادرةً على حمايتها من التفككِ والتآكلِ الداخليِّ.
استراتيجيةُ الاستدامةِ}
 يُتَمثّلُ النجاحُ الحقيقيُّ في تحقيقِ المكاسبِ اللحظيةِ،فَضلاً عن بناءِ منظومةٍ تَستطيعُ الاستمرارَ على المدى الطويلِ، من خلالِ (مؤسساتٍ قويةٍ ومستقلةٍ)، (واستثماراتٍ عقلانيةٍ) تَحميها من الأزماتِ، (وسياساتٍ ديناميكيةٍ) تَتكيفُ دونَ أنْ تُفقدَ الهُويةَ. فالجماعاتُ التي تُديرُ مواردَها بِحكمةٍ، وتُوازنُ بينَ احتياجاتِ الحاضرِ وتحدياتِ المستقبلِ، هي وحدَها القادرةُ على تحقيقِ الاستدامةِ والتأثيرِ الفعليِّ.
 {الحصادُ والاستنتاجاتُ}
تَفرضُ التحولاتُ الكبرى استراتيجياتٍ أكثرَ ذكاءً ومرونةً لضمانِ البقاءِ والنجاحِ. 
تحقيقُ التوازنِ بينَ الحمايةِ والمناورةِ هوَ مفتاحُ الاستقرارِ وسطَ التغيراتِ المُتسارعةِ. 
الاستثمارُ في القوةِ الناعمةِ والاستقلالِ الاقتصاديِّ يُقلِّلُ من التعرضِ للضغوطِ الخارجيةِ. 
 نهجٌ متعددُ المساراتِ في العلاقاتِ يُجنّبُ العزلةَ ويُتيحُ فُرصًا جديدةً. تأمينُ الشرعيةِ السياسيةِ والشعبيةِ هوَ الضامنُ الوحيدُ لاستمرارِ أيِّ مشروعٍ استراتيجيٍّ.
 هذه الاستراتيجياتُ يُمكِنُ اعتبارها دلالاتِ مَسارٍ لأيِّ (جماعةٍ أو دولَةٍ) تسعى للحفاظِ على مكانتهِا، وتحقيقِ استقرارٍ طويلِ الأمدِ لها في عالمٍ متغيرٍ ومليءٍ بالتحدياتِ، فَهل نَعَي أم الاجترار والتيه والكَسَل هو القَدَرُ المُحَتَّمُ، للهِ نَشْكو [الغباءَ الإستراتيجيَّ] للمُقامرينَ والمغامرينَ من مُهندسي المصائِر ؟!
 


تابعنا على
تصميم وتطوير