الفنان الرائد الكبير طعمة التميمي من مواليد البصرة في الأول من نيسان عام 1931، عرفه الجمهور العراقي والعربي ممثلاً تراجيدياً عراقياً، بدأ التمثيل عندما كان مدرساً في مسرح ثانوية الملك فيصل في مدينة البصرة، فيما بدأ حياته العملية بشكل واسع بمسرحية (مروءة مقنعة)...
بعدها انتقل إلى بغداد ملتحقا بمعهد الفنون الجميلة، وتخرج فيه عام 1955 لينظم للعمل مع الفرقة القومية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح، وقدم خلال مسيرته عددا كبيرا من الافلام والمسرحيات والاعمال التلفزيونية والاذاعية ستبقى في ذاكرة العائلة العراقية.
الفنان طعمه عبدالمجيد التميمي ممثل اقرب للتراجيديا منها للكوميديا، بدأ حياته الفنية مبكرا وامتد نشاطه لأكثر من أربعين سنة ، حيث برز نشاطه في الأنشطة الفنية المدرسية، ثم أصبح خطيبا، شارك هذا العملاق في عدد من المسلسلات نذكر منها مسلسل (تحت موس الحلاق، للحب فقط، أماني العشاق ، حكايات أيام العصيبه، ذئاب الليل ، الذئب والعيون المدينة ، من أجل حبي )، وكانت شخصية « رحومي « في مسلسل النسر والعيون المدينة»، خالدة و باقية في أذهان وذاكرة المجتمع ، كما شارك الرائد الكبير طعمه التميمي في مهرجانات عديدة مثل مهرجان طشقند عام 1976 ومهرجان موسكو 1975.
الفنان طعمه التميمي مشروع حب وابتسامة دائمة تمنحك الأمان وتلغي كل ما تقدم من أشياء، الكوميديا جزء من حياته فكان يطلق النكات ويخرج الجانب الكاريكاتوري على من يصادفه في حياته، وكان أبا مثاليا وفنانا ملتزما وانساناً خجولاً.
كان الفنان الرائد الكبير طعمة التميمي ممثلا راقيا جسد كل الادوار الجادة وكان بطلا لأعمال مسرحية عراقية نقشت اسماءها بتاريخ المسرح العراقي الجاد، اضافة الى الاعمال التلفزيونية والسينمائية، فكان يتألق بتجسد الشخصية العراقية المعاصرة او التاريخية منها فيترك أثرا طيبا في قلوب المتلقين التي مازالت تستذكر اعماله وما قدمه للدراما العراقية بالمسرح او امام الشاشة. فقد ترك لهم اسما كبيرا في تاريخ الفن والثقافة العراقي يفتخر به المسرح، والدراما الاذاعية، والتلفزيونية، والسينمائية.
ففي الوقت الذي تتصفح اوراق رواد المسرح ممن تركوا أثرا في مسيرتهم، تستذكر في هذه الحلقة أحد عمالقة المسرح والدراما العراقية الذي اغنى ذاكرة الجمهور العراقي بما قدمه من اعمال في المسرح والتلفزيون والسينما والاذاعة التي لا تزال عشرات الاعمال محفوظة في المكتبة والارشيف الفني والصوري. هو طعمة التميمي ممثل ونجم ساطع في مسيرته الفنية وكوكب من كواكب الابداع في الدراما العراقية، مخلفا لمسيرته تاريخا حافلا بالإنجازات الفنية والتي مازالت متعلقة في اذهان الجمهور العراقي، يحمل من المواصفات والمقومات الاساسية ما أهلته لان يكون فارسا من فرسان الدراما العراقية، بل فاق بحرفتيه وبمؤهلاته الفنية العديد من النجوم العراقيين والعرب والعالميين والذين شاركوه في العديد من الاعمال الفنية في السينما العراقية والتي شهدت على ابداعاته.
لقد حافظ طعمة التميمي وهو طالب في معهد الفنون الجميلة على رقيه ونجوميته منذ ان وطأة قدماه سلالم النجومية وأصبح كوكبا يشار له من قبل معجبيه، فقد تعامل مع العديد من المخرجين التلفزيونيين والسينمائيين والمسرحيين بإخلاص وبمحبة لا توصف، واستعانوا به في اعمالهم الدرامية، لقد اوجد له مدرسة خاصة واسلوبا متميزا في التمثيل كأي فنان عربي او عالمي من خلال سعة ثقافته واطلاعه، وانتسب بعد ذلك الى الفرقة القومية للتمثيل كاسبة بذلك فنانا وممثلا كبيرا.
كان لظهور الفرقة القومية للتمثيل وانضمام طعمة التميمي اليها مبكرا تمثل نضوجا عمليا ومهنيا له ولها، ودورا مهما في خلق حالة التنافس والتجاذب بين الأعضاء وتنويع المنهاج المعتمد لهم في تقديم العروض المسرحية في المواسم المتعددة، والتنافس مع الفرق الاهلية المسرحية الفاعلة ، ولعل ما ميز تلك الفرق العاملة على الساحة الفنية أنها قدمت نماذج متميزة من الممثلين والمخرجين والتقنيين الذين ومن خلال جهودهم تواصلت تلك الفرق المسرحية الاهلية في عطائها وتفاعلها ، وبالمقابل استطاعت الفرقة القومية للتمثيل أن تستقطب العديد من الفنانين المؤثرين من تلك الفرق اليها أما لتعيينهم على ملاكها الدائم كموظفين او الارتباط معهم بعقود متوالية ومستمرة ، تلك الفرق الاهلية ومع الفرقة القومية للتمثيل خلقت مواسم مسرحية عراقية بامتياز وأسست بدورها لحركة مسرحية مهمة ليس تأثيرها في العراق فحسب بل في الوطن العربي، وقدمت ممثلين متميزين ، لذلك بقي المسرح العراقي تحت كل الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية فاعلا وحاضرا من خلال إبداع وإصرار فنانيه و محبيه على التواصل والعمل في تقديم عروض مسرحية فيها الجديد والمبتكر وفيها التقليدي وفيها الكلاسيكي، جامعا كل الألوان ومعبراً عن كل الآراء والأفكار التي تمّور في الشارع العراقي في كل ظروفه المتغيرة والمتحركة القاسية أحيانا والمتفاعلة في أحيان أخرى .
وبذكر أن الفرقة القومية للتمثيل خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات انضم اليها العديد من المخرجين الكبار من خارج تشكيلتها الإدارية واستطاعوا أن يجذروا المسرح التجريبي العراقي وانتشاره عربياً وأصبحت هناك اساليب ومدارس خاصة بهؤلاء المخرجين المبدعين، وكان تحديثهم للمسرح العراقي وتجربة الفرقة القومية من أهم اسباب انتشار المسرح العراقي عربياً.. فقد ضمت الفرقة القومية للتمثيل نخبة كبيرة من الممثلين والكتاب الكبار وقدموا أجمل العروض المسرحية وحصدوا العديد من الجوائز في المهرجانات العراقية والعربية والدولية وحصلوا على شهادات كبيرة من أهم الشخصيات الفنية في المسرح العربي والعالمي، ومن هؤلاء الممثلين المبدعين (عبد الجبار كاظم، طعمة التميمي طالب الفراتي، راسم الجميلي، غازي التكريتي، عزيز عبد الصاحب، ، كامل القيسي، عبد الستار البصري، عبد الجبار الشرقاوي، سامي قفطان، عزيز خيون، عز الدين طابو، عدنان شلاش، محمود أبو العباس، ازادوهي صاموئيل، فاطمة الربيعي، سليمة خضير، سعدية الزيدي، هناء محمد، شذى سالم، إقبال نعيم، عواطف نعيم، فوزية حسن، سمر محمد، زهرة الربيعي)، وغيرهم ممن رفدوا هذه الفرقة بأجمل ما يملكون من أداء رائع للأعمال المسرحية العراقية والعالمية، كما شاركت الفرقة القومية للتمثيل في مهرجانات المسرح العراقي ودوراته العديدة، وإن كانت غير منتظمة زمنياً، وكذلك في مهرجان بغداد العربي للمسرح الذي أقيم في بغداد لدورات قليلة وبمشاركة أغلب الفرق المسرحية العربية الرسمية. وكان يعتبر من أهم المهرجانات العربية بعد القاهرة وقرطاج، إلا أنه كان سلبياً بالنسبة الى الفنان العراقي لعدم استطاعته تفعيل الحركة المسرحية العراقية نتيجة عملية الإقصاء والتهميش التي كان يعاني منها العديد من المسرحيين العراقيين المبدعين في ظل تلك السلطة.
ويشهد الوسط المسرحي ومع هذه الأسماء الكبيرة ان للفنان طعمة التميمي من الخلق والاخلاق مما ساعدته على امتداد جسور المحبة بينه وبين زملائه من الفنانين، ومتواضعا بشخصيته، وفنان يحترم فنه ويقدسه ومن خلال التزامه بمواعيد التمارين، بحسب السجل اليومي للفرقة القومية للتمثيل الذي اطلعت عليه شخصيا في ذلك الوقت، والحضور في الوقت المحدد للتصوير ان كان في التلفزيون او السينما، يلتزم بتوجيهات المخرجين، اضافة الى كونه مبدعا ومبتكرا للعديد من الاضافات لأدواره التي يمثلها، وبعد استئذانه من المخرج واخذ رايه يبدأ العمل بها.
كان طعمة التميمي من خلال الفرقة يجسد ادواره بكل حرفية ومهنية ليضيف على اعماله الدرامية نكهة عراقية خالصة تفرح المخرج والممثلين قبل الجمهور، ويقينا نستذكر ادواره في مسلسل الذئب وعيون المدينة بجزئيه الاول والثاني وكيف كان يؤدي الشخصية بعفوية واسترخاء تعطي للممثل المقابل حافزا للعطاء والابداع ليرتقي المشهد والعمل الى صورة مشرقة ويسجل حضورا لافتا.
أن الفنان طعمة التميمي اهلته المقومات الاساسية والتي توافرت فيه كممثل جيد، هذه المقومات التي يجب على كل ممثل جيد يملكها، مثل الصوت الجسد، كان يملك صوتا جميلا يكيفه وبموجب متطلبات الشخصية التي يجسدها، وكذألك يملك من الجسد والتي يستطيع ان يكيفه وفق الشخصيات المختلفة من شخصيات الاعمال الدرامية منها المركبة والبسيطة.
كان الفنان الكبير طعمة التميمي صادقا ومخلصا في عمله الاداري والفني، مشاركا في العديد من الاعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية مع كبار نجوم الدراما العراقية والعربية منهم الفنان الكبير خليل شوقي، ويوسف العاني وبدري حسون فريد، ومع نجوم الدراما العربية مثل عزت العلايلي، وليلى طاهر، وحسن الجندي. فكان اول دور له في القطاع الخاص هو المنعطف اخراج الاستاذ جعفر علي، وفيلم القادسية مع سعاد حسني وعزت العلايلي وحسن الجندي وليلى طاهر وهو من اخراج المخرج الكبير المصري صلاح ابو سيف، وفيلم المسألة الكبرى والذي انتج عام 1983 من اخراج المخرج العراقي محمد شكري جميل والذين شاركوا هذا الفنان المبدع فنانين اجانب منهم الممثل اوليفر ريد، ومارك سيندون، وهيلين ريان ، ورودن كودين ، اضافة الى نجوم الدراما العراقية ، وكذألك في أفلام الحدود الملتهبة، الاسوار، وبيوت في ذلك الزقاق، سنوات العمر، الزورق، البيت، عرس عراقي، بديعة ، وجهان في الصورة ، الملك غازي ، زمن الحب ، طائر الشمس .
لقد استطاع هذا الفنان البارع والمتقد نشاطا وحيوية في تمثيله ان يجسد دور انطونيو في مسرحية «يوليوس قيصر» لشكسبير والتي اخرجها الفنان المرحوم جعفر السعدي، تجسيدا رائعا ، لقد استطاع بصوته الجميل ان يستخدمه كممثل حرفي في تجسيد هذه الشخصية الكلاسيكية والتي يصعب على اي فنان ان يجسد مثل هذه الشخصيات سيما أن خطبة انطونيو الشهيرة والتي هي محط اختبار جميع الطلبة والذين كانوا يؤدون اختبار القبول في معهد الفنون الجميلة ، هكذا تمكن الفنان طعمة التميمي وهو طالب في الصف الثالث المسائي في معهد الفنون الجميلة من تجسيد شخصية انطونيو , وخلق عنصر التشويق والاثارة في مشهد التابين والتشييع للقيصر والذي اغتالته الزمرة الملتفة حوله من امثال كاشيوس الفنان فخري العقيدي ، وبروتس حبيب القيصر والذي جسده الفنان فاروق فياض .
كما وجسد طعمة التميمي شخصية الدكتور توماس ستوكمان في مسرحية « عدو الشعب « للكاتب النرويجي هنريك ابسن والتي اخرجها الفنان المبدع الاستاذ بدري حسون فري، بأسلوب واقعي ومن خلال دوافعه الفوقية وردود افعاله الانعكاسية بتفاعله الصادق مع الاحداث والذي حرك احاسيسه ومشاعره الانسانية والتي جعلته يثور على المسؤولين في البلدة ويصفهم بالأنانية، لقد نجح الطالب طعمة التميمي بتوصيل مارداه المخرج للجماهير المحتشدة في القاعة، كان الفنان طعمة التميمي جريئا وقويا ومؤمنا بحرفتيه ويحبها بشكل لا يوصف لا يهاب الصعاب ويبذل جهدا وسعيا حثيثا من اجل الوصول الى ايجاد شخصيته الحقيقية على المسرح ، ولهذا يسعى جاهدا ومن خلال التحليل والبحث الى تحقيق ما يصبو اليه من التألق والابداع في التمثيل
ولعل حضوره المؤثر والكبير كان في مسرحية « كالكامش« تقديم الفرقة القومية للتمثيل وإخراج الفنان القدير سامي عبدالحميد ممثلا عملاقا عربيا ، حيث هناك ثمة شخصيتان أساسيتان تحركان الصراع في النص، جلجامش بطغيانه ودمويته، وأنكيدو الكائن البري، الذي تخلقه الآلهة أورور لمواجهة جلجامش، وثنيه عن فظاعاته التي يقترفها ضد شعب أوروك لإيجاد قدر من التوازن في النظام المديني السومري بين الطبيعة البكر المنفلتة، وبين بيروقراطية الحكم المدني، أي بين مبدأ الطبيعة والثقافة من جانب، وبين والموت والحياة، واجتراح مفاهيم مغايرة لهاجس الخلود الذي سكن جلجامش بعد موت الصديق، ومجابهة الموت بوصفه حقيقة يومية لا منجى منها. كان دورا مركبا صعبا لأنه في حياة جلجامش، وضمن سياقات العيش في حاضرة عظيمة كمدينة أوروك، التي تمتلئ معابدها بالناسخات والشاعرات والعرافات، فرصد لهذا الدور طعمة التميمي جميع إمكانياته وقدراته بفن التمثيل ليقدم شخصية صادقة بانفعالاتها ونموها الإنساني والكهني ويرتقي يعرض منحنا الثقة بتلك الملحمة.
لذلك نتفق جميعًا أن الفن رسالة سامية، والفنان الملتزم مثل الراحل الكبير طعمة التميمي حامل مبادئ تلك الرسالة وخير موصِّل لها ولبنودها الراقية، ولهذا تظل منجزاته دائمًا تحت أنظار جماهيره وعاشقي فنه، وكم من فنانين حازوا الكثير من الشهرة والمجد لكنهم ضاعوا في زوايا النسيان جرَّاء ممارسة داء التعالي والغرور « لا سامح الله « الذي يصيب ضعاف النفوس البشرية في كل زمانٍ ومكان.
إن العلاقة بين الفن والأخلاق والسلوكيات الحميدة، لابد أن تكون علاقة وطيدة كالحبل السُّري بين الأم وجنينها الذي تمنحه نبضات الحياة في أحشائها، فالأمل والأمنيات أن نجد «الفن» هو الذي يمسك بمقود الحياة على الأرض لتهذيب الواقع في المجتمع لأن القيم الأخلاقية متغيرة ومتنوعة ومختلفة بحسب كل مجتمع وتركيبته وطريقة ممارسته لسلوكياته ـ حتمًا ـ الأغلبية الواعية برسالة الفن الهادف وعلاقته بمكارم الأخلاق.
رحل هذا الفنان طعمة التميمي وقد حلت قبل ايام الذكرى الــ26. ففي التاسع من شباط 1995 توفى هذا النجم الساطع وكوكب من كواكب الابداع في الدراما العراقية، مخلفا لمسيرته تاريخاً حافلاً بالإنجازات الفنية والتي مازالت عالقة في أذهاننا، ويظل اسمه علامة فارقة في تاريخ الفن العراقي بعد أن ترك فراغًا كبيرًا، لكن إرثه الفني أبقاء حيًا في ذاكرة الجمهور العراقي.