بيروت/ متابعة الزوراء
بعد أكثر من عام على التهجير، بدأ أهالي بلدات الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة العودة تدريجياً إلى منازلهم، لتفقد الخسائر الضخمة التي لحقت بهم. يوثّق هؤلاء عودتهم بأنفسهم تقريباً، من خلال مقاطع الفيديو التي ينشرونها على منصات التواصل الاجتماعي، وسط غياب لافت للتغطية الإعلامية من وسائل الإعلام اللبنانية لا سيما القنوات التلفزيونية. تسلّط عودة الأهالي الضوء على تباين كبير بين اللبنانيين ووسائل الإعلام المحلية، وتحديداً بالنسبة لأهالي جنوب البلاد الذين عاشوا فصول العدوان الإسرائيلي منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو القسّام، الجناح المسلح لحركة حماس، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قبل أن تشهد تصعيداً كبيراً في سبتمبر/أيلول الماضي.
تشكّلت ملامح هذا التباين نتيجة عوامل عدة، أبرزها الانقسام الكبير في المواقف اللبنانية تجاه جبهة الإسناد التي أطلقها حزب الله، ما انعكس بوضوح على أداء وسائل الإعلام المحسوبة على مختلف الأطراف السياسية. خلال الحرب، طالب الجنوبيون مراراً بتكثيف التغطية الإعلامية لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية، وهو ما لم يحصل، خصوصاً بعد استهداف إسرائيل الصحفيين اللبنانيين في بلدات جنوبية عدة. وتجلّى التوتر أخيراً في تصاعد اعتداءات بعض الأهالي على المراسلين الميدانيين ومنعهم من التغطية، في مشهد تكرر سابقاً، لكن ليس بهذا الحجم وتلك الحدة. أثارت التغطية الإعلامية طوال الحرب جدلاً واسعاً، بسبب غيابها عن المناطق التي تعرضت للعدوان، مقابل اتهامات طالت بعض الوسائل بتبنّي رواية الاحتلال الإسرائيلي. برز الجدل هذا في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لقناة أم تي في خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أشار إلى وجود مسلحين من حزب الله داخل مراكز إيواء النازحين، لا سيما في بيروت وضواحيها، ما أثار ردود فعل واسعة وانتقادات حادة.
رأى الصحفي اللبناني نذير رضا، في حديثه لـ»العربي الجديد»، أن «وسائل الإعلام ومراسليها حرصوا بشكل عام على مراعاة مشاعر الناس خلال التغطية، إلا أن المشكلة الأبرز تمثّلت في التضليل الإعلامي سواء عبر الانزلاق إلى الرواية الإسرائيلية أو تبنّي الخطابات الشعبوية، خصوصاً من خلال نشر أخبار غير مؤكدة». فقد واجهت وسائل الإعلام تحدياً متزايداً في منافستها مع منصات التواصل الاجتماعي التي سارعت إلى نشر الأخبار، مما فرض عليها ضغطاً إضافياً للموازنة بين سرعة النشر والتحقق من صحة المعلومات. في المقابل، وبما يخص الحملات ضد وسائل الإعلام، أشار رضا إلى أن «العديد منها ليس بالضرورة منظّماً، بل جاء كردّ فعل على تطورات آنية. ومع ذلك، قد يكون هناك بعض الحملات الممنهجة التي سعت إلى توجيه الرأي العام، تماماً كما فعلت بعض المؤسسات الإعلامية التي بثت معلومات تخدم مصالحها السياسية».
مع تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي، وتحديداً في النصف الثاني من سبتمبر الماضي، برز تباين واضح في أداء وسائل الإعلام اللبنانية، سواء من حيث أسلوب التغطية أو أولويات المعالجة الإخبارية. لم يعكس هذا التفاوت مجرّد اختلاف في السياسات التحريرية، بل أظهر الانقسامات السياسية والطائفية التي طالما طبعت المشهد الإعلامي في لبنان. أشار الباحث في الشؤون الإعلامية الدكتور علي رمال إلى أنّ «لبنان شهد ثلاثة أنواع من الإعلام خلال الحرب: المؤسسات التي قامت بالتغطية المباشرة من المناطق التي شهدت العدوان، مقابل مؤسسات اكتفت بنقل أخبار التفجيرات وأعداد الضحايا وغيرها، وهناك بعض وسائل الإعلام التي عملت على رصد تبعات الحرب». وقال رمال لـ»العربي الجديد» إن «الإعلام اللبناني ما هو إلا انعكاس للانقسامات اللبنانية، خصوصاً وأن الانتماء السياسي يفرض انتماء إعلامي».
فورة في المواقع الإخبارية اللبنانية بلا قانون يحميها
كان لمنصات التواصل الاجتماعي دور محوري في توثيق الانتهاكات الإسرائيلية خلال الحرب على لبنان، تماماً كما في قطاع غزة. فقد برزت عدة صفحات محلية بصفتها مصادر رئيسية لنقل تطورات الأحداث، في ظل الغياب شبه التام للتغطية الإعلامية من قبل الوسائل المحلية. من بين هذه الصفحات برزت eye.on.llebanon التي يتابعها نحو 400 ألف شخص على «إنستغرام»، حيث أصبحت مصدراً أولياً للمعلومات، عبر نشر مقاطع فيديو التقطها المواطنون، ما ساهم في توثيق العدوان الإسرائيلي في مختلف المناطق. توازياً، عملت منصات الإعلام البديل على توثيق تبعات الحرب، تحديداً في ما يتعلق بالنازحين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم وبلداتهم. من خلال التعاون مع صحفيين مستقلين، نجحت هذه المنصات في إنتاج مجموعة واسعة من القصص التي حظيت بتفاعل كبير، نظراً لتركيزها على المحتوى الإيجابي، الذي عكس صمود الجنوبيين وإصرارهم على العودة إلى منازلهم وبلداتهم.
(عن/ صحيفة العربي الجديد)