على مدى عقود، استقرت الأعراف الإعلامية على مبدأ جوهري مفاده أن معدّ البرامج هو ذاته مقدمها، وهو الشخص الذي يتولى صياغة الفكرة وإعداد المحتوى وتقديمه للجمهور بأسلوب متكامل يجمع بين الفكر والأداء واللغة والصوت والالتزام المهني. لم يكن يُقبل أن يُفصل بين الدورين، إلا في حالات محددة تقتصر على البرامج التي تعتمد على نصوص مكتوبة تُقرأ بأصوات أخرى، ما يضمن خروج البرنامج متكاملاً في مضمونه وأسلوب تقديمه وإخراجه.
تحولات المشهد الإعلامي
مع التطورات التقنية التي شهدها الإعلام، بدأنا نرى تحولاً في طبيعة العمل الإعلامي، حيث أصبح دور المعدّ مقتصراً على ابتكار الفكرة وصياغة الأسئلة وإعداد مقدمة البرنامج، بينما يُترك للمذيع دور الأداء الصوتي والتقديم، مستعيناً بتقنيات مثل «الأوتوكيو» أو الرسائل الفورية عبر التطبيقات الرقمية. هذا التغيير أوجد فجوة واضحة بين الإعلامي الذي يمتلك القدرة على الإعداد والتقديم بوعي وفهم، وبين المذيع الذي يعتمد اعتماداً شبه كامل على ما يُملى عليه، ما قد يخلق إشكالات تتعلق بغياب الفهم العميق للفكرة أو حدوث ارتباك عند تعطل الوسائل التقنية، وهو ما يجعل إخراج البرنامج عرضة للأخطاء.
الخصائص الجوهرية
للإعلامي المتكامل
حتى يستعيد الإعلامي مكانته كمعدٍّ ومقدمٍ في آنٍ واحد، يجب أن يمتلك مجموعة من المهارات والإمكانات التي تضمن له الحضور القوي والتأثير الفاعل، ومن أبرزها:
المهارات المهنية الأساسية
1- الإعداد المتقن: يشمل البحث العميق في الموضوعات، جمع المعلومات، وصياغة الأسئلة بذكاء ودقة.
2- إدارة الحوار: التحكم في مجريات النقاش، توجيه الحديث، وضبط توازن الآراء المطروحة.
3- التفاعل مع الضيوف والجمهور: خلق أجواء تفاعلية تحفّز النقاش بأسلوب شيّق وجذاب.
4- اللباقة والاحترافية: وتعني الحفاظ على لغة سليمة ونطق واضح، مع القدرة على التعامل مع المفاجآت بحرفية.
5- تحقيق التوازن والحيادية: وتعني الابتعاد عن الانحياز، وطرح القضايا بموضوعية تامة.
الإمكانات الفكرية والثقافية
1- الإلمام الواسع بالموضوعات: امتلاك خلفية معرفية قوية ومتجددة في مختلف المجالات، لا سيما تلك التي تتعلق ببرنامجه.
2- القدرة على التحليل والاستنتاج والمشاركة : وتعني فهم القضايا بعمق وإثراء النقاش بأبعاد جديدة.
3- المرونة الفكرية والانفتاح: تقبّل الآراء المختلفة وإدارتها بحكمة دون تعصب أو تحيز.
المهارات اللغوية والتواصلية
1- إجادة اللغة العربية الفصحى أو اللهجة المطلوبة ، مع قدرة على النطق السليم والسلس.
2- امتلاك صوت واضح وجذاب، والتحكم في نبرة الصوت بما يتناسب مع سياق الحديث.
3- مهارة الاستماع الفعّال ، لفهم الضيف والرد عليه بذكاء وحيوية.
4- استخدام لغة الجسد المناسبة لتعزيز التفاعل والتأثير.
5- إعداد أسئلة محفزة للنقاش بعيدًا عن التكرار أو المباشرة الزائدة.
6- إدارة الوقت بفاعلية ، لضمان سلاسة سير الحوار وفق زمن الحلقة.
7- التعامل مع الطوارئ مثل خروج الضيف عن النص أو المشكلات الفنية غير المتوقعة.
8- الثقة بالنفس أمام الكاميرا والجمهور ، مما يعزز الحضور الإعلامي القوي.
9- خلق أجواء من الألفة مع الضيوف والجمهور، مما ينعكس إيجابيًا على تفاعل المشاهدين.
10- امتلاك كاريزما جذابة تترك انطباعًا مؤثرًا لدى الجمهور.
في الختامً أقول :
إن الإعلامي الحقيقي هو ذلك الذي يجمع بين عمق الفكرة وجودة الأداء، بين الإعداد الواعي والتقديم البارع، فلا يكتفي بأن يكون مجرد ناقل للكلمات، بل يصبح محركًا للنقاش، صانعًا للأثر، وقائدًا للرأي العام. وبينما تتطور الوسائل والتقنيات، يبقى المعيار الأساسي للإعلامي الناجح هو امتلاكه أدوات المعرفة والتواصل والاحتراف، ليظل صوته مسموعًا وعقله حاضرًا في كل حوار يخوضه.