في لحظة اندفاع، قد نكسر قارورة العطر، فتملأ الأجواء برائحة قوية تأسر الحواس، لكنها سرعان ما تتلاشى، تاركة خلفها زجاجًا مكسورًا وعبيرًا يتبدد في الهواء. هذا المشهد البسيط يشكل تشبيهًا دقيقًا للكثير من القرارات التي نتخذها في لحظات التسرع، حيث نسعى إلى تحقيق رغبة آنية دون التفكير في العواقب، لنجد أنفسنا لاحقًا أمام خسائر لا يمكن تعويضها. في حياتنا اليومية، نقع مرارًا في فخ التسرع، سواء في قرارات مصيرية أو حتى في تصرفات يومية بسيطة. قد نغلق بابًا كان يمكن أن يظل مفتوحًا، أو نتخذ موقفًا قاسيًا تجاه شخص عزيز بدافع الغضب، أو حتى ننفق أموالنا على أشياء لا نحتاجها فقط لأن لحظة الإغراء كانت أقوى من صوت العقل. كل هذه الحالات تشترك في شيء واحد: الشعور بالندم بعد زوال اللحظة التي دفعتنا إلى اتخاذ القرار الخاطئ. التسرع لا يرتبط فقط بالأفراد، بل يمتد ليشمل المجتمعات والمؤسسات، حيث قد تتخذ قرارات مصيرية بناءً على معطيات غير مكتملة أو ضغوط وقتية، مما يؤدي إلى نتائج كارثية على المدى البعيد. ففي عالم الأعمال، مثلًا، قد يؤدي قرار متسرع بطرح منتج غير جاهز إلى خسارة ثقة العملاء، وفي العلاقات الدولية، قد يؤدي تصرف متسرع إلى تصعيد أزمات كان يمكن حلها بالدبلوماسية. الواقع يؤكد أن التسرع غالبًا ما يكون نتيجة لعدم الصبر أو التأثر بالمشاعر اللحظية. الإنسان بطبيعته يميل إلى البحث عن الحلول السريعة والإشباع الفوري لرغباته، لكن هذا النهج قد يكون مكلفًا. فكم من أشخاص فقدوا فرصًا ثمينة بسبب اتخاذ قرارات متسرعة؟ وكم من علاقات انتهت بسبب كلمة قيلت دون تفكير؟ وكم من موارد أهدرت بسبب قرارات لم يُنظر إلى آثارها بعين الحكمة؟ معالجة هذه الظاهرة تتطلب وعيًا ذاتيًا وتدريبًا على التريث والتفكير في العواقب قبل الإقدام على أي خطوة.
فالتريث ليس ضعفًا، بل هو قوة تمكن الإنسان من اتخاذ قرارات أكثر حكمة واتزانًا. ومن المهم أن ندرك أن لحظات التسرع قد تمنحنا سعادة آنية، لكنها قد تترك وراءها أثرًا مؤلمًا يستمر طويلًا، تمامًا كما تبقى شظايا زجاجة العطر المكسورة دليلًا على لحظة اندفاع لم تكن تستحق الثمن الذي دُفع مقابلها.