السفينة..المجتمع الانساني.. فيها ركاب كثيرون تشق امواج البحر الغامرة رغم اختلاف التوجهات وعندئذ مصير الكل واحد فلا يوصلهم الى مقصدهم إلا المشاركة في هذا المضمار ..فلو اخذ واحد منهم بثقب السفينة بجهالة او متعمد فيؤخذ بشدة ويعنف ..ولا يترك بحاله واسترساله وايضا لا تسمع حجته بأنه يثقب مواقع اقدامه دون مواقع الاخرين وايضا هذا التشبيه استله العلماء عن الرسول (ص) في حديثه لذا .. الكرامة والعزة لم تكتب لأمة وهي مختلفة متفرقة متناحرة يرصد بعضهم لبعض ..يتصاولان تصاول الفحلين. يتخالسان انفسهما..ايهما يسقي صاحبه كأس المنون ..لم يكتب لها النجاح والعزة .لكن اذا اخذ الصبر الاجتماعي الستراتيجي منحاه ورضا الله والمخلوقين شعارها- فعندئذ إذ ينصر الله من ينصره بعد ان يرى منهم سبحانه .. صدقا وعدلا ومروءة ..اذا النصر والعزة والكرامة معقودة بناصيتهم لو تناصروا ويشدوا بعضهم بعض ولا يخذله ويلمزه ..ويل لكل همزة لمزة ...هذا الشخص الغياب والعياب هو الذي يريد خرق السفينة من تحت قدميه متحججا بمقولة الحرية الشخصية والديمقراطية - وكل يعمل على شاكلته وهواه ..نعم المجتمع الانساني يحتاج الى قوانين كلية في حقوله المختلفه ومنها الاحوال الشخصية التي تفسر بحقوق الزوج والزوجة وعلاقتهما مع بعضهما ومع اولادهما ..نظير ما تشهده اليوم ساحتنا البرلمانية العراقية ..ومع ان القرآن الكريم يهتم ببيان احكام كلية ولكن في الوقت نفسن يضع احكاما جزئية فيما يرجع الى المجتمع الصغير ..الاسرة..كما يراها الاسلام هي اللبنة الاولى في بناء المجتمع الاسلامي وقد اولاها القرآن المجيد اهتماما بالغا باعتبارها حصن سليم للفرد والمجتمع فهو المدرسة التي يتربى فيها الاجيال فهو يعالج القضايا المتصلة بها ليرسم المنهج المتكامل لمسرة النكاح والمعاشرة والتربية.
ان مطالعة كل صفحة من صفحات الكتاب الكوني العظيم تقودنا الى وجود نظام موحد متجانس اجتماعي او فردي وكان اوراق الكتاب الكوني الخلقي على غرار الكتاب التدوين وكأنه هو شد بعضه الى بعض بيد واحدة واخرجت للناس في صورة موحدة منتمة لذا القوانين والسنن الحاكمة على المجتمع الكبير والصغير الاسري هذه القوانين والنظم كلية وشاملة إلا له الخلق اشارة الى التوحيد في الخالقية وله الامر الى التوحيد في التدبير الكوني( المجتمع والفرد) الذي هو نوع من الحاكمية بدونه يبقى المجتمع فوضويا من غير ادارة قانونية وشخصية تمثل السماء في الارض، ولذا فإن وحدة النظام وانسجامه بعضه مع البعض الاخر في تناسق لاتتحق إلا إذا كان الكون يخضع لحاكمية واحدة ومدبر واحد يعلم مصلحة المجتمع والفرد ولو اختلفا لعمت الفوضى في التدبير والادارة مما يدل على ان الانسجام والتدبير العالمي كاشف عن الوحدة في التدبير والادارة والانسجام العضوي بين فقرات واجزاء الكون (عالم الامكان) لذا من عرف نفسه فقد عرف ربه المدبر والحاكم لذا اهتم الاسلام بسن قوانين كلية وقوانين جزئية الاولى تهتم بعالم الامكان والنظم والثاني يهتم بالمسائل الفردية الشخصية ولم يهمل المدبر الاثنين لان الاول هو الكثرة الكاثرة من الثاني الفرد يشكل الركيزة الاساسية للمجتمع.
وتجلى ذلك في سورتي البقرة وسورة النساء والطلاق .. وتعرض سبحانه في سورة الطلاق الى الطلاق وما يعقبه من الاحكام الجزئية العدة والارضاع والانفاق والاسكان، وفي الوقت نفسه لم يغفل عن النهي عن الاضرار بالمطلقات والتضييق عليهن وامر بأشهاد عند التطليق دون الزواج ..كما امر بالتشاور بين الوالدين في شأن اولادهما ..
ان عناية القرآن الكريم بالبيت واهله ..المجتمع الصغير ..افضل دليل على عناية الاسلام بأحكام البناء الداخلي وحمايته من الانهيار ومع ذلك شرع الطلاق ايضا عندما يصبح الاستمرار بالحياة الزوجيى مقرونا بالمشاكل والصعاب والطريق مسدود للمصالحة والوئام ، وبما ان الزواج حالة فطرية عند جميع المخلوقات لكن دعا الاسلام الى الزواج دعوة مؤكدة لانه حاجة فطرية لا تقل عن سائر حوائجه حتى قال رسول الله (ص): ما بني بناء في الاسلام احب الى الله عز وجل من التزويج ..الوسائل 14 ..
وقال ايضا: من تزوج فقد احرز نصف دينه...وفي الوقت نفسه شرع الطلاق واحكامه ووصفه بأنه حلال مبغوض .. قال رسول الله (ص): ما من شيئ ابغض الى الله عز وجل من بيت يخرب في الاسلام بالفرقه ..الطلاق .. الوسائل 15.. وقال الامام الصادق (ع): ان الله يحب البيت الذي فيه العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق .. وعن النبي (ص): ابغض الحلال الى الله تعالى الطلاق .. وما هذا الا لان النكاح ضرورة فطريةفي حياة الانسان. أما الطلاق والفراق فقد شرع فيما اذا فقد الانسجام بين الزوجين وتعذر التفاهم وتاججت الخلافات بينهما الى درجة انقطع معها الامل باطفائها او كانت هناك ظروف قاهرة تقتضي مفارقتهما وعند ذلك تكون الحياة لهما مزعجة مره ..فالاصرار على بقاء البناء في مثل هذا الحال امر لا يجدي نفعا ..ومع ذلك سماه رسول الله حلالا مبغوضا لان فيه تخريب البيت وتفريقا ... وذهبت الكنيسة الكاثوليكية على منع الطلاق في عامة الحالات .ممنوعا كليا.وليس هذا امرا مرغوبا عقلا ولا شرعا .لذلك نرى ان اكثر اتباع هذه الفرقة يطلقون زوجاتهم ولا يطيعون الكنيسة وهذا يؤيد ما ذهبنا اليه ان التشريع الفردي والاجتماعي يجب ان يكون موافقا للفطرة، فتحريم الطلاق كليا على الاطلاق كماهو عند الكنيسة لا يوافق مقتضى الفطرة.
إذا الكنيسة تحرم الطلاق البتة وبالرغم من انه في شريعة الاسلام نفسه ابغض الحلال الى الله قال (ص): تزوجوا ولاتطلقوا الطلاق يهتز منه العرش ..لكن نرى الاسلام دعا الى النكاح واجاز الطلاق في ظروف خاصه لكي يبقى بناء البيت على حاله كما اراده الله ..بيت الزوجية يشرعه لان الروابط الزوجية في نظر الاسلام وضعت لأهداف فردية واسرية واجتماعية وحضارية، فإذا اصبحت لاتؤدي الاغراض او اضرت بها فإن لاخيار له سوى الفراق والطلاق وحيث ان الطلاق عملية هدم لكيان الاسرة فقد اسس سبحانه الوقاية منه وفي هذا السياق تنتظم الكثير من القيود التي وضعت ليصبح الطلاق مشروعا كوجوب العدة وبقاء الزوجة في بيت الزوج اي لايخرجها ولاهي تخرج منه وحضور شاهدي عدل حين الطلاق وماالى ذلك، اذن ولعله نستطبع أن نجمل اسباب الطلاق والفراق بما هو آت:-
اولا: سوء الخلق، وثانيا اتباع الهوى وعدم غض البصر، وثالثا اغفال احدهما عن الاخر اللامبالات واما طرق حلها :-
يتجلى بـولا المحكمة الاسرية اختيار حكماء واصحاب وجاهة من كلا العائلتين، ثانيا حضور شاهدين عادلين وهو واجب لإتمام الطلاق بدونهما يبطل الطلاق نظير طهارة المرأة عند الطلق، ثالثا تشريع وحساب فترة العدة واحصوا العدة وبقاءها في بيتها لحكمة.
وبقليل من التأمل نستطيع ان نستنتج شيئا من حكمة هذا الامر منها فرصة العودة الى الحياة الزوجية وعودتها لاتحتاج الى عقد جديد مادام رجوعها له اثناء العدة، ولذا يجب مراعاة الوقت المحدد للