تشهد الثروة الحيوانية في العراق هذه الأيام تهديدات خطيرة بسبب تفشي أمراض وبائية مثل الحمى القلاعية والطاعون، مما أدى إلى خسائر كبيرة في أعداد المواشي، خاصة في مناطق من بغداد كالفضيلية، النهروان، وأبو غريب. ومع تزايد القلق بين المربين والمواطنين، وكثرة التصريحات من هنا وهناك .. وجدت جريدة الزوراء ضرورة متابعة الموضوع والقيام ميدانياً بزيارة الجهات المعنية للتعرف عن كثب بما هو واقع وما هو المطلوب.
كانت أول زيارة الى وزارة الزراعة باعتبارها الجهة الرسمية وقد أجرينا حواراً مع السيد محمد الخزاعي الناطق والمتحدث الرسمي للوزارة:
- ما هو الفيروس المسبب للحمى القلاعية، ومتى ظهر لأول مرة في العراق؟
- الحمى القلاعية هي مرض فيروسي يصيب الحيوانات المجترة مثل الأبقار والأغنام والماعز، وهو ناجم عن فيروس الحمى القلاعية, هذا الفيروس ليس جديداً على العراق، إذ إنه متوفر فيه منذ عام 1936، وقد انتقل إلى البلاد في الثلاثينيات من القرن الماضي. ومع ذلك، فإن هذا الفيروس ليس محصوراً بالعراق فقط، بل هو موجود في العديد من دول العالم، حتى في الدول المتقدمة مثل ألمانيا وتركيا، حيث تم تسجيل إصابات مؤخراً.
- هل انتشار المرض في العراق يعود إلى عدم توفر اللقاحات؟
- لا، هذا غير صحيح. وزارة الزراعة تبذل جهودا كبيرة في توفير اللقاحات وإطلاق حملات تلقيح شاملة لمربي المواشي. على سبيل المثال، في آب 2024، تم تنفيذ حملة واسعة لتلقيح الحيوانات، وتبعتها حملة أخرى في تشرين الأول من العام نفسه. المشكلة الحقيقية ليست في توفر اللقاح، بل في رفض بعض المربين تلقيح مواشيهم خوفا من الآثار الجانبية المؤقتة، مثل ارتفاع درجة حرارة الحيوانات وتوقفها عن إنتاج الحليب والمنتجات الحيوانية لبضعة أيام، مما يسبب لهم خسائر مادية مؤقتة.
- ما مدى تأثير رفض المربين تلقيح مواشيهم على انتشار المرض؟
- عدم تلقيح المواشي يؤدي إلى تفشي المرض بين الحيوانات بسرعة كبيرة، إذ يصبح القطيع غير محصن ضد الفيروس، ما يسمح له بالانتشار بسهولة. في المقابل، المربون الذين التزموا بحملات التلقيح لم يتعرضوا إلى أي خسائر بسبب المرض، حيث لم تصب مواشيهم بأي عدوى. وهذا يثبت أن التلقيح هو الحل الفعّال لحماية الثروة الحيوانية.
- ما هي الإجراءات التي اتخذتها وزارة الزراعة لمواجهة تفشي الحمى القلاعية؟
- الوزارة تعمل على مدار الساعة لمكافحة المرض، حيث تم تشكيل خلية أزمة دائمة بأمر من السيد الوزير لمتابعة الوضع الصحي للثروة الحيوانية. لدينا فرق بيطرية منتشرة في عدد كبير من المحافظات، تعمل على محاصرة البؤر الوبائية وتقديم العلاج للحيوانات المصابة، بالإضافة إلى رش الحظائر بالمبيدات المناسبة لمنع انتقال العدوى من منطقة إلى أخرى. كما أننا نتابع بدقة حركة الحيوانات لمنع نقل المرض من المناطق المصابة إلى المناطق السليمة.
- كيف يمكن للمربين المساهمة في الحد من انتشار المرض؟
- المربون هم الحلقة الأهم في سلسلة الوقاية من المرض، وعليهم الالتزام بالإرشادات الصحية التي تصدرها الجهات المختصة. من الضروري أن يبلغوا فورا عن أي حالات إصابة بين مواشيهم حتى تتمكن الفرق البيطرية من التدخل بسرعة للسيطرة على المرض. كما نشدد على أهمية تلقيح الحيوانات بشكل منتظم، لأن ذلك ليس فقط لصالح المربين أنفسهم، بل أيضا لصالح الاقتصاد الوطني، حيث إن الثروة الحيوانية تعتبر ركيزة أساسية في دعم المجتمع والدولة.
