رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
القانون النووي العراقي: بوابة إلى مستقبل مستدام ومشرق


المشاهدات 1639
تاريخ الإضافة 2024/12/01 - 8:54 PM
آخر تحديث 2024/12/26 - 2:00 PM

في أمسيات بغداد، عندما تنطفئ أنوار المنازل ويعلو ضجيج المولدات، قد يبدو الحديث عن طاقة نووية وكأنه حلم بعيد. لكن العراق اليوم على وشك أن يخطو خطوة جريئة، خطوة تُحكى في أروقة السياسة العلمية، حيث يُقال إن القانون النووي العراقي بات جاهزاً. هذا القانون، إذا كُتب له النجاح، قد يغير المشهد تماماً. ومع ذلك، ليس من السهل أن تُقنع العراقي البسيط الذي اعتاد على انقطاع الكهرباء أن الطاقة النووية هي الحل. قد يبدو الأمر للبعض كما لو أنه نقاش عن بناء جسر للقمر بينما الأرض مليئة بالحفر.
الطاقة النووية: خيار جريء في زمن التحديات
رغم احتياطيات العراق الضخمة من النفط، يعاني قطاع الطاقة من أزمات متكررة تُرهق المواطنين. يدفع العراقي فاتورتين شهريًا: واحدة للمولدات الخاصة وأخرى للكهرباء الحكومية، دون أن يحصل على كهرباء مستقرة. في هذا السياق، تبدو الطاقة النووية كخطوة جريئة واستراتيجية، ليس فقط لتوفير الكهرباء، بل لإعادة تشكيل اقتصاد العراق بالكامل. فوائد المشروع تتجاوز تلبية احتياجات الطاقة لتشمل قطاعات الصحة، الزراعة، والصناعة. لكن لتحقيق هذه الأهداف، يحتاج العراق إلى مواجهة تحديات صعبة بخطط مدروسة.
ما الذي يقدمه القانون النووي العراقي؟
القانون النووي الجديد لا يقتصر على بناء المفاعلات النووية فقط، بل يضع إطارًا شاملًا لتنظيم استخدامات الطاقة النووية بشكل سلمي وآمن. من بين أهدافه:
1.إنتاج طاقة مستدامة:
•بناء مفاعلات نووية تُوفر كهرباء ثابتة ومستدامة تُغني المواطنين عن المولدات وتخفض الاعتماد على النفط في توليد الطاقة.
2.تطوير قطاع الصحة:
•إنشاء مراكز إشعاعية لعلاج مرضى السرطان محليًا، بدلًا من إرسالهم للخارج.
•تعزيز تقنيات التشخيص المبكر للأمراض باستخدام التكنولوجيا النووية.
3.تعزيز الأمن الغذائي:
•تحسين جودة المحاصيل الزراعية باستخدام التكنولوجيا النووية.
•مكافحة الآفات الزراعية بطرق أكثر كفاءة وصديقة للبيئة.
4.إدارة النفايات النووية:
•اعتماد تقنيات تخزين متطورة، مثل المستودعات الجيولوجية العميقة كالمستخدمة في فنلندا والسويد.
•إنشاء هيئة رقابة بيئية مستقلة لضمان حماية التربة والمياه.
5.تعزيز الشفافية:
•القانون يتطلب إنشاء هيئة مستقلة لإدارة المشروع تحت إشراف دولي، لضمان الشفافية وتقليل مخاطر الفساد.
التحديات التي تواجه العراق
رغم الفوائد الكبيرة، هناك عقبات حقيقية تحتاج إلى معالجة جدية:
1. التمويل:
•بناء مفاعل نووي يتطلب استثمارات ضخمة تتراوح بين 5-10 مليارات دولار.
•يمكن للعراق الحصول على تمويل من خلال:
•الشراكات الدولية: التعاون مع دول مثل فرنسا، كوريا الجنوبية، والصين.
•الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA): التي تقدم دعمًا ماليًا وتقنيًا للدول الناشئة في هذا المجال.
•القروض طويلة الأجل: من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي.
2. الأمن النووي:
•في بلد يعاني من تحديات أمنية، يجب وضع إجراءات صارمة لضمان حماية المنشآت النووية.
•تشمل الحلول:
•إنشاء وحدات أمنية متخصصة لحماية المفاعلات.
•التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة المواد النووية ومنع تسريبها.
3. نقص الكفاءات:
•الطاقة النووية تحتاج إلى خبراء مؤهلين، وهو ما يفتقر إليه العراق حاليًا.
•الحل:
•إطلاق برامج تعليمية مشتركة مع جامعات دولية.
•إرسال بعثات طلابية للتدريب في الدول الرائدة في مجال الطاقة النووية.
4. إدارة النفايات النووية:
•النفايات النووية تشكل هاجسًا عالميًا، والعراق يحتاج إلى حلول طويلة الأمد لتخزينها.
•الحل:
•الاستفادة من التجارب الدولية مثل مرفق “أونكالو” في فنلندا، الذي يستخدم تقنيات التخزين العميق.
5. الإصلاح المؤسسي:
•الفساد الإداري قد يعرقل أي مشروع كبير.
•الحل:
•إنشاء هيئة مستقلة تتبع البرلمان مباشرة وتعمل بشفافية تحت إشراف دولي.
فرص واعدة: مستقبل الطاقة النووية في العراق
رغم العقبات، الطاقة النووية تحمل للعراق فرصًا هائلة:
1.استقرار الطاقة:
تخيل عراقًا تُضاء منازله بطاقة نظيفة ومستدامة، دون انقطاع.
2.تحسين الخدمات الصحية:
•مراكز إشعاعية متطورة تُنقذ حياة آلاف مرضى السرطان سنويًا.
3.تعزيز الزراعة:
•زراعة محاصيل أكثر إنتاجية وذات جودة أعلى، مما يعزز الأمن الغذائي.
4.الاقتصاد المتنوع:
•تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل، وفتح مجالات جديدة للتنمية الاقتصادية.
دروس من دول أخرى: كيف يمكن للعراق التعلم؟
الإمارات العربية المتحدة:
•بدأت الإمارات مشروع “براكة” النووي بالتعاون مع كوريا الجنوبية.
•استثمرت في التعليم والتدريب، واليوم تحقق طاقة نظيفة ومستدامة.
كوريا الجنوبية:
•بدأت بموارد محدودة لكنها ركزت على تطوير الكفاءات.
•الآن تُعد من أكبر الدول المُصدرة للتكنولوجيا النووية.
التعاون الإقليمي والدولي:
•يمكن للعراق التعاون مع دول الجوار، مثل تركيا وإيران، لتبادل الخبرات.
•التعاون مع المنظمات الدولية مثل IAEA يضمن التزام المشروع بالمعايير العالمية.
ماذا يقول العراقيون؟
أثناء الحديث مع مواطنين، تنوعت الآراء بين الحذر والتفاؤل:
•يقول صديقي حسن، وهو مهندس كهرباء:
“الطاقة النووية قد تكون الحل الوحيد لإنهاء أزمة الكهرباء، لكن يجب أن نضمن تنفيذها بشفافية.”
•أما السيدة أم زينب، ربة منزل:
“كل ما نريده هو كهرباء ثابتة. إذا نجحوا في هذا، فسيكون مشروعًا ناجحًا.”
خاتمة: نحو مستقبل مشرق بالطاقة النظيفة القانون النووي العراقي ليس مجرد مشروع تقني، بل رؤية لعراق جديد. إنه فرصة لتحويل التحديات إلى إنجازات، ولتحقيق التنمية المستدامة في بلد غني بالموارد لكنه عانى طويلًا من سوء الإدارة. لكن نجاح هذا المشروع يعتمد على عوامل أساسية: الشفافية، التخطيط السليم، والإرادة السياسية. العراق أمام فرصة تاريخية لا تقتصر على توفير الكهرباء، بل تشمل بناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة. ربما يبدأ المشروع بخطوات صغيرة، لكن إذا نُفذ بعناية، فقد يكون الشرارة التي تُضيء العراق بطاقة نظيفة ومستدامة. إنه حلم ممكن، لكنه يحتاج إلى العمل الجماعي والإرادة الصادقة لتحقيقه.


تابعنا على
تصميم وتطوير