تعّد ملاحقّة تسّللات الأضًواء إلى أحّياز المناطق المعّتمة ، والمنسّية، مهمة شاقّة وشيقّة في ذات الوقت، عند المصّورين «المرئيين»، وهم يسعّون لاكتشاف عوالمها، وقراءة ما تنتجّه سلوكيات تشّكلها من آثار على جدرانها المعّدومة الحياة. ويعّملون على توظيف متضّاداتها في تقّديم جّمل بَصّرية نادرة الحصول. المصور (أنور درويش) لطالما أبهرتنا مرئياته في هذا المسّعى البَصّري، وهو يكشّف لنا عن قدرته للقبضْ على مناطق المتضّادات الاستثنائية، وسبر خبايا تشكلاتها في المناطق المنزوية، ويعّمد إلى عدم إزاحة هيئتها اللونية، وتحويلها إلى الأسّود والأبيض، كما يعّمل العّديد من المصّورين الذين يقّبضون على مثل هذه المناخات الضّوئية النادرة، لكن «الدويش» يصّر بزواياه المتفردة على استثمار قّيمة الألوان كمعّادل بَصًري في صورته، ليقدّم محتوى مغّاير لا يقتصّر فيه على إنشاء مقّاربة تجريدية لمناطق الظل والضّوء ، بل يسعى دائما لتعّزيز فاعليتها بإحضار كينْونة بشرية، تًتمم له معّادلة سردياته المخّبئة فيً هذه الأحّياز المنسّية.
كما نلحظْه في «مرئيته» الجديدة، التي تدفعّنا للاقّتراب أكثر من عناصّرها لنستّبين خّبايا تفاصيلها، حتى نصّل إلى مشاركة إنسانه «المصور» اتخاذ قّرار تعديل عدادات كاميرته، بين توسّعة فتحة عدستها، لتتمكن من استقًراء حلكة المناطق المعتمة في حّياتنا، أو تضّييقًها لتستوعب حجم الأضواء النازلة عليه، وهي تلقّي باثره على جدران الأقبية، مسّجلة وجودا انسانيا له في زوايا أمكنتها المتروكة!
«مرئية» لا تتّرك متلقّيها يغّادر مساحتها دون أن يتقّفى مؤشرات عناصرها بدقّة.
وهذا يحقّق لنّا مقّولة؛ أن المصّور «المرئي» هو ذلك الذي يتّرك متلقيه يستّمع لصيحات أرواح الامكنة، والوصول إلى همّس دلالات نصّوصها البَصًرية، ولا يكتفي بالنظّر إلى سطحها الظاهر. وهو ما يمّيز جّهد المصور «أنور درويش» لجعّل مرئياته حّية وقابضّة على أنفاسِها بقّوة.