رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
لا تخلو ذاكرة أي عراقي من مواقفه المحرجة ومواعيده الغرامية ...«باص المصلحة» .. حكايات وطرائف ومواقف يصعب تصديقها


المشاهدات 1488
تاريخ الإضافة 2025/02/05 - 8:41 PM
آخر تحديث 2025/02/22 - 9:43 PM

لا تخلو ذاكرة اهالي بغداد .. لا سيما كبار السن .. امثالنا من ذكريات جميلة .. لا تخلو من الطرافة والاحراج .. مع باص المصلحة التي تسمى باللهجة البغدادية الدارجة ( الامانة ) .. يوم كانت مواقف باصات المصلحة في بغداد كنقاط دالة لمواعيد الاحبة .. وغير الاحبة .. وكانت خير وسيلة للتنقل من قبل اصحاب الدخل المحدود لرخص ثمن ركوبها .. 

تأريخ تأسيسها
يعود تاريخ النقل العام للركاب في بغداد الى عام 1889 حيث قرر الوالي العثماني مدحت باشا تأسيس شركة مساهمة تقوم بانشاء سكة ترامواي بين بغداد والكاظمية فطرحت اسهم الشركة في الاسواق وكانت قيمة السهم الواحد ليرتان ونصف الليرة.... فأقدم بعض الاثرياء والتجار على شرائها بتشجيع من مدحت باشا وقد ذكرت جريدة الزوراء ان الاقبال على شراء الاسهم شديد وان الناس مستمرون عليه والظاهر ان مدحت باشا كان شديد الرغبة في انجاح المشروع فاوعز بكتابة ذلك لتشويق الناس على الشراء.
الترام والكاري 
هذا ما تحدث به الباحث التراثي محمد جواد الساعاتي عن تاريخ النقل العام في بغداد والذي أضاف : هكذا تم إنشاء خط حديدي (ترام)  لتسيير عربة خشبية من دورين، تجرها الخيول من ساحة الشهداء حتى الكاظمية، وباستراحة وتبديل للعربة وللخيول في منطقة (المنطكة) او جامع براثا بالعطيفية، وسميت حينها بـ ((الكاري)) وبقيت هي واسطة النقل العام اضافة للدواب وحتى دخول السيارات الى بغداد.
دور أثرياء بغداد بتأسيسها 
ويتابع : أما الباصات فلم تعرفها بغداد الا مع بداية الثلاثينات، وهي باصات بأبدان خشبية مصنعة ابدانها الخشبية محليا. وكانت الناس تحشر حشراً في هذه الباصات التي بقيت تستخدم في النقل بالاجرة في بغداد والمحافظات حتى وقت قريب، وتذكر المصادر أنه مع بدء القرن العشرين اسس عدد  من اثرياء بغداد وتجارها شركة لتسيير العربات بين بغداد وبعض المدن القريبة منها كبعقوبة والحلة وكربلاء وسامراء وكانت الواحدة من تلك العربات تجرها خيول اربعة تبدل في المحطات فكانت بذلك قادرة على قطع الطريق بين بغداد وكربلاء مثلاً خلال نهار واحد، وقد اشتهرت هذه العربات بين العامة باسم «عرباين عارف اغا» اذ كان هذا الرجل اكبر المساهمين فيها وسماها بعضهم كذلك «عرباين الكومبانية» وقد نجحت الشركة في تسيير عرباتها وأقبل الناس عليها واصبحت المقاعد في العربات تحجز قبل ايام عديدة لاسيما في موسم الزيارات والاعياد .. !!
   الملا عبود الكرخي 
ويشير الباحث محمد الغرابي بأن الملا عبود الكرخي كان يدير مكتب الشركة في الكرخ فكان يجلس فيه بعقاله ذي اللفات الاربع ليبيع التذاكر او يحجز المقاعد، وفي الثلاثينات، فكّرَت الدولة العراقية الجديدة باستحداث نقل عام في العاصمة، فقامت عام 1938 بتاسيس مصلحة نقل الركاب .. وربطتها بأمانة بغداد واستوردت لها باصات، ولذلك ظلت تسمية (الامانة) على الباصات الحكومية في بغداد لسبب بدء ارتباطها بالامانة، ثم حين تحولت الى مصلحة لنقل الركاب صار الناس يطلقون عليها باصات المصلحة او ركبنا بالمصلحة بعد ان كانوا يقولون ركبنا بالامانة!! وحين تحولت في السبعينات الى منشاة صار البعض يقول ركبنا بباصات المنشاة !!
ظروف الحرب العالمية 
اما الحاج فتاح الحيالي / موظف سابق في مصلحة نقل الركاب انذاك فقال : في تشرين الاول 1940 تقرر عقد اتفاقية مع احدى الشركات الانكليزية لشراء مائة باص، لكن نتيجة لظروف الحرب العالمية الثانية، الغيت الاتفاقية في عام 1942. وبذلك جمدت اعمال المصلحة وتاخر تنفيذ المشروع، وبعد تجميدها تأسست شعبة تتولى مهمة نقل الركاب في العاصمة وقد اشترت الشعبة هذه بعض مخلفات الجيش البريطاني في العراق من اللوريات وركبت لها ابدان خشبية واستعملتها لنقل الركاب.    
سيارات الجيش البريطاني 
ويضيف : استمرت امانة العاصمة بشراء سيارات وشاحنات الجيش البريطاني حتى العام 1946 حيث تم توقيع اول عقد لشراء باصات من نوع «كومر» والتي ساعدت على فتح خطوط جدديدة وفي العام 1947 بلغ عدد الباصات 113 باصا مستعملا و7 باصات جدديدة، و27 باصا عاطلا، وتجمع بين السيارات التي ابدانها من خشب وكذلك الجديدة. مما دعا الى تشكيل مديرية مصلحة نقل الركاب مرة ثانية ولكنها بقيت مرتبطة بامانة العاصمة ويرأسها امين العاصمة .     
حكاية باص ابو القاطين 
وتحدث الباحث امين الشيخلي عن تاريخ مصلحة نقل الركاب فقال : لقد كانت باصات المصلحة والمنظومة المتبعة في تسيير العديد من الخطوط لنقل الناس من والى مختلف المناطق في بغداد، أثر كبير ومهم في الحياة البغدادية وتأمين ايصال الناس، وكان لسائق المصلحة ومراقب الخط والملاحظ ومرائب الحافلات وصيانتها ،الدور الكبير لاستمرار وجود (باص المصلحة) منذ الأربعينات ولأكثر من نصف قرن.
خواطر جميلة 
ويضيف : فعلاً كانت عندنا مؤسسة نفتخر بها أسمها ( مصلحة نقل الركاب العامة).. يأتيك الباص ( ابو قاط أو قاطين ) الى محطة الانتظار في وقت محدد ، و ينطلق بك في وقت محدد ايضا وفق جدول يضبطه المفتش رحمه الله ، ويحاسب المخالف على ضوئه بأدب وصرامة، والجابي يتحرك من بداية الباص الى نهايته وبالعكس ليعطيك بطاقة ثمنها عشرة فلوس اذا كنت من ركاب النصف الثاني من الباص (كراسي خشب ) ، أو بطاقة ثمنها اربعة عشر فلسا أذا كنت من ركاب النصف الاول من الباص ( كراسي جلد )، وإذا رغبت النزول عند موقع أختياري محدد فما عليك الا ان تضغط على احد أجراس الباص قبل الوصول الى الموقف الاختياري .
انضباط شديد 
ويتابع : إذا ذكرت إنجازات مصلحة نقل الركاب يبرز في الذاكرة اسم السيد يحيى عبدالباقي مدير العام للمصلحة الذي له الفضل في نظام الانضباط الشديد في المصلحة من حيث حركة الباصات وهيبة الجباة والمفتشين ومظهرهم وفي احترام المواعيد، حيث للباص وقت محدد للانطلاق والوصول لأي محطة، واذا تعطل باص جاء باص الاحتياط او يتم ايقاف الباص القادم ليركب الركاب جميعهم. كما لابد لي أن أذكر الدور المهم للسيد جعفر الذي كان يشغل منصب (مفتش حركة السير في مصلحة نقل الركاب) وكان مثالاً للإنضباط والدقة والصرامة في الحق لأنه جزءاً من سيستم كامل تعمل بانتظام وانضباط يوم كانت هناك دولة وقانون وكانت مصلحة نقل الركاب بفضل المدراء العامين الذين تعاقبوا عليها.  
قصة رئيس الوزراء وجابي الأمانة !!
ويستذكر الحاج فوزي الشيخلي الذي تجاوز العقد السابع من العمر حكاية طريفة للمرحوم طاهر يحيى / رئيس وزراء العراق السابق فقال : في عام 1966 كان المرحوم  طاهر يحيى رئيس الوزراء وفي أمسية من أيام ذلك العام كان يتجول سيرا على الأقدام في شارع الرشيد حتى وصل «ساحة الميدان»، وهنا صعد أحد باصات مصلحة نقل الركاب «الأمانة»، كأي راكب عادي، وعندما سارت السيارة صعد ثلاثة أشخاص، ودفع كل منهم أجرة (15 فلسا) ولكن قاطع التذاكر «الجابي» قطع لهم التذاكر من الدفتر لكن لم يسلمها لهم بل أخفاها لنزولهم في المحطة التالية، وبعد فترة صعد ثلاثة أشخاص ودفعوا الأجرة للجابي فأعطاهم التذاكر الثلاثة المخفية لديه، كل هذا جرى و(دولة) رئيس الوزراء يراقب كل ما جرى أمام عينيه!! وهنا نادى  رئيس الوزراء على الجابي وقال له: لماذا فعلت هذا العمل؟.. فتغافل الجابي وأجاب: عن ماذا تتحدث؟.. قال له: وهل تعرفني؟.. أجابه الجابي: لا… قال: أنا رئيس الوزراء!!! وهنا تلعثم الجابي وأرتبك وأخذ يتوسل مدعيا بأنه صاحب عائلة كبيرة، ولكن رئيس الوزراء طلب منه دفتر التذاكر وقطع منه أربعة بطاقات ومزقها أمامه!! (وهي بقيمة 60 فلسا أي غرّمه 60 فلسا). وقال له رئيس الوزراء: سوف أحيلك إلى المحكمة عن جريمة اختلاس… وبقي الجابي يبكي ويتوسل.. وهنا تدخل بعض الناس ممن كانوا راكبين بالباص ملتمسين (دولة) رئيس الوزراء الصفح عنه.. واستجاب رئيس الوزراء لتوسطهم، ورجائهم، وطلب من الجابي أن يكون أميناً ويحافظ على الأمانة التي أوكلت إليه، ثم مدّ رئيس الوزراء يده في جيبه , و أخرج خمسة دنانير من محفظته وسلمها للجابي.. وقال له: إصرفها على عائلتك ولا تكرر فعلتك!!.. ونزل رئيس الوزراء في المحطة القادمة مترجلا ليكمل سيره وجولته الحرة، وسط تحية الناس له وإعجابهم بتواضعه وإنسانيته.. رحم الله زمانا كان الرجال فيه كثيرون. 