- ما هي رسالتكم الأخيرة إلى مربي المواشي والمواطنين بشكل عام؟
- رسالتنا واضحة، وهي ضرورة الالتزام بحملات التلقيح وعدم التهاون في تطبيق التدابير الصحية. الوقاية خير من العلاج، وحماية الثروة الحيوانية مسؤولية مشتركة بين الجميع. نؤكد أيضا على ضرورة التبليغ عن أي حالات إصابة بشكل فوري، لأن الاكتشاف المبكر يساعد في احتواء المرض قبل أن ينتشر على نطاق أوسع. في النهاية، نحن نعمل جميعا من أجل الحفاظ على هذا القطاع المهم الذي يخدم المربين والمجتمع والاقتصاد الوطني.
- هذا وانتقلنا إلى الاتحاد المحلي للجمعيات الفلاحية باعتبارها الجهة الرقابية ولديها عدد من الجمعيات الخاصة بتربية المواشي وكان في استقبالنا السيد محمد خضر رئيس فرع بغداد والذي كان معه الحوار التالي:
- أجرت صحيفتنا لقاءً خاصا مع رئيس الاتحاد المحلي للجمعيات الفلاحية للحديث عن أسباب انتشار هذه الأمراض، الإجراءات المتخذة، والمسؤوليات الملقاة على عاتق الجهات المعنية.
- ما هي الإجراءات التي اتخذتموها فور تلقيكم بلاغات عن إصابات المواشي بالأمراض الوبائية؟
- لدينا جمعيات متخصصة برعاية المواشي، وقبل فترة قصيرة تواصل معي عدد من أصحاب هذه الجمعيات ليبلغوني بوجود إصابات بين المواشي التي يربونها. وعلى الفور، قمنا بالتحري ميدانيا لنجد أن العديد من الحيوانات تعرضت للإصابة بالحمى القلاعية والطاعون. كان من واجبنا التحرك بسرعة لاتخاذ التدابير اللازمة، كما قمنا بالتواصل مع الجهات الإعلامية لإيصال هذا الموضوع للرأي العام والتوعية بمخاطره.
- برأيكم، هل هناك تقصير من بعض الجهات الرسمية في التعامل مع هذه الأزمة؟
- نعم، هناك تقصير واضح، خاصة من الجهات المسؤولة عن توفير اللقاحات، مثل دائرة الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، التي لم تقدم الدعم الكافي للمربين. دائرة البيطرة، التي تتبع لوزارة الزراعة، كان من المفترض أن تتخذ التدابير الوقائية قبل تفشي المرض، لا سيما أنهم على دراية بأن هذه الأمراض تتكرر سنويا، لكنها تتصاعد في مواسم معينة. للأسف، لم نشهد استجابة مناسبة، مما أدى إلى تفشي الإصابات بشكل كبير هذا العام، خصوصا في بغداد، حيث تضررت مناطق مثل الفضيلية، النهروان، وأبو غريب بشكل واضح. هذا التقصير ليس مجرد إهمال إداري، بل هو خطر يهدد الثروة الحيوانية، التي تمثل جزءً هاما من الاقتصاد الوطني.
- هناك حديث متداول بين المربين بأن سبب تفشي المرض هو استيراد مواشٍ مصابة من الخارج. ما مدى صحة هذا الادعاء؟
- لا يوجد دليل قاطع على هذا الادعاء، رغم أن بعض المربين يؤكدون دخول شحنات مستوردة مصابة. في جميع الأحوال، الأهم هو اتخاذ التدابير الصحية اللازمة، سواء كانت الحيوانات مستوردة أم محلية. من الضروري أن يتم التشديد على إجراءات الفحص الصحي عند الحدود، وألا يُسمح بدخول أي مواشٍ إلا بعد التأكد من سلامتها. كما يجب على الفرق البيطرية تكثيف حملاتها الميدانية كما كان الحال في السنوات السابقة
- هل لديكم إحصائية رسمية بعدد المواشي التي نفقت نتيجة لهذه الأمراض؟
- وفق آخر اتصال لي مع رئيس إحدى الجمعيات المتخصصة بتربية الجاموس في الفضيلية، فإن عدد الوفيات تجاوز الألف رأس. هذا المرض فتاك، فالحيوان المصاب لا يصمد طويلا، ويموت بسرعة. أحد المربين أخبرني اليوم عن هلاك أكثر من 200 جاموسة في منطقته وحدها، مما يعكس حجم الكارثة التي تواجهنا.
- هل هناك مخاوف من ترك جثث الحيوانات النافقة في أماكن غير مخصصة، مما قد يزيد من انتشار الأمراض. ما هو موقفكم من ذلك؟
- هذا الأمر خطير جدا، ونحن نطالب وزارة الزراعة بتحديد مواقع مخصصة لدفن الحيوانات النافقة بطرق صحية وآمنة. لا يجوز تركها في مناطق البزل أو بالقرب من الأنهار، لأن ذلك يؤدي إلى انتشار الأمراض بشكل أكبر.
- ما هي توصياتكم للمربين وللجهات الرسمية لمنع تكرار هذه الأزمة؟
- أولاً، نطالب وزارة الزراعة بتوفير اللقاحات مسبقا، وعدم الانتظار حتى تفشي الأمراض. كذلك، يجب متابعة المربين الذين لم يلقحوا مواشيهم، والإبلاغ السريع عن أي إصابات للحد من انتشار المرض. كما نوصي المواطنين بعدم شراء اللحوم من القصابين إلا بعد التأكد من وجود الختم الصحي الرسمي، لضمان سلامة اللحوم المستهلكة.
- في الختام، هل من رسالة أخيرة تودون توجيهها؟
- رسالتي إلى جميع الجهات المعنية، خاصة وزارة الزراعة، أن تأخذ هذا الملف بجدية تامة، لأن الثروة الحيوانية جزء أساس من اقتصادنا وأمننا الغذائي. لا يمكن أن نستمر في مواجهة نفس المشكلة سنويا دون حلول جذرية. كما أدعو المربين إلى التعاون مع الجهات البيطرية والالتزام بالتعليمات الصحية لضمان سلامة مواشيهم. وختاما، أشكر صحيفتكم على تسليط الضوء على هذه القضية المهمة.
بعد هذه الحوارات في بغداد كان من الضروري متابعة الموضوع في بعض المحافظات لمعرفة رأي الجهات البيطرية ولهذا اجرينا اتصالا مع الدكتور البيطري محمد العبادي مدير المستشفى البيطري في نينوى فكان معه الحوار التالي:
- ما نعتقده أن محافظة نينوى شهدت إصابات في الحمى القلاعية فما رأيكم ؟
- شهدت محافظة نينوى خلال الأيام القليلة الماضية تسجيل عدة إصابات بمرض الحمى القلاعية بين الأبقار والجاموس، ما أثار قلق المربين والجهات المختصة.
- كمتخصص في الإمراض الوبائية في الحيوانات هل ان هذا الوباء الحيواني يصيب الإنسان ؟
- أبدا أن المرض لا ينتقل من الحيوان إلى الإنسان، أنه يصيب الثروة الحيوانية فقط. وأود أن أشير إلى أن الحمى القلاعية ليست ظاهرة جديدة، لكنها شهدت انتشارا واسعا وحدة إصابة أشد من المرات السابقة.
- وبتصوركم من أين جاء المرض ؟
- أن سبب تفشي المرض في المحافظة يعود إلى نقل حيوانات مصابة من بغداد إلى نينوى، حيث اتضح أن بعض الأبقار والجاموس كانت حاملة للفيروس، مما أدى إلى انتشار العدوى بين المربين في المحافظة.
- وماذا عملتم ؟
- الكوادر البيطرية بذلت جهودا مكثفة لمواجهة المرض، حيث تم جمع عينات دم من الحيوانات المصابة وإرسالها إلى المختبرات المركزية في بغداد لتحديد العترة الفيروسية. كما اشير إلى أن الجهات البيطرية تضغط على وزارة الزراعة لتوفير اللقاحات في أسرع وقت ممكن من أجل الحد من انتشار المرض.
- وما هي خطورة المرض ؟
- أن الحمى القلاعية تسبب خسائر اقتصادية كبيرة لمربي الماشية، لذا اشدد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للسيطرة على المرض ومنع تفشيه بشكل أكبر في المحافظة.
بعد هذه المتابعة الميدانية نؤكد انه في ظل تفشي مرض الحمى القلاعية في العراق هذا العام، ضرورة اتباع الإجراءات التالية للحد من انتشار المرض وحماية الثروة الحيوانية:
1- تقييد حركة الحيوانات: منع نقل المواشي من وإلى المناطق المصابة، وتحديداً بين المحافظات، للحد من انتشار المرض.
2- تطبيق الحجر الصحي: عزل الحيوانات المصابة فوراً، وتطبيق إجراءات الحجر الصحي في البؤر المصابة.
3ــ التطعيم والعلاج: توفير اللقاحات والعلاجات البيطرية المناسبة وتوزيعها مجاناً على المربين لمعالجة الحيوانات المصابة والوقاية من الإصابة.
4 - التنظيف والتطهير: تنظيف وتطهير أماكن تربية المواشي والأدوات المستخدمة بانتظام للحد من انتشار الفيروس.
5- التوعية والتدريب: توعية المربين والعاملين في مجال تربية المواشي حول أعراض المرض وطرق الوقاية منه، وتدريبهم على تطبيق الإجراءات الوقائية.
6- التنسيق مع الجهات المختصة: التواصل المستمر مع الدوائر البيطرية والإبلاغ عن أي حالات اشتباه بالإصابة، والتعاون في تنفيذ حملات الرصد والتحري.