عن صفحة : أمجد نجم الزيدي
تمثل العلاقة بين القارئ العربي والمصطلح المترجم إشكالية معرفية معقدة، تعكس صراعاً مستمراً بين تأويل الدلالات وإعادة توطينها في سياق جديد، إنَّ القارئ، وهو يواجه المصطلح المترجم، يتحرك في مسارين متباينين؛ الأول هو التماهي مع النسخة العربية، حيث يحاول ربطها بخزينه المعرفي واللغوي دون الخوض في أصولها وسياقاتها في لغتها الأصلية، حيث ينطوي هذا المسار على خطر الانزلاق إلى إسقاطات لغوية ومعرفية قد تكون بعيدة عن جوهر المصطلح، وذلك لاعتماد القارئ بشكل كبير على الدلالة الظاهرة، والتي تُستقى من بنية اللغة العربية ومعاييرها الصرفية.
أما المسار الثاني، فهو أكثر تعقيداً، من خلال البحث الجاد عن الجذر اللغوي للمصطلح وسياقاته الأصلية، وإعادة ربطه بالبيئة الثقافية والفكرية التي أنتجته، حيث يتطلب قراءة أعمق تتجاوز حدود الترجمة السطحية، وذلك من خلال فهم واستيعاب المصطلح ضمن سياقه النظري والفكري الأصلي، وبهذا، يتحول المصطلح من مجرد لفظة مترجمة إلى مفهوم معرفي غني يحمل أبعاداً متعددة تفوق ما قد تُوحي به الترجمة العربية.
لذا فإن المسار الثاني، رغم ما يحيطه من تعقيد، هو الأكثر ملاءمة للتعامل مع المصطلحات المترجمة، لاسيما في الحقول الأكاديمية التي تتطلب دقة وصرامة في نقل المفاهيم، فالدلالات التي تنتجها الترجمة، على الرغم من الجهد المبذول من قبل المترجمين في صياغتها، قد تقود إلى سوء فهم أو تشوه المعنى، نتيجة إسقاط الخصائص الصرفية والمعرفية للغة العربية على المصطلح الأجنبي، كما يحدث في أغلب الدراسات الأكاديمية، التي غالبًا ما تبدأ بتحليل المفهوم من حيث (اللغة والاصطلاح)، هذا الإسقاط، الذي يخلق تداخلًا بين الدلالة العربية والبنية المعرفية الأصلية للمصطلح، يؤدي في كثير من الأحيان إلى إنتاج فهم قاصر أو غير مكتمل.. لذلك أقترح على الباحثين والنقاد تبني نهج أكثر تجريدية في التعامل مع المصطلحات المترجمة، حيث يتم النظر إليها كمفاهيم مستقلة ذات خصائص معرفية وسياقات خاصة، دون الانحياز لدلالاتها الظاهرة في اللغة العربية، ينبغي على الباحث أن يتحلى بوعي نقدي عميق يدفعه إلى تفكيك المصطلح وتحليل جذوره اللغوية والفكرية ضمن بيئته الأصلية، ثم إعادة صياغة فهمه بناءً على هذا التحليل، هذه المقاربة لا تسهم فقط في تعزيز الدقة في استيعاب المصطلحات، بل تُغني وتعمق من فهمنا للمنجز الفكري العالمي.