من طرائف ركوب المصلحة
ويضيف : كثيرة هي الروايات والقصص عن طرائف ركوب باصات المصلحة، وبالاخص ذي الطابقين حيث كنا في صغرنا وشبابنا نستمتع بالصعود الى الطابق العلوي، وكانت الوجبة الاولى من باصات ذي الطابقين لا يوجد في طابقها العلوي جرس يستخدمه الجابي لتنبيه السائق للتحريك او الوقوف في موقف اختياري لانه كانت هناك بعض المواقف اختيارية باللون الاخضر وأخرى إجبارية باللون الاحمر.. وكان الجابي حين يكون في الطابق العلوي ويريد تنبيه السائق للوقوف او للتحرك يدبك برجله عند مقدمة الباص فيستمع اليه السائق، وكان بعض الاشقياء يقومون بالدبك على سطح سقف السائق فيتوهم ان الجابي هو صاحب الصوت وتحصل مشاكل..
حوادث السرقة !!
ومن طرائف ركوب المصلحة وخاصة عند الزحام أن يصيح أحدهم (إمعودين محفظتي انسرقت !! فما على الجابي الا ابلاغ السائق بإقفال الأبواب والتوجه بالجميع نحو أقرب مركز شرطة ليجري تفتيش للركاب للبحث عن(الجزدانالمسروق ) !! وغالبا ما لا يعثر على الجزدان لدى احد من الركاب لأن النشال الخفيف لا ينتظر في الباص بعد النشل بل يفلت في اول منطقة  !!
عزرائيل في المصلحة !!
كانت الناس تهاب مفتش المصلحة، وبالأخص السواق والجباة ، لانه يعاقبهم بقطع الراتب لأتفه الاسباب! 


تابعنا على
تصميم وتطوير