تونس/ متابعة الزوراء
اعلن رئيس لجنة التشريع العام في مجلس النواب التونسي ياسر القُوراري، فتح الباب لاقتراح مبادرة لدعم قطاع الإعلام، بتفاؤل من قبل الصحفيين.
وأعلن القُوراري أنّ “العديد من النواب على أتمّ الاستعداد للتعاطي مع أهل الاختصاص من أجل بلورة مُبادرة لفائدة وسائل الإعلام، من أجل استمرارية مواطن الشغل، والنهوض بالقطاع الإعلامي السمعي والبصري،” في تصريحات اعتبرت تكرارا لما يتم تداوله حول وضعية الإعلام التي لم تفلح الوعود في تحسينها.
وأكّد القوراري، خلال مداخلة هاتفية في برنامج “صباح الورد” على “جوهرة “أف أم”، أنّه “تم تقديم فصل يتعلّق بالصحافة المكتوبة الورقية والإلكترونية، لكن تمّ إسقاطه وفسّرت الوزيرة أنّ هذا الفصل معمول به من قبل مؤكدة على ضرورة إيجاد آليات أخرى تختلف عن التي تمّ تقديمها.”
ويرى أهل القطاع أن الحكومة لم تقدم أي أفكار أو برامج لإنقاذ المؤسسات الإعلامية التي تعاني من وضعية هشة، بينما بقيت المبادرات لدعم القطاع خجولة لم تتم ترجمة أي منها إلى واقع فعلي.
ويشتكي الكثيرون من تراجع الدور المؤسساتي وغياب الإطار القانوني المنقح للمرسوم 115 و116 وعدم التركيز على إطار تشريعي للصحفيين من أبناء معهد الصحافة وأهل الاختصاص، ما أدى إلى تسرب دخلاء لا علاقة لهم بمهنة الصحافة في تونس من المجتمع المدني أو من السياسة أو من المحاماة أو من عالم الأعمال أحيانا، يتصدرون الشاشات. وهو ما تسبب في إفراغ المضامين الإعلامية من محتواها الجاد والهادف وساهم في تهديد فرص تشغيل الأبناء الشرعيين للقطاع وإفراز محتويات هزيلة ورديئة لا ترتقي إلى تطلعات الجمهور.
وفي الآونة الأخيرة صار الصحفيّون يُستبدلون بمنتجين من خارج المؤسّسة أو يتمّ تحويلهم إلى منتجين للبرامج الترفيهية. وتشير بعض التقديرات إلى أن كل القنوات التلفزيونية باستثناء القنوات العمومية قد لا يصل العدد الإجمالي للصحفيين العاملين فيها جميعها إلى 30 صحفيّا.
ويطالب خبراء بوضع ضمانات؛ وذلك بأن تتشارك الدولة وخبراء وهيئات متخصصة من المجتمع المدني في مراجعة طرق الدعم والتعديل والحوكمة، ويجب النظر إلى التجارب السائدة في الديمقراطيات الغربية للبناء عليها وفق نموذج يلائم الواقع التونسي.
وسبق أن تقدم نواب في البرلمان بمبادرة تتعلق بدعم الإعلام ماديا ومهنيا، وإخراجه من أزماته المزمنة منذ سنوات والتي أفقدته ثقة الجمهور وتأثيره على الرأي العام. وتتعلق بمقترح قانون لدعم استقلالية وسائل الإعلام، ينصّ على إحداث “صندوق دعم استقلالية وسائل الإعلام وجودة مضامينها”، وضبط شروط وطرق تدخّله.
وينتظر الصحفيون أن يرى الصندوق النور؛ حيث يهدف، وفق نص المبادرة، إلى المساهمة في الدعم المالي لإنتاج مضامين صحفية ذات جودة بمختلف أصنافها، تستجيب لقواعد المهنة الصحفيّة وأخلاقياتها، وإلى الدعم المالي للأعمال الدرامية الوطنية والمشتركة، إضافة إلى دعم المشاريع التي تسعى إلى مواكبة التطوّر التكنولوجي والرقمنة وثقافة الدمج بين مختلف المحامل، إضافة إلى دعم استقلالية وسائل الإعلام ضمانا للجودة والشفافية، وضمانا للشروط الأساسية للاستقرار الاجتماعي بالمؤسسات الإعلامية.
ولطالما شكل دعم الإعلام بشقيه العمومي والخاص مطلبا رئيسيا للصحفيين، وقد اقترح الجامعي المتخصص في علوم الاتصال والإعلام صلاح الدين الدريدي مراجعة دور الدولة قبل الثورة في طرق تمويل ودعم المؤسسات الإعلامية بشكل مباشر أو غير مباشر انطلاقا من مسؤوليتها عن تعزيز الديمقراطية والتعددية وعن حق المواطن في الحصول على المعلومة. ويكون ذلك بإعادة تنظيم وتوزيع سوق الإعلانات العمومية حتى لا تحرم وسائل الإعلام من عائدات كانت تتمتع بها في السابق وتساعد على ديمومتها.
ويرى البعض أن مبادرة النواب السابقة بإنشاء صندوق دعم الإعلام تعتبر خطوة جيدة في إطار تحسين وضعية المؤسسات، حيث جاء في وثيقة شرح الأسباب للنواب الذين تقدّموا بالمبادرة أنّ تشخيص الواقع الراهن للمشهد السمعي – البصري يحيل إلى عدم تناسب بين عدد وسائل الإعلام والحجم الإجمالي لسوق الإشهار الذي لا يتجاوز 130 مليون دينار (حوالي 39 مليون دولار أميركي) خلال سنة 2022، مبيّنين وجود “خلل” فتح الباب أمام تنافس “شرس” من أجل الظفر بجزء من سوق الإشهار، وتسبّب في بروز العديد من الظواهر والممارسات السلبية التي كان من ضحاياها المضمون الصحفي الجيد.
وأكّدوا أنّ هذا المشروع يهدف إلى تصحيح المسار الإعلامي، من خلال دعمه ماليا دون التدخل في خياراته التحريرية أو المس من استقلالية مؤسساته، مبيّنين أنّ انخراط الدولة في هذا المشروع هو بداية تشكيل لرؤية سياسية حول الإعلام قوامها المصلحة العامة والعمل المشترك.
كما اعتبروا أنّ انخراط المؤسسات الإعلامية في هذا الصندوق والإسهام في تمويله، إنما هما اعتراف بمسؤوليتها الاجتماعية ومحاولة لتجاوز الأزمة الراهنة، من أجل التفرغ للتحديات الكبرى وعلى رأسها مسألة الرقمنة.
واقترحت المبادرة التشريعية إحداث مقر لمجلس الصندوق بتونس العاصمة، ويعتبر عنوانه المقر الاجتماعي والمقر المختار لكل المراسلات والإيداعات.ويتكوّن مجلس الصندوق من رئيس يعيّنه رئيس الجمهوريّة، وممثلين عن وزارة المالية ووزارة الثقافة والهيئة التعديلية للقطاع السمعي – البصري وعن معهد الصحافة وعلوم الإخبار، وعن الهيكل الأكثر تمثيلا للصحفيين التونسيين والهيكل الأكثر تمثيلا للتقنيين التونسيين، إضافة إلى ممثل عن المؤسسات الإذاعية الخاصّة وعن الإذاعات الجمعياتية، شرط أن تتوفر فيهم الكفاءة والاختصاص وعدم تضارب المصالح.
كما نصّت المبادرة على أن تتأتى مداخيل الصندوق من التمويل العمومي (يضبط بأمر بعد استشارة مجلس الصندوق)، واقتطاع نسبة مئويّة (4 في المئة) من الإشهار العمومي والخاص في وسائل الإعلام السمعية – البصريّة، ومن الهبات والمنح (تخضع لنظام الإعفاء الجزئي الضريبي أو الامتياز الجبائي)، ومن اشتراكات المؤسسات الإعلامية.
ويحدث الصندوق موقعا إلكترونيا يتضمن كل المعلومات الضرورية عن تركيبة المجلس وأعماله ومصادر تمويله وميزانيته والبلاغات والوثائق الصادرة عنه، وشروط التمتع بالدعم والمؤسسات المستفيدة. ويشترط نص المبادرة في انعقاد المجلس حضور ثلثي أعضائه ويتم اتخاذ قرارات مجلس الصندوق باعتماد التصويت بالأغلبية، وفي صورة تساوي الأصوات يتم ترجيح صوت رئيس مجلس الصندوق.
ويعلن المجلس سنويا خلال نهاية شهر أبريل ميزانية الصندوق بمختلف مواردها (للسنة القادمة)، وينشر ميزانيته النهائية على موقعه، ويضبط مجالات ومعايير صرف الميزانية وإسناد الدعم، إضافة إلى نشر جداول تفصيلية على موقعه الإلكتروني تتعلق بوسائل الإعلام السمعية – البصرية والبرامج المستفيدة من الدعم ومصادره.
ويتولى وضع إستراتيجيات لدعم استقلالية وسائل الإعلام، من خلال تطوير جودة المضامين الإعلامية بعيدا عن إكراهات الإشهار ومعايير تقييم المشاريع المقدمة، وتسند لمجلس الصندوق مهمة إعداد وإنجاز ندوات ودراسات علمية تتعلق باستهلاك المادة السمعية – البصرية في ظل التطورات التكنولوجية واندماج المحامل المتنوعة، إضافة إلى مهمة تحديد إستراتيجيات قصيرة ومتوسطة المدى حول المشاريع والبرامج السمعية – البصرية.
كما يتولى مجلس الصندوق، وفق مقترح القانون، وضع دليل إجراءات يحدد فيه تركيبة ومهام اللجان الفرعية التي ستتولى بدورها وضع المقاييس المتعلقة بالمشاريع، والتزامات المستفيد من الدعم ومعايير التقييم في متابعة الإنجاز، إضافة إلى ضبط منهجية دراسة الملفات والمشاريع المعروضة للحصول على الدعم.
(عن/صحيفة العرب)