عُرِفت الثورة على إنها أي حركة شعبية أو فئوية بالضد من الإحتلال أو النظام السياسي، ساعية لطرد الأول وإسقاط الثاني بالعنف المُتَمَكن منه. لكن أمين معلوف يشرح مفهوم الثورة على إنها فعل إنساني عميق نابع من البحث عن الكرامة والحرية دوماً، جاعلاً الفكر والهوية والثقافة أدوات فاعلة للمقاومة. حيث لا تقتصر الثورة على حمل السلاح وإستخدام العنف غير المبرر، بل يمكن أن تحقق أهدافها من خلال تعزيز المَلكة المعرفية والثقافية لدى الشخص الثائر ليجد نفسه ويمنع إضطراب هويته التي سيعيشها بسبب الإحتلال أو النظام الجائر.
وبينما يرسم معلوف سيرة شخصياته في رواياته الثلاث «ليون الإفريقي» و «سمرقند» و «صخرة طانيوس»، نجد الحضور القوي لصفة الثائر لدى جميع شخصياته الروائية بسبب الأحداث التي أحاطت بهم. وبالرغم من التعددية الثقافية والدينية والجغرافية التي هي ليست مجرد عنصر في السرد بل هي رسالة ثورية تُظهر بأن التنوع والإنفتاح هو القوة الحقيقية لدعم أدوات المقاومة، حافظت الشخصيات على أصالتها وعززت من قيمها الوطنية والإجتماعية والدينية رغم التحديات التي تُفرض عليها إعادة تعريف ذاتها والتأقلم مع بيئات مختلفة. فحسن الوزان في كل أسفارهِ لا ينسى «غرناطة» وسعى لربط الشرق بالغرب ليساهم في تحرير حضارته ثقافياً ودينياً من براثن القشتاليين، أما عمر خيام فكانت الثورة لديه على مدى أوسع لتشمل التحرر من هيمنة السلاجقة على البلدان الأسيرة لقواهم، ويمتد هذا المدى حتى يصل لبنجامين لوساج «معشوق رباعيات الخيام» الذي أراد أن يَحصل رفاقه في إيران على الحرية الديمقراطية بعد أزمة الدستور في عام ١٩٠٥. وأخيراً طانيوس الفتى اللبناني الثائر على التقليد المحب للعصرية الغربية، ولكنه أيضاً الحامل لحلم تحرير قريته «وطنه الصغير» من يد سلطة الجبل العليا الخاضعة للمحتلين أياً كانوا.
تمثل هذهِ الشخصيات إستعارة للحياة نفسها إذ أن كل محطة بحياة كل شخصية تُضيف له بُعداً فكرياً وإجتماعياً وسياسيا جديداً، وتُعمق فهمه للحياة بأسرها وخاصةً بعد تأثير الأحداث الرئيسة في الروايات الثلاث على حياة الشخصيات وعلى الحضارات نفسها. حيث يمكن التعايش بين الحضارات بتجاوز الإختلافات الأيديولوجية والعقائدية لدى الأفراد، وذلك يتجسد بعدم رفض «الوزان، الخيام، طانيوس» للثقافة الغريبة عن ثقافتهم بل تتفاعل معها الشخصيات وتُضيف لها من تجربتها وخبراتها. وهنا يتوسع مفهوم الثورة ليكون فعل إنساني رافض لتغيير أوجه وثقافات وقيم الحضارات والبيئات المختلفة، نسبةً لإنسانية الشخصيات التاريخية في الروايات. فكل واحد منهم إنسان يعيش الحياة بتناقضاتها باحثاً عن معناها وسط فوضى الحب، الفقدان، الإغتراب، الأمل، الإنتماء، النسيان. فمد جسور الإرتباط هذا بين الحضارات يجعل معلوف مؤكداً على قضية «الهوية المشتركة» التي لا تفارقه هو نفسه، فغربته الجغرافية وتمسكه بالثقافة الشرقية أنعكس على الشخصيات الرئيسة في رواياته.
مسطراً بذلك شكل العصرنة التي خاضتها شخصيات رواياته لتصل الى ما عليه من الوسطية الفكرية والثقافية دون التشدد أو التطرف لجهة دون أخرى، محققاً بذلك أحدى أهم أدوات المقاومة الثورية لديه وهي إيجاد الذات بعدم الخضوع لتشظي الهوية المؤدية للتطرف البشع أحياناً.
مثلت رواياته الثلاث هذهِ تجاوزاً لحدود الزمان والمكان بإستعراض الثورة كروتين حياة يومي،
تبدأ بقصة الصراع الذاتي للفرد وتنتهي في إستيعاب تعقيدات الكون. جاعلة القارئ يُعيد التفكير في هويته ومكانه وإدراكه وسط العالم المتغير هذا، ليتربع ليون الثائر على عرش أسفار التاريخ مبحراً بنا في الريح من فرنسا الى عوالم تاريخية مختلفة.