رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
حصد جائزة “نوابغ العرب” عن فئة الأدب والفنون من الإمارات ...الفنان ضياء العزاوي: تأثرت كثيراً بالمحلة البغدادية فجاءت أعمالي تصويراً لهذا العشق


المشاهدات 1809
تاريخ الإضافة 2024/12/23 - 9:20 PM
آخر تحديث 2025/01/22 - 9:09 AM

الفنان العراقي الكبير المبدع ضياء العزاوي الذي نال مؤخراً جائزة «نوابغ العرب» عن فئة الأدب والفنون، يعد أحد أبرز الفنانين التشكيليين والنحاتين العراقيين والعرب، والذي طالما تكشف أعماله النحتية والرسم استذكاره للحياة البغدادية القديمة، وأهم المحلات العريقة، وهي «الفضل» التي تعج بقراء ومحبي المقام العراقي والاهتمام بالروابط الأسرية والاجتماعية، وقد لا يكون غريباً على العزاوي أن يفتح لنا قلبه بكل مصداقية، لنتطرق إلى ذكريات الأب والأم وطبيعة تعاملهما معه، كل ذلك يقدمه لنا عبر محور نشأته الاجتماعية بعيداً عن أعماله التي أذهلت الكثيرين.

 

الآن الفنان ضياء العزاوي في دبي حيث يتلقى التهاني من حكام الامارات والمواطنين والفنانين العرب بهذا الفوز الرائع الذي قال عنه انه تكريم للمسيرة الخالدة للفن التشكيلي العراقي، وكانت لنا فرصة للدردشة معه بالآتي: 
* هل ما زلت تحتفظ بأيام الطفولة؟ 
- كانت طفولة عاجة باللعب والانشغال المتنوع بحياة المحلة البغــدادية، حـــيث وفرت قرب المجاورة الكثير من الصداقات السريعة كامتداد لعلاقات المدرسة..تعلمت في مدرسة التطبيقات الابتدائية، ثم المتوسطة في مدرسة النعمانية، وبعدها الثانوية المركزية إحدى أعرق المدارس البغدادية، أتذكر كثيراً الدفاتر الصغيرة الذي كان يرسمها أمامي أحد أقاربي، وهو الرسام خليل العزاوي، كما كنت أتوقف عند دكان خالد الرحال المملوء بالتماثيل، لعل دراستي فيها هي التي قادتني مبكراً للرسم نتيجة اهتمام مدرس الرسم الأستاذ إبراهيم، لا أعتقد أنه كان رساماً متميزاً، بل كان أستاذاً تربوياً بحق، حيث دلني على أهمية الرسم مما حولي بديلاً لاهتمامي في حينها بنقل الصور من المجلات المصرية، كما شجعني على استخدام الألوان المائية أكثر من قلم الرصاص، إلى جانب الرسم، كنت كثيراً ما أستخدم «السيم المعدني اللين» لبناء سيارة أتباهى بها بين صحبي، كما كنت بارعاً في عمل الطائرات الورقية السريعة التي غالباً ما كنت أخاصم أولاد الجيران على الفضاء المحدد لكل منا.
* لابد ان اعمالك هي تصوير للمدينة العريقة وناسها الطيبين؟ 
- كانت الحياة عادية بشكل ما، لم يكن والدي صارماً، لكنه كان حريصاً في الوقت نفسه على دفعي إلى الدراسة، مع قبول انشغالي بالأعمال اليدوية، ومنها الرسم عندما أنتهي من إكمال الواجبات المدرسة المطلوبة، فوالدي لم يكن متعلماً حال والدتي، لكنهما كانا جادين في توفير الظروف الطبيعية لي ولإخوتي الآخرين.
*  لكن هل كانت ملامح التراث غنية وذات دلالات بأعمالك؟
- المؤثرات التراثية هي نتاج لعملي مدة سنتين في الإشراف على تهيئة متحف الأزياء والإثنوغرافيا في بغداد، يومها كان عليّ التجول في مناطق مختلفة من العراق جنوباً وشمالاً من أجل التوثيق وجمع المواد ذات العلاقة بالموروث الشعبي، اندهشت بما يعرف بـ «إيزار السماوة» العاجّ بالرموز والأشكال، وفي الوقت نفسه قادني هذا الاندهاش إلى الحرص على التعرف على الملابس في القرى المسيحية شمال العراق، وخصوصاً ما يحيط بالموصل بشكل أساسي، إلى جانب هذه المفردات كانت الأعمال الفخارية لحيوانات متخيلة من مدينة طوزخرماتو محرضاً على استخدامها رموزاً في بعض لوحات نهاية الستينيات.
* أين كانت سكناك فيها؟ 
- منطقة الفضل في بغداد، ولدت في محلة البارودية من محلات الفضل، وعشت فيها مع عائلتي حتى مرحلة الدراسة المتوسطة، ومازلت أتذكر دكاناً مملوءاً بالأعمال النحتية في منطقة الصرافية غير البعيدة عن بيتنا، كان هذا الدكان يعود إلى الفنان خالد الرحال، كانت هذه المحلة إحدى المحلات التي عاشت فيها عائلتا جواد سليم والفنان عبدالقادر الرسام.
* متى غادرت العراق ولماذا؟
- غادرت العراق للمرة الأولى في العام 1975 للمشاركة في محترف صيفي لأعمال الحفر في سالزبورغ، النمسا، جعلتني تلك الرحلة أعي مدى أهمية ترك العراق بالنسبة لي، سواء من أجل توسيع مجالي الفني أو لإمكانية العمل بصورة مستقلة، مما كان النظام البعثي قد حرمنا الحياة وضيق علينا العمل بشكل متصاعد.. انتقلت سنة 1976 إلى لندن، وعملت هناك على تعزيز معرفتي في مجال فن الحفر، كما طوّرت «القصيدة المرسومة» ـ وهي رسومات لا تمثل القصيدة بذاتها، بل تعد امتداداً بصرياً لأبعادها اللغوية.. أنجزت هذا الشكل من القصائد البصرية أولاً في مطبوعة من أعمال الحفر مستمدة من الأشعار المعروفة بـ «المعلقات السبع» والتي تعود إلى الفترة ما قبل الإسلامية.
* هل هناك علاقة بين الموسيقى والرسم، هل استهواك المقام العراقي وقراؤه؟
- كنت ميالاً للمقام، وخاصة الغزالي، إلى جانب ما كان يشاع من أغانٍ لمطربين عراقيين أمثال رضا علي وغيره، وبعدها أصبح للكمبنجي مكانته الخاصة، متداخلاً مع الغناء الجنوبي الذي تعرفت عليه عن قرب عندما عملت أكثر من عام للإشراف على تهيئة متحف الناصرية للآثار.. وفيما بعد تعرفت على عدد من المبدعين مثل سلمان شكر، منير بشير وغيرهما. أما الموسيقى الغربية فقد جاءت مع معيشتي في لندن، وبمرور السنوات أصبحت ميالاً لسماع موسيقى الجاز وغناء البلوز والغجر الإسبان.
* بعد رحيل زوجتك، فقدت بغداد والحضن الدافئ بغربة طويلة؟
- تعرفت على زوجتي في أول معرض أقمته بلندن، كانت سويدية الأصل، لم تشوهها صورة العربي الشائعة في أوربا، لربما كان ذلك بسبب عزلة بلدها، طوال السنوات التي عشناها وتعرفها على المنطقة العربية كمكان أو عبر عدد من الأصدقاء، بحكم سفرها معي، توافرت علاقة فيها كثير من الاحترام لتاريخي كعربي ولانشغالي المستمر بالقضايا العربية، وبشكل خاص فلسطين.. لقد كان لرحيلها تأثير خفيّ بالوجع والوحدة، وربما كان انصرافي الكلي وغير العادي إلى عملي، وعلاقة الصداقة مع ابنتي تالة التي حملت كثيراً من خصائص والدتها، هو ما أنقذني من الإحباط والابتئاس.. إن كل ما أنتجته بعد رحيلها نوع من الامتنان لما وفرته لي من حياة جميلة.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير