لا يبدو أنّ منطقتنا العربية مُقدمة على وضع أفضل مِن الإستقرار السياسي والمجتمعي والرخاء الإقتصادي، وبالعكس من ذلك فإنّ مؤشّرات عديدة ترجّح فرضية ضعف وانحلال هذه الدول وتفكّك مجتمعاتها على نحو قد يكون غير مسبوق .
وتأتي الحالة السورية لتزيد من الإعتقاد بأنّ دُولنا ومجتمعاتنا تُعيد وتكرّر بشكل مأساوي إنتاج أزماتها وشروط إنهيارها حتّى أنّ الأمر أصبح شبيه ما يكون ب”المهزلة” .
ولا يبدو كذلك أنّ دولنا وجامعاتنا وحكّامنا فهموا واستوعبوا أزماتهم السابقة بشكل يمكّنهم من إستخلاص الدروس وتفادي ذات الأخطاء لتجنّب أزمات “ تعزف على نفس الوّتَرِ ولكنّ وتيرتها تشتدّ مع كل أزمة جديدة، وما جرى ويجري في سوريا مثالا صارخا على ذلك .
والواضح كما ورد في إفتتاحية لجريدة “السياسة” الكويتية لصاحبها أحمد الجار الله أنّ “الناظر إلى حال العالم العربي اليوم يرى أمّة لا تتعلم من تجاربها، ولا تقرأ تاريخها رغم أنها أُمرت بالقراءة من ربِّ العالمين”، وتغضّ النظر عن نصيحة علمائها ومفكّريها وتتجاهل عصارة علمهم .
ونسأل حتّى نحافظ على مّلّكَةِ النقد، كيف أغفلت مجتمعاتنا وتغاضت حكوماتنا عن حديث العلامة عبد الرحمان ابن خلدون بخصوص أسباب نشأة وانهيار الدول لمّا كتب، “إنّ أهمّ شروط العمران سدّ حاجة العيش والأمن، وإنّ الظلم لا يقع إلا من أهل القدرة والسلطان، وإنّه إذا عمّ الفساد في الدولة فإنّ أولى مراحل الإصلاح في الدولة هي الفوضى، وكلّما فقد الناس ثقتهم بالقضاء تزداد حالة الفوضى، وهي أولى علامات الإصلاح، فالقضاء هو عقل الشعب ومتى فقدوه فقدوا عقولهم”، ابن خلدون قال أيضا وببعض التصرّف فيما قال، عندما تنهار الدول يكثر المنجّمون والمتسوّلون(بكلّ أشكالهم) والمنافقون والمدّعون والكتبة والقوّالون والمغنّون النشاز والصعاليك والمطبّلون والنخب الزائفة وأدعياء المعرفة والمدّاحون والهجّاؤون والنطيحة والعرجاء وما خلّف الضبع، وتزداد الهوّة اتّساعا بين الحاكم والمحكوم وتكبر تبعية صاحب السلطان إلى الخارج، فتنعدم السيادة وتذهب بريح إستقلال الأمم والدول لتجتمع بذلك كلّ عوامل الخراب والإنهيار في مجتمعاتنا، ولا يستقرّ حال حكّامنا إلّا بمزيد الخضوع إلى الأجنبي وهو إستقرار نراه من ورق أو هو صرح من الثلج يذهب ويذوب مع إشراقة الشمس .