رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
موزة تُباع بـ6.2 مليون دولار ....هل يمكن للفن أن يكون عبثياً ؟


المشاهدات 2117
تاريخ الإضافة 2024/12/08 - 9:08 PM
آخر تحديث 2025/02/03 - 7:35 PM

في لحظة تجاوزت كل التوقعات، أصبح العمل الفني «الكوميدي» للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان حديث العالم، حيث بيعت موزة مثبتة بشريط لاصق بمبلغ مذهل بلغ 6.2 ملايين دولار في مزاد بدار «سوذبيز» بنيويورك. هذا العمل غير التقليدي، الذي يجمع بين البساطة والسخرية، أثار أسئلة حادة حول طبيعة الفن وقيمته: هل الفن مجرد فكرة يمكن أن تُسوق مهما كانت غريبة؟ أم أن الأمر يتعلق بعبقرية الفنان في تحدي الحدود التقليدية للإبداع؟
في الوقت نفسه، برزت تساؤلات أخرى حول مثل هذه الصفقات، والتي قد تثير شبهة استغلال سوق الفن كوسيلة لغسيل الأموال. ففي عالم تسود فيه السرية حول هويات المشترين والبائعين أحيانًا، يمكن أن تتحول المزادات إلى بيئة خصبة لتحويل الأموال بطرق تبدو مشروعة، خاصة مع الأعمال الفنية غير التقليدية التي يصعب تحديد قيمتها السوقية الفعلية.
في هذا المقال، نأخذكم في رحلة داخل عالم «الكوميدي»، حيث نكشف القصة الكاملة وراء هذا العمل المثير للجدل، ونتعمق في مسيرة الفنان الذي استطاع تحويل موزة بسيطة إلى رمز للعبثية ومرآة تعكس هوس العالم بقيمة الأشياء، مع تسليط الضوء على الأبعاد الخفية لسوق الفن المعاصر.
في واحدة من أغرب صفقات المزادات في تاريخ الفن، تمكنت الموزة المثبتة بشريط لاصق، والمعروفة باسم «الكوميدي»، من إثارة الجدل مجددًا، حيث بيعت مؤخرًا في دار «سوذبيز» بنيويورك بمبلغ خيالي بلغ 6.2 ملايين دولار. هذه القطعة، التي ابتكرها الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، تجاوزت حدود العمل الفني التقليدي لتصبح ظاهرة ثقافية تُناقَش في مختلف الأوساط الفنية والإعلامية.
بدايات «الكوميدي»: العبث أم رسالة فنية؟
ظهرت «الكوميدي» لأول مرة في معرض «آرت بازل ميامي بيتش» عام 2019، حيث أثارت حيرة الجمهور وانقسامه بين من رأى فيها تعبيرًا ساخرًا عن الفن المعاصر ومن اعتبرها مجرد مزحة بلا قيمة حقيقية. العمل عبارة عن موزة حقيقية مثبتة بشريط لاصق على الحائط، التُقطت ببساطة من رف بقالة عادي، إلا أنها سرعان ما أصبحت محور حديث عالمي، خاصة بعد بيع نسخها الثلاث بمبالغ تراوحت بين 120 و150 ألف دولار.لكن ما زاد العمل غرابة هو تصرف فنان الأداء ديفيد داتونا، الذي قرر انتزاع الموزة من الحائط وأكلها أمام الجمهور، في لحظة وصفها بأنها «أداء فني»، مما أضاف بعدًا عبثيًا آخر للعمل. في تلك اللحظة، تساءل الحضور: هل قيمة العمل تكمن في الموزة نفسها أم في القصة التي تُروى عنها؟ وهل كل ما يثير الجدل يمكن أن يُعتبر فنًا؟
مزاد بملايين الدولارات: كيف تطورت قيمة «الكوميدي»؟
في المزاد الأخير الذي أُقيم بدار «سوذبيز»، بدأت المزايدات على العمل بمبلغ 800 ألف دولار فقط، إلا أن السعر ارتفع بسرعة ليصل إلى 5.2 ملايين دولار، يُضاف إليها رسوم المزاد البالغة مليون دولار، ليصبح الإجمالي 6.2 ملايين دولار. المشتري هو جاستن صن، رائد الأعمال ومؤسس منصة العملات المشفرة «ترون»، الذي وصف العمل بأنه «ظاهرة ثقافية» تمزج بين الفن والميمات والتكنولوجيا.
في تصريح لاحق، أعلن جاستن صن عن نيته تناول الموزة بنفسه، كجزء من تجربة فنية جديدة تعكس عبثية العمل وارتباطه بثقافة العصر الرقمي. هذا الإعلان أثار المزيد من النقاش حول رمزية «الكوميدي» كعمل فني يتمدد خارج حدود الجدران والمعارض إلى تجربة اجتماعية وثقافية.
موريزيو كاتيلان: عبقرية الجدل الفني
موريزيو كاتيلان، الفنان الإيطالي المعاصر المثير للجدل، وُلد في بادوفا في 21 سبتمبر 1960، لعائلة من أصول متواضعة. كان والده، باولو، يعمل سائق شاحنة، بينما كانت والدته، بيرينا، عاملة نظافة. نشأ موريزيو كأصغر أفراد الأسرة وأخوًا لثلاث شقيقات: لويزيلا، وجيادا، وكريستينا. اضطر لترك المدرسة والعمل في سن السابعة عشرة لدعم أسرته ماليًا، لكنه تمكّن لاحقًا من الحصول على شهادة دراسية من خلال الفصول المسائية. بدأ حياته المهنية بأعمال يدوية بسيطة، كالبستنة والكهرباء، قبل أن ينغمس في عالم الفن. رغم افتقاده لتعليم أكاديمي تقليدي، علّم كاتيلان نفسه الفن عبر الملاحظة والتجريب.
أعماله لا تخلو من الجدل، حيث يحرص دائمًا على كسر التقاليد الفنية وتحدي المفاهيم السائدة.
من أبرز الأعمال:
•«الساعة التاسعة» (1999): تمثال يصوّر البابا يوحنا بولس الثاني مضروبًا بنيزك، أثار جدلًا واسعًا حول رمزية العمل.
•«L.O.V.E.» (2010): تمثال للإصبع الأوسط نُصب في ساحة بورصة ميلانو، وانتُقد على نطاق واسع كتعليق ساخر على عالم المال.
•«أمريكا» (2016): مرحاض عامل مصنوع من الذهب عيار 18 قيراطًا، عُرض في متحف «جوجنهايم»، قبل أن يُسرق لاحقًا أثناء عرضه في إنجلترا.
•«الكوميدي» (2019): الموزة المثبتة بشريط لاصق، التي أصبحت العمل الأكثر تداولًا في وسائل الإعلام العالمية.
كاتيلان ليس مجرد فنان، بل ظاهرة تجسد الفن كوسيلة للتساؤل والنقد. أعماله غالبًا ما تُثير النقاش حول القيمة الحقيقية للفن، وما إذا كان يكمن في الفكرة أم في التنفيذ.
«الكوميدي»: موزة تتحدى مفاهيم الفن التقليدي
ما يجعل «الكوميدي» عملًا فريدًا ليس مجرد كونه موزة مثبتة بشريط لاصق، بل الأسئلة العميقة التي يثيرها حول طبيعة الفن نفسه. كيف يمكن لشيء بسيط جدًا أن يتحول إلى أيقونة ثقافية تُباع بملايين الدولارات؟ الإجابة تكمن في قدرة كاتيلان على استغلال السخرية لإثارة النقاش، محولًا العمل إلى رسالة تستفز العقول.
«الكوميدي» ليست مجرد عمل فني، بل تجربة اجتماعية ونقد للثقافة الاستهلاكية والهوس بالقيمة المادية. ربما هي دعوة للتفكير: هل يمكن أن تكون الأشياء البسيطة، عندما توضع في سياق غير متوقع، أكثر تعبيرًا عن واقعنا المعاصر؟ أم أنها مجرد لعبة ذكية لإثارة الجدل؟
خاتمة: بين العبث والعبقرية
مهما كان رأيك في «الكوميدي»، سواء اعتبرتها عبقرية أو عبثًا، تبقى رمزًا للجرأة في تحدي القواعد التقليدية للفن.. موريزيو كاتيلان نجح في تحويل موزة عادية إلى حديث العالم، تاركًا الجميع في حالة من التأمل والدهشة. وفي نهاية المطاف، تبقى «الكوميدي» شاهدًا على قدرة الفن على تجاوز الحدود وتغيير المفاهيم، ولو بشريط لاصق وموزة.


تابعنا على
تصميم وتطوير