رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
سعد ياسين يوسف شاعر الأشجار الذي حلق من سدرة على شط العمارة


المشاهدات 1406
تاريخ الإضافة 2025/02/12 - 8:19 PM
آخر تحديث 2025/03/11 - 1:37 PM

سمير السعد 
عندما تمسك القلم، وتشرع في الكتابة عن قامة أدبية وأكاديمية مثل الدكتور سعد ياسين يوسف، تشعر أن الكلمات ترتجف، وأن الحروف لا تكفي لإنصاف هذا العطاء الممتد لعقود، فتقف متأملاً أمام إرث ثقافي غنيّ وتجربة شعرية فريدة سطع نجمها في سماء الأدب العربي. ولد ابن ميسان البار عام 1957 في محلة القادرية في مدينة العمارة، حيث الطيبة والألفة والمحبة والشهامة، في مدينة أغنت العراق بإبداعاتها في الشعر والمسرح والفن والرياضة والأدب والعلم. نشأ في بيئة ثقافية خصبة انعكست على مسيرته الإبداعية، فحمل روح مدينته إلى العالم، مؤصلاً في كتاباته قيمها وتقاليدها ومفرداتها الجمالية.
تخرج  في كلية الآداب – قسم الإعلام بجامعة بغداد، عام ١٩٨٠ ثم حصل على الماجستير  الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر للعلاقات الدولية، ليجمع بين الحس الإبداعي والعمق الأكاديمي. لم يكن شاعراً فحسب، بل ناقداً وباحثاً وإعلامياً، إذ شغل عضوية اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، ورابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الأدباء والكتاب العرب، ونقابة الصحفيين العراقيين واتحاد الصحفيين العرب.
صدر له العديد من الدواوين الشعرية التي كرّسته واحداً من أبرز الأصوات الشعرية المعاصرة في العراق والعالم العربي، من بينها:
• قصائد حب للأميرة “ك” (1994)
• شجر بعمر الأرض (2002)
• شجر الأنبياء (2012)
• أشجار خريف موحش (بلغراد، صربيا)
• الأشجار لا تغادر أعشاشها (بيروت، 2016)
• أشجار لاهثة في العراء (دمشق، 2018)
• الأشجار تحلق عميقاً (دمشق، 2021)
• أشجار بلون الهديل (2024، دار أبجد بابل، العراق)
لقد كانت الأشجار في شعره أكثر من مجرد رموز طبيعية، بل تحولت إلى ثيمة أساسية تعبر عن الحنين، والارتباط بالأرض، والهوية الوطنية، حتى استحق لقب “شاعر الأشجار”، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عام 2014.
حصد سعد ياسين يوسف العديد من الجوائز، من بينها: • الجائزة الأولى ليوم الشعر العالمي في بلغراد (2012) عن قصيدته قذائف وشناشيل، التي ترجمت إلى عدة لغات وأصبحت رمزاً لإدانة العدوان الأمريكي على العراق.
• الجائزة الأولى لمهرجان بلغراد الدولي للشعر (2013) عن قصيدته قيامة بابل، مما أدى إلى الاحتفاء به في ثلاث مدن صربية.
• شهادة الإبداع لعام 2013 من وزارة الثقافة العراقية.
• درع الجواهري من اتحاد الأدباء العراقيين.
• وسام الثقافة لعام 2015 من منتدى المثقفين في أمريكا وكندا ودول المهجر.
 • وسام الثقافة لعام 2016 ودرعها من اتحاد الأدباء الدولي.
• جائزة المثقف العربي للشعر ووسامه لعام 2016 من مؤسسة المثقف في أستراليا.
احتفت به مؤسسات ثقافية وأكاديمية في العراق والأردن وتونس ومصر  وصربيا ولبنان، حيث أقيمت له ندوات نقدية، واحتفالات توقيع، وأدرجت أعماله في المكتبات والجامعات. كما تمت مناقشة ثلاث رسائل ماجستير حول تجربته الشعرية في جامعات مثل جامعة بغداد، وجامعة الجنان اللبنانية، وجامعة بابل، ما يؤكد مكانته البارزة في المشهد الشعري العربي.
لم يكن مجرد شاعر يكتب القصيدة، بل هو حالة إبداعية متكاملة، استطاع أن يرسّخ رؤيته الشعرية العميقة من خلال مشروع أدبي متفرد. عبر الأشجار، صنع عالمه الخاص، وعبر الكلمات، صنع مجداً أدبياً يليق به. هو شاعرٌ يحلق عميقاً، ويكتب بوهج الروح، ليبقى صوته صدى لا يخبو في رحاب الأدب العربي.
 هو كائنٌ شعريٌ استثنائي، استطاع أن يخلق بصمته الفريدة في عالم الأدب العربي، متجاوزاً حدود القصيدة التقليدية إلى فضاءات من التأمل والرمزية العميقة. عبر أكثر من أربعة عقود من الإبداع، وظل وفياً لرؤيته الشعرية، حيث تجلت الأشجار في قصائده ليس بوصفها مجرد عناصر طبيعية، بل ككائنات حية تعكس تجارب الإنسان، تحكي عن جذوره الضاربة في الأرض، عن انتمائه، عن صموده في وجه العواصف.
يشكل الشعر عنده  حالة من التفاعل بين الواقع والأسطورة، بين الذاتي والكوني، حيث تأتي قصائده محمّلة بصورٍ كثيفة ودلالات متعددة الأبعاد. وهو شاعر يتقن فن التوازن بين اللغة العميقة والصورة البصرية، فتجد نصوصه نابضة بالحياة، مليئة بالإيحاءات التي تجعل القارئ يتماهى مع عوالمه الشعرية.
إن الرمزية التي تهيمن على تجربته لم تكن افتعالاً فنياً، بل جاءت انعكاساً لرؤيته الفلسفية للحياة، فالأشجار لديه ليست مجرد مفردة شعرية، بل هي كيان حيّ يعكس الوجود الإنساني، ولعل ذلك يفسر انشغاله الدائم بتوظيفها كمحور أساسي في معظم دواوينه. الأشجار لديه تتنفس، تحلم، تتألم، ترحل وتعود، تماماً كما الإنسان، وهي استعارة بصرية تعكس صراعه مع الفقد والاغتراب والأمل والتجذر.
رغم جذوره العميقة في البيئة العراقية، إلا أن شعره  تجاوز حدود المحلية ليحظى بانتشار عالمي واسع. فقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات، منها الإنجليزية والفرنسية والبرازيلية، ووجدت قصائده صدى في المحافل الأدبية الدولية، حيث شارك في مهرجانات شعرية عالمية، واحتفت به العديد من العواصم الثقافية الكبرى، مثل بلغراد، بيروت، عمان، تونس، وصربيا.
إن نجاحه في إيصال صوته الشعري إلى العالم يعكس قدرة الشعر الحقيقي على اختراق الحدود الجغرافية واللغوية، وعلى خلق جسور بين الثقافات المختلفة. لقد تمكن من أن يكون سفيراً للشعر العراقي، وأن يجعل من قصائده نافذة يرى منها العالم جانباً مشرقاً من العراق، ذلك العراق الذي يزخر بالإبداع رغم كل الأزمات والتحديات.
كذلك  تأثيره  ليس  مقتصراً على كتابة الشعر، بل امتد ليكون موضوعاً مهماً للدراسات النقدية والأكاديمية. فقد تناول العديد من النقاد العرب تجربته بالدراسة والتحليل، وتم اعتماد شعره كموضوع لرسائل ماجستير ودكتوراه في عدة جامعات، 
وقد قدم كبار النقاد دراسات معمقة عن منجزه، منهم الدكتور عبد الرضا علي، والدكتور حسين البطوش، والدكتور علي حداد، ود. حاتم الصكر ود. سعد التميمي والناقد فاضل ثامر  وغيرهم ممن رأوا في تجربته أنموذجاً متقدماً للشعر العراقي المعاصر، حيث تميزت قصائده بعمقها الرمزي، وثرائها الدلالي، وبنيتها البصرية المدهشة.
إن الحديث عن سعد ياسين يوسف هو حديث عن شاعر لم يكن عابراً في المشهد الثقافي، بل كان رقماً صعباً في خارطة الشعر العربي الحديث. لقد كتب قصيدته بروحٍ متجذرة في الأرض، لكنه جعلها قادرة على التحليق، تماماً كما أشجاره التي “لا تغادر أعشاشها”، لكنها في الوقت ذاته “تحلق عميقاً”.
لقد أثبت أن الشعر ليس مجرد كلمات تُكتب، بل هو حياة تُعاش، ورسالة تُحمل، وإبداعٌ يظل ممتداً عبر الزمن. 
ومن خلال منجزه الشعري والفكري، يظل سعد ياسين يوسف واحداً من أبرز الأسماء التي ستبقى راسخة في ذاكرة الشعر العراقي والعربي، لأنه كتب بروح الشجرة، وأغصانها الممتدة ستظل تعانق الأفق، تماماً كما ستظل قصائده تعانق قلوب محبي الشعر في كل مكان.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير