يمضي العراق بخطوات ثابتة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة الأدوية من خلال برنامج طموح لتوطين الصناعات الدوائية.. هذا البرنامج الذي أطلقته الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني، يهدف إلى تحقيق تغطية تصل إلى 70 % من حاجة السوق المحلية خلال خمس سنوات، مع فتح آفاق جديدة لتصدير الفائض إلى دول المنطقة.
الخطوات الحكومية ودور القطاع الخاص
وكأول خطوة للسير بهذا المشروع الاقتصادي والصناعي الكبير وفي إطار الإستراتيجية الحكومية، افتتح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مصنعاً للمضادات الحيوية في بغداد، وُصف بأنه أولى خطوات تحقيق الاكتفاء الذاتي. وقد عدّ النائب مضر معن أن هذا المشروع هو جزء من شراكة بين القطاعين العام والخاص، وبمشاركة دولية من 14 دولة تسعى للاستثمار في صناعة الأدوية داخل العراق.
ولكي نتعرف على ماهية هذا المشروع وكيف الوصول به إلى تحقيق ما يسعى إليه العراق كانت للزوراء حوارات مع ابرز المسؤولين في وزارة الصحة الجهة المسؤولة عن تنفيذ المشروع أولهم الدكتور صالح الحسناوي وزير الصحة العراقية، حيث تحدث في تصريح خاص لـ”الزوراء” حول أهمية توطين صناعة الأدوية في العراق، قائلا: إن توطين صناعة الأدوية يمثل أولوية في البرنامج الحكومي للعراق، الذي وضعه رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني. هذه الخطوة تهدف إلى تحقيق الأمن الدوائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مما يعزز الاستقلالية الصحية ويقلل من تكاليف استيراد الأدوية. في العام 2023 وحده، تم افتتاح ستة مصانع جديدة، مما يعكس توجهًا ثابتًا لدعم هذا القطاع.
وأضاف الحسناوي: أنه خلال العام الحالي، تم افتتاح 31 مصنعًا منتجًا حاليًا، إضافة إلى 20 مصنعًا قيد الإنشاء بنسب إنجاز متفاوتة. كما بلغت قيمة التعاقدات بين وزارة الصحة والمصانع الوطنية 526 مليار دينار من ميزانية 1.6 تريليون دينار، ما يمثل 30 % من إجمالي التعاقدات لعام 2023.
وحول نوع الأدوية التي يتم إنتاجها محليًا، اشار الوزير الى ان الأدوية المنتجة محليًا تشمل الأدوية العامة وأدوية السرطان، بالإضافة إلى المحاليل الوريدية والأدوية البيولوجية، يتم تنفيذ اختبارات صارمة لضمان مطابقة هذه الأدوية للمعايير العلمية والدساتير العالمية، مما يضمن جودتها وفعاليتها.
دعم الحكومة للقطاع الخاص
وبشأن دعم الحكومة للقطاع الخاص في هذا المجال، اوضح الحسناوي: ان الحكومة قدمت العديد من التسهيلات، مثل التعاقد مع المنتج الوطني بدلاً من الأجنبي عند اجتيازه للاختبارات المطلوبة. بالإضافة إلى ذلك، تم تفعيل قانون حماية المنتج الوطني عبر وزارة الصناعة، مما يوفر الحماية للمنتجات الوطنية أمام المنافسة من المنتجات المستوردة.
وبخصوص إستراتيجية وزارة الصحة لتحقيق التكامل بين المصانع الوطنية، بيّن: ان الوزارة تعمل على توجيه المصانع لتجنب التنافس على إنتاج نفس النوع من الأدوية، بل على التكامل في الإنتاج. على سبيل المثال، يُشجّع كل مصنع على التخصص في أدوية مختلفة، هذا يضمن توافر أنواع متعددة من الأدوية في السوق، ويحقق الاستقرار الدوائي على المدى الطويل.
وحول امكانية وصول العراق إلى الاكتفاء الذاتي من الأدوية، اكد: ان الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الأدوية هو خطة طويلة الأمد.. الحكومة تعمل حاليًا على تعزيز هذا الهدف من خلال تسهيلات متعددة، تشمل الدعم المصرفي والإجراءات الجمركية وتوفير بيئة ملائمة للصناعة.. دول الجوار مثل إيران وتركيا وصلت إلى نسب اكتفاء ذاتي تتراوح بين 75 % و90 %، والعراق يسير بخطى ثابتة لتحقيق نسب مشابهة.
رؤية الوزارة لزيادة الانتاج
وفيما يتعلق برؤية وزارة الصحة لزيادة الإنتاج المحلي، اوضح: ان الوزارة تسعى إلى رفع عدد الأدوية المسجلة محليًا، حيث بلغ عددها حاليًا 1725 دواء. كما تدعو المصانع للاهتمام بتوفير الأدوية العامة في القطاع الخاص، الذي يتمتع بإمكانيات مالية تفوق القطاع العام، وهذا سيزيد من الاعتماد على المنتجات المحلية ويُسهم في تحسين الاقتصاد الوطني.
وتابع ان الأدوية المنتجة محليًا تخضع لنفس الاختبارات الصارمة التي تُجرى على الأدوية المستوردة، لضمان سلامتها وجودتها وكفاءتها، تُعتمد هذه الاختبارات على المعايير العالمية، مما يجعل الأدوية المحلية مكافئة للأدوية المستوردة من حيث الفعالية والأمان.
وحول دور وزارة الصناعة في دعم صناعة الأدوية، اكد الوزير ان وزارة الصناعة تلعب دورًا محوريًا في دعم صناعة الأدوية من خلال توفير القوانين والتشريعات لحماية المنتج الوطني، إضافة إلى تقديم التسهيلات اللازمة للمصانع. كما تعمل على تعزيز التعاون بين الجهات المختلفة لتحقيق أهداف التكامل الصناعي، داعيا المستثمرين إلى زيادة الاستثمار في صناعة الأدوية، والتركيز على إنتاج الأدوية العامة التي تحتاجها السوق العراقية بشدة. كما تشجع الوزارة على إنشاء مصانع جديدة في المحافظات المختلفة، لضمان تحقيق التوازن الجغرافي في الإنتاج.
وفي السياق نفسه، أوضح مستشار رئيس الوزراء لشؤون الصناعة، حمودي اللامي، في حديث لـ”الزوراء”: إن الحكومة عقدت سلسلة اجتماعات مع منتجي الأدوية ونقابة الصيادلة، نتج عنها توصيات تم تحويلها إلى قرارات حكومية داعمة للصناعة الدوائية خاصة بعد ان شهدت الصناعة الدوائية العراقية تطوراً لافتاً منذ بدء برنامج التوطين، حيث ارتفعت نسبة تغطية الحاجة المحلية من 9 % إلى 27 %. وتابع: كما ارتفع عدد مصانع الأدوية من 24 مصنعاً إلى 42 مصنعاً، مع 18 مصنعاً جديداً قيد الإنشاء ابرزها هو المصنع العراقي لإنتاج المواد الصيدلانية الذي ينتج أدوية السرطان بنسبة تغطية 100 % للمؤسسات الصحية الحكومية، فضلاً عن إنتاج أدوية الضغط والسكري والمسكنات بمعدل 500 مليون حبة سنوياً.
الفوائد الإستراتيجية لتوطين الأدوية
وبشأن الفوائد الإستراتيجية لتوطين الأدوية في العراق ، اوضح: ان مثل هذه المشاريع مهمة جدا، تحدد من خلالها إستراتيجيات ونسب تطور صناعية ربما تحقق الاكتفاء الذاتي للعراق كما انها تحقق للدول اهدافا عديدة منها :
1. خفض فاتورة الاستيراد : الإنتاج المحلي يقلل الاعتماد على الاستيراد ويوفر مليارات الدولارات.
2. تحسين جودة الدواء : يتم الإنتاج وفق أعلى المعايير العالمية باستخدام دساتير عالمية .
3. خلق فرص عمل : تعمل المصانع بطواقم عراقية بنسبة 99 %.
4. حماية المستهلك : يضمن التصنيع المحلي رقابة صارمة تقلل من ظاهرة غش الدواء.
5. التصدير : تحويل العراق إلى مركز إقليمي لتصدير الأدوية.
تحديات الصناعة الدوائية
ولفت الى انه رغم التقدم المحرز، تواجه الصناعة الدوائية في العراق عدة تحديات، أبرزها:
- مشاكل البنية التحتية: بعض المصانع تحتاج إلى تطوير وتأهيل.
- تأخير الموافقات الرسمية : تسجيل الأدوية الجديدة قد يستغرق وقتاً طويلاً.
- المنافسة مع الأدوية المستوردة : والتي غالباً ما تكون بأسعار أقل نتيجة الدعم الحكومي في بلدانها.
من جانبه، تحدث سيف بدر الناطق الرسمي لوزارة الصحة لـ”الزوراء” حول رؤية الحكومة العراقية في توطين الأمن الصحي للبلاد، قائلا: ان رؤية الحكومة العراقية تهدف إلى توطين الأمن الصحي من خلال اتخاذ حزمة من القرارات والتسهيلات الكبيرة لدعم الراغبين في تأسيس صناعة دوائية محلية. مؤكدا ان هذه القرارات تهدف أيضًا إلى تطوير الصناعات الدوائية في القطاعين العام والخاص، ما انعكس إيجابيًا على زيادة حجم ونوعية الأدوية والمستلزمات الطبية المصنعة محليًا.
هدف الوصول الى الاكتفاء
واضاف: ان الهدف الأساسي هو الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، هذا المشروع يحتاج فترة زمنية للتنفيذ، ونأمل تحقيقه خلال السنوات المقبلة. لافتا الى ان الدعم الذي تقدمه الحكومة للصناعة الدوائية المحلية يشمل تسهيلات مالية ومصرفية، وتسهيلات فنية وتعاقدية، إضافة إلى تسريع إجراءات الإقرار وفق الضوابط المعتمدة من الحكومة العراقية.
ولفت الى ان وزارة الصحة وضعت خططًا لتطوير الصناعة الدوائية تشمل زيادة أعداد المصانع، وتطوير المصانع القائمة، والاستمرار في التواصل مع الجهات الدولية.
واكد: ان هناك أدوية عراقية معترف بها دوليًا، حيث هناك أدوية عراقية تم إقرارها خارج العراق وتُستخدم في عدد من بلدان العالم. كما توجد شراكات مع شركات عالمية رصينة لتصنيع أدوية ومستلزمات طبية معقدة.
جودة المنتجات الدوائية المحلية
وحول ضمان جودة المنتجات الدوائية المحلية، اوضح البدر: انه لا يمكن اعتماد أي علاج أو مستلزم طبي يقل عن المعايير الدولية. كل منتج، سواء كان مستوردًا أو مصنعًا محليًا، يخضع لسلسلة فحوصات معقدة في المختبر الوطني أو تحت الرقابة الدولية، وإذا لم ينجح في هذه الفحوصات، لا يتم إطلاقه.
وبين: ان المشروع سيسهم في تقليل أسعار الأدوية نظرًا لأنها صناعة محلية، والمواد الأولية عراقية ومُعفاة من الرسوم الجمركية والتحويلات الخارجية، مما يقلل تكاليف الإنتاج ويوفر الأدوية بأسعار مناسبة. مؤكدا انه سيتم العمل على تثقيف المواطنين من خلال التأكيد على جودة المنتج المحلي، سواء من المصانع الحكومية أو الأهلية، مع الالتزام بمعايير الجودة العالمية المتبعة.
وبشأن التحديات التي تواجه الصناعة الدوائية العراقية، اشار البدر الى ان أحد التحديات هو وجود دعايات مضادة لأسباب تجارية، تشكك في جودة المنتج العراقي، لكن يتم التعامل مع هذه التحديات بتأكيد الالتزام بالجودة والمعايير العالمية.
الفوائد الاقتصادية والاجتماعية
وبخصوص ما الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لهذا المشروع على العراق، اوضح: ان المشروع سيقلل الاعتماد على الاستيراد، ويعزز الصناعات المحلية، ويوفر فرص عمل جديدة، ويساهم في تحسين الأمن الصحي وتوفير الأدوية بأسعار مناسبة للمواطنين.
بعد هذا التحقيق الموسع وهذه الإجابات الصريحة، ورغم أن الكثير من الخبراء يتوقعون أن يشهد منتصف العام المقبل طفرة نوعية في توفير الأدوية للمواطنين، مستندين على بدء إنتاج أصناف جديدة تشمل أدوية الضغط والسكري وأدوية الأمراض المزمنة، نقول: هل ينجح العراق في تحويل طموحاته إلى واقع ملموس ؟ هذا ما نأمله جميعا.