الخرطوم/ متابعة الزوراء
ويناقش صحفيون سودانيون كيفية العمل على مواجهة التحديات والتأقلم والتكيف مع الأوضاع الطارئة في البلاد، مؤكدين أن على المؤسسات الإعلامية والصحفيين الاستعداد مبكرا لمرحلة ما بعد الحرب والتي ستمثل ميلادا جديدا للصحافة السودانية التي تجاوز عمرها مئة عام.
وأكد عباس التجاني، الخبير الإعلامي والمدير التنفيذي لمركز سلا ميديا، في برنامج “ملفات سودانية” على راديو “دبنقا” أنه لا يمكن القول إن الصحافة والإعلام نجحا في تجاوز صدمة الحرب بالنظر إلى أن التحديات التي واجهها الإعلام منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 معقدة جدا ومريرة جدا وتحمل في داخلها جملة من المخاطر الأمنية التي تعرض لها الصحفيون والمؤسسات الصحفية.
من جهته يرى الصحفي محمد إمام أن غياب التكوين والتأهيل والتدرّب على تغطية مناطق النزاع وعدم الاهتمام بثقافة السلامة وتغطية الحروب وغياب تجهيزات السلامة، من سترات واقية وغيرها من أدوات السلامة، واحدة من المشكلات التي تعطل العمل الصحفي في ظل الحرب.
وأضاف أن الثقافة المجتمعية لدور الصحفي المهني أثناء الحرب، والذي يفترض أن ينحصر في تمليك الناس للمعلومات، لها بالغ الأثر في ما يتصل بالدور الفعال للصحفيين في نقل الأحداث والمعلومات؛ إذ تؤثر بشكل كبير على عملهم نسبة إلى ما يتعرضون له من ملاحقات وعمليات تخوين وتنمر مستمر لاسيما في وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشار إلى أن امتلاك الثقافة والوعي الكامل بموضوع التغطية الصحفية في مناطق النزاع المسلح يجعل الصحفي قادرا على تحديد وجهته التي ينحاز إليها وهي الحياد في نقل الأحداث ومراعاة الدقة والمصداقية في نقل المعلومات وعدم الوقوع في فخ نشر الإشاعات.
وعمليات التدريب والتأهيل الجيد تتيح للصحفي فرصة تغطية الأحداث في مناطق النزاع بالانحياز الكامل إلى معاناة الناس بما يتوافق مع المعايير المهنية والأخلاقية للصحافة.
ودمرت الحرب المؤسسات الإعلامية وبنيتها في البلاد، وتوقفت الصحف الورقية بصورة كاملة للمرة الأولى منذ أكثر من 120 عاما، ما ترك نحو 90 في المئة من العاملين في القطاع بلا عمل، وصمتت “إذاعة أم درمان القومية” وهو ما لم يحدث منذ تأسيسها سنة 1940 قبل أن تعاود البث مؤخرا.
وأفاد الخبير الإعلامي بأن الحرب شردت الآلاف من الصحفيين ودمرت البنى الأساسية للصحافة سواء كانت ورقية أو مسموعة أو مرئية، كما وقعت تعديات على دور المؤسسات الإعلامية وعلى الصحفيين أنفسهم.
وأكد أن طرفي الصراع عملا على تقييد حركة الصحفيين ما عرضهم لمخاطر أمنية جسيمة في نقاط الارتكاز عند خروجهم نحو المناطق الآمنة.
وأضاف أن “عددا كبيرا من الصحفيين قد فُقد، ودُمرت أوضاعهم الاقتصادية بعد فقدانهم أدوات عملهم، وأيضا تم احتجاز عدد كبير من الصحفيين وتعرض بعضهم للتهديد بشكل مباشر أو عبر المواقع الإلكترونية، فيما اعتقلت أعداد من الصحفيين ووصل الأمر بأحد أطراف النزاع إلى حد تضمينهم في قوائم الاتهامات المرتبطة ببعض الكتل والمجموعات السياسية.”
ونوه التجاني إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها المؤسسات الإعلامية مثل هذه الأوضاع، بما فيها الإعلام الحكومي حيث دارت معارك شرسة بين أطراف النزاع للسيطرة على مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون.
ووصف الخبير الإعلامي التجاني المرحلة الحالية بمرحلة الإظلام الإعلامي الكامل إلى درجة أن المحطات الإذاعية والتلفزيونية في الولايات خرجت عن الخدمة تماما بسبب التشريد المستمر وتنقل الكوادر وفقدان الأمن.
وأشار إلى أن المؤسسات الإعلامية، وبصورة خاصة الصحف، كانت قد بدأت في التعافي خلال الفترة الانتقالية وعملت على تطوير بعض الإمكانيات والإستراتيجيات التي تتيح لها التعايش مع تطورات الإعلام الجديد، لكن هذه المؤسسات تعرضت للتدمير لأن غالبيتها متمركزة في ولاية الخرطوم.
ويعاني الصحفيون داخل البلاد من عدم استقرار خدمات الاتصالات والإنترنت وحجبها أحيانا في مناطق النزاع، ما يمنعهم من أداء مهامهم ويعرقل حصولهم على الحقائق والوصول إلى المصادر ويحرم المواطنين من الحصول على المعلومات، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الشائعات.
واعتبر المدير التنفيذي لمركز سلا ميديا أن هناك تدهورا في البنى الإعلامية غير مشهود في تاريخ السودان ومنذ ظهور الصحافة في العام 1903، ولم تعد المؤسسات الإعلامية قادرة على العمل من مراكزها ومؤسساتها ولم يعد الصحفيون قادرين على الوصول إلى مؤسساتهم.
كما أن عدم التزام أطراف النزاع بالقانون الدولي الإنساني الذي يوفر الحماية للصحفيين يزيد من تعقيد الأوضاع وأدى ذلك إلى مقتل عدد من الصحفيين، ومن بينهم صحفية من مؤسسة سودان بكرة تعرضت للدهس بمركبة عسكرية العام الماضي ما يعكس استهدافا للنوع الاجتماعي في ظل تعرض الصحفيات لمخاطر كبيرة.
ودفعت الحرب أكثر من 500 صحفي للجوء إلى دول الجوار غالبيتهم في مصر وإثيوبيا وأوغندا وكينيا، كما نزح حوالي 700 صحفي إلى الولايات الآمنة داخل البلاد إلى جانب ولايات نهر النيل والشمالية والقضارف وكسلا.
واتجه بعض الصحفيين النازحين إلى مهن أخرى بعد توقف مؤسساتهم الإعلامية فامتهنوا أعمالا تجارية صغيرة في الأسواق لكسب قوت يومهم في مناطق النزوح، بينما أنشأ آخرون مواقع إلكترونية بإمكانات محدودة وغالبيتها منصة الصحفي الواحد تحريرا ونشرا.
وشدد التجاني على أن الإعلام السوداني، مؤسسات وصحفيين، لم يكن مستعدا لمواجهة هذا الواقع المعقد وكيفية العمل في بيئة خطرة وأن ذلك يعكس غياب التدرّب على التعامل مع مثل هذه الظروف.
وتفيد مصادر بأن نحو 80 في المئة من المواقع والمنصات الإلكترونية تدار من خارج السودان وبعضها يعمل من الداخل، لكنّ الصحفيين يواجهون مصاعب، مثل عدم استقرار خدمات الاتصالات والإنترنت وصعوبة التواصل مع المصادر وعدم التمكن من الوصول إلى مواقع الأحداث.
من جهتها أفادت نقابة الصحفيين السودانيين، التي أنشئت في أغسطس 2022، بأن الحرب الدائرة في البلاد تسببت في مقتل 13 صحفيا من بينهم صحفيتان، وتعرض 11 آخرون، من بينهم 3 صحفيات، لاعتداءات جسدية وإصابات، بالإضافة إلى حالة اعتداء جنسي واحدة.
وذكرت النقابة في تقرير حديث أن 30 صحفيا، من بينهم 10 صحفيات، تعرضوا إلى إطلاق نار وقصف. كما وثقت 60 حالة اختطاف واحتجاز قسري، من بينها 9 حالات تتعلق بصحفيات، و6 بلاغات تعسفية تعيق عمل الصحفيين وتقيد حركتهم. وسُجلت 58 حالة تهديد شخصي منها 26 حالة ضد صحفيات، إضافة إلى 27 حالة اعتداء جسدي ونهب ممتلكات، من بينها 3 حالات ضد صحفيات.
وقال وزير الثقافة والإعلام الأسبق فيصل محمد صالح صورة، خلال مائدة مستديرة نظمتها رابطة الصحفيين السودانيين بالعاصمة الأوغندية كمبالا الشهر الماضي، إن الصحفيين في الداخل يواجهون مخاطر جسدية وتهديدات تشمل العنف من قبل الأطراف المتحاربة، مثل الاختطاف والتعذيب والإجبار على الكشف عن المصادر أو المنع من نشر معلومات حساسة. ويضيف أن الصحفيين السودانيين في “المنفى” يواجهون أيضا صعوبات مالية في بلدان جديدة حيث لا يتمكنون من الحصول على دخل ثابت أو تصاريح للعمل، إلى جانب الصدمات الناتجة عن الحرب.
(عن/ صحيفة العرب)