في عالم الفن العراقي والعربي، يبرز اسم محمود أبو العباس واحداً من الرموز البارزة التي أثرت في المشهد الثقافي والمسرحي. وُلد في 27 آيار 1956 في منطقة العشار بمدينة البصرة، ليخطّ لنفسه مسيرة استثنائية كممثل، مخرج، أكاديمي، وكاتب مسرحي.. تميز بتقديم أكثر من ثلاثين عملاً مسرحياً بين كتابة وتمثيل وإخراج، إلى جانب مشاركته في العديد من المسلسلات التلفزيونية التي حظيت بشعبية كبيرة.
محمود أبو العباس فنان لم يقتصر إبداعه على خشبة المسرح أو شاشة التلفزيون؛ بل امتد إلى المجال الفكري، حيث كتب دراسات نقدية ومقالات وأبحاث، وشارك في العديد من المهرجانات المسرحية العربية والدولية، محققاً جوائز مرموقة كأفضل ممثل عراقي. بفضل موهبته الاستثنائية ورؤيته الفنية، ترأس مهرجان البصرة السينمائي الدولي وساهم في تعزيز الحراك الثقافي والفني.
أمضى سنوات في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث ترك بصمة بارزة في تربية جيل مسرحي جديد، ليكرَّم عام 2017 من قبل حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي كأفضل فنان عربي متميز. عاد إلى وطنه العراق في العام نفسه، ليواصل مسيرة الإبداع والعطاء الفني.
-حدثنا عن بطاقتك التعريفية؟
- اسمي الرسمي محمود عبد العباس محمود الربيعي، ولدت في البصرة عام 1956. حصلت على شهادة الماجستير في الإخراج المسرحي من كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد. أنا عضو في الفرقة القومية للتمثيل، وعملت مدرسًا لمواد التمثيل والإخراج في كلية الفنون الجميلة. كما عملت في الإمارات لعشر سنوات، وأسست هناك عدة مهرجانات فنية.
- متى بدأت رحلتك ؟
- انطلقت مسيرتي في المدارس بالبصرة، حيث شاركت في أول عمل مسرحي لي خلال الصف السادس الابتدائي. وفي عام 1975، التحقت بكلية الفنون الجميلة ببغداد، وتخصصت في الإخراج المسرحي، حيث تخرجت الأول على دفعتي.
-اول أعمالك المسرحية ؟
- أول مسرحية لي كانت «أم ستار»، قدمتها في منزلي وشاهدها أهالي المنطقة. أما أول عمل عرض على المسرح الوطني فكان «مقامات أبي الورد» من إخراج إبراهيم جلال وتأليف عادل كاظم.
-كيف كانت تجربتك في الإمارات؟
-بدأت رحلتي إلى الإمارات عام 1999، حيث شاركت في العديد من الأعمال مع مختلف الفرق المسرحية. أسست ثلاثة مهرجانات مسرحية، منها مهرجان الإمارات لمسرح الطفل. كما قمت بتأليف 12 كتابًا عن المسرح العراقي والإماراتي.
- ما تقييمك للدراما العراقية اليوم؟
- للأسف، المسرح العراقي أصبح محصورًا على نخبة معينة، والمسرحيات الشعبية الحالية لا ترقى إلى المستوى المطلوب. أتمنى أن يُعاد تفعيل مسرح الطفل لما له من تأثير كبير على الأجيال الصاعدة.
- ما أعمالك الجديدة؟
- أعمل حاليًا على تصوير مسلسل «يسكن قلبي» من تأليف باسم شبيب وإخراج أكرم كامل. كما أنني أستعد لتقديم مسرحية للأطفال بعنوان «الساحل والمصباح»، وسيكون ريعها لدعم الأيتام.
-كيف كانت بيئتك العائلية ومدى تأثيرها على مسيرتك الفنية؟
- نشأت في عائلة مكونة من أربعة إخوة، لكن لم يكن لأي منهم علاقة بالفن. أفراد العائلة كانوا يعملون في مجالات التعليم، المختبرات، وهندسة الاتصالات. رغم ذلك، شغفي بالفن بدأ في المدرسة الابتدائية من خلال المسرح المدرسي. هذا الشغف دفعني لمواصلة العمل المسرحي حتى التحقت بكلية الفنون الجميلة.
- ماذا عن بداية تجربتك الأكاديمية في المسرح؟
-في كلية الفنون الجميلة، كان النظام الأكاديمي يبدأ بإعطاء الطلاب أدوارًا صغيرة. خلال السنوات الأولى كنت أشارك بأدوار «كومبارس»، ثم بدأت أتدرج حتى حصلت على أدوار رئيسية في السنة الأخيرة. تخصصت في الإخراج المسرحي وتخرجت الأول على دفعتي عام 1979، وهو ما مكنني من الالتحاق ببرنامج الماجستير مباشرة.
- حدثنا عن أهم المحطات في حياتك المهنية بعد التخرج؟
- أولى تجاربي المهمة كانت في البصرة، حيث عملت على مسرحيات مثل «سولارا» و»أيها السادة». كانت تجربة «البساط المسرحي» من أبرز المحطات، حيث قمنا بعروض في الساحات والأسواق لزيادة الوعي حول القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية. لاحقًا، بدأت العمل مع الفرقة القومية للتمثيل في بغداد، وشاركت في مسرحيات مثل «الرهن» و»مقامات أبي الورد»، التي أخذتني لأول مرة إلى الخارج للمشاركة في مهرجان قرطاج المسرحي.
- كيف أثرت مشاركاتك الدولية على تجربتك الفنية؟
- المهرجانات الدولية أضافت الكثير لتجربتي الفنية، سواء من ناحية التعرف على مدارس فنية جديدة أو من خلال التفاعل مع جمهور متنوع. فزت بجوائز عديدة منها جائزة أفضل ممثل عراقي لعدة أعوام، وكذلك جوائز في مهرجانات مثل قرطاج الدولي ومهرجانات الإمارات.
- ما دورك في دعم المسرح الإماراتي خلال إقامتك ؟
-خلال وجودي في الإمارات، أسست مهرجانات مثل مهرجان الفجيرة ومهرجان دبي ومهرجان مسرح الطفل، وكنت أركز على تقديم ورش عمل مسرحية وتنظيم فعاليات تهدف لدعم المواهب الشابة. هذه التجربة كانت مثمرة وتركزت على بناء ثقافة مسرحية جديدة في المنطقة.
-وعن علاقتك بالكتابة المسرحية؟
-بدأت الكتابة بمساعدة الشاعر عادل الشرقي، الذي شجعني وقدم لي الدعم لإجازة نصوصي الأولى. كتبت مسرحيات للأطفال مثل «ميراث القطط» و»نور والبئر المسحور»، بالإضافة إلى أعمال للكبار تناولت قضايا اجتماعية وسياسية مختلفة. كما أصدرت 12 كتابًا تناولت فيها قضايا المسرح العراقي والإماراتي.
- ما رأيك بالدراما والمسرح في العراق؟
- المسرح العراقي يعاني اليوم من محدودية الدعم، وأصبح مقتصرًا على نخبة معينة. المسرحيات الشعبية لا ترتقي للمستوى الذي كان عليه المسرح العراقي في السابق. ومع ذلك، هناك حاجة ملحة لإحياء مسرح الطفل لأنه ركيزة أساسية لبناء الأجيال.
- وعن مشاريعك المستقبلية؟
- أطمح لتأسيس برامج تدريبية لتأهيل الشباب للمسرح بشكل احترافي.
-كيف ترى تطور المسرح العراقي منذ بدايتك حتى اليوم؟
- المسرح العراقي كان يتمتع بمكانة مرموقة في الثمانينيات والتسعينيات، حيث قدم أعمالًا ذات قيمة فنية عالية. اليوم، الوضع مختلف، إذ أصبح المسرح محصورًا في نطاق ضيق، وهناك تراجع في الدعم والإنتاج. ومع ذلك، يبقى المسرح العراقي قادرًا على النهوض بفضل طاقات الشباب إذا توفرت لهم البيئة المناسبة.
- ودورك في دعم المواهب الشابة؟
-خلال عودتي إلى البصرة عام 2017، أسست فرقة مسرحية باسم «فرقة محمود أبو العباس»، تتكون من 25 شابًا وشابة من مختلف الخلفيات. هدفي كان تدريبهم وصقل مواهبهم لتقديم أعمال مسرحية تعكس واقع المجتمع.
أيضًا، عملت على إقامة ورش عمل ودورات تدريبية للمسرح، وأسعى لتطوير مسرح الطفل بشكل خاص.
- ما العمل الذي تعتز به ؟
- أعتز بجميع أعمالي، لكن مسرحية «البساط المسرحي» تحمل مكانة خاصة لدي. كانت تجربة مميزة حيث كنا نقدم عروضًا في الأسواق والساحات العامة، تتناول قضايا عربية مثل القضية الفلسطينية وحرب لبنان. كانت تجربة رائدة في إيصال الرسالة المسرحية للجمهور بشكل مباشر.
-كيف أثرت الإقامة في الإمارات على مسيرتك ؟
-الإقامة في الإمارات كانت تجربة غنية جدًا، إذ استطعت تأسيس ثلاثة مهرجانات مسرحية، منها مهرجان الإمارات لمسرح الطفل، وشاركت في تنظيم فعاليات وورش عمل تهدف لدعم المواهب المحلية. أيضًا، ساهمت في تعزيز التعاون بين الفنانين العرب، مما أثرى تجربتي وأعطاني منظورًا مختلفًا للمسرح.
-برأيك، ما الدور الذي يجب أن يلعبه الفن في معالجة قضايا المجتمع؟
- الفن هو مرآة للمجتمع، ودوره لا يقتصر على الترفيه، بل يمتد ليشمل التوعية والتغيير. المسرح خصوصًا لديه القدرة على تناول قضايا حساسة بأسلوب يصل إلى الناس ويؤثر فيهم.
شخصيًا، أؤمن بأن المسرح يجب أن يكون منصة لتسليط الضوء على معاناة الناس وآمالهم، وهذا ما حاولت تحقيقه في أعمالي.
-هل هناك شخصية أثرت في مسيرتك الفنية؟
- بالتأكيد، الشاعر عادل الشرقي كان له دور كبير في بداياتي، إذ شجعني على كتابة النصوص الدرامية، وكانت تجربته في إجازة نصوصي من خلال دائرة الثقافة الجماهيرية بمثابة الدافع الأول لي للاستمرار في هذا المجال. كذلك، الفنان حقي الشبلي كان مصدر إلهام لي بتشجيعه وتقديره لموهبتي.
- ما طموحاتك المستقبلية للطفل ؟
-أطمح لإعادة إحياء مسرح الطفل في العراق، فهو ركيزة أساسية لبناء أجيال واعية ومثقفة. كما أعمل على تأسيس مهرجان مسرحي دائم في البصرة يكون منصة للفنانين الشباب. حلمي أن أرى المسرح العراقي يعود إلى أوج تألقه، وأن أساهم في تحقيق ذلك.
-بماذا تود أن تختم هذا الحوار؟
- أشكر جمهور الفن العراقي والعربي الذين كانوا مصدر دعمي وإلهامي طوال مسيرتي. أعدهم بالاستمرار في تقديم أعمال تضيف شيئًا مميزًا للمسرح والفن.
وأتمنى أن يجد الفن في العراق الاهتمام الذي يستحقه لأنه أحد أعمدة الثقافة والهوية.. أشكر كل مَن دعمني على مر السنين.
-وهل لديك طموح آخر تسعى لتحقيقه ؟
-أطمح إلى تقديم المزيد من الأعمال التي تخدم الفن والمجتمع، وأشكر الجمهور الذي ظل يدعمني طوال مسيرتي. أتمنى أن أكون قد قدمت شيئًا يلامس أرواحهم، وأعدهم بمواصلة العمل على مشاريع جديدة تساهم في إثراء الفن العراقي والعربي.
- ما اللحظات التي تعدها نقاط تحول في مسيرتك الفنية؟
-هناك العديد من المحطات المهمة، لكن أبرزها كان تكريمي من الفنان الراحل حقي الشبلي عند تخرجي الأول على دفعتي في كلية الفنون الجميلة عام 1979. أيضًا، مشاركتي في مسرحية «مقامات أبي الورد» التي نقلتني إلى مهرجان قرطاج الدولي،.
كانت نقلة نوعية في تجربتي، إذ فتحت لي الباب للتعرف على جمهور وثقافات جديدة، ولا أنسى تجربتي في الإمارات، حيث أسست مهرجانات وورشًا مسرحية أعتبرها مساهمة كبيرة للمسرح العربي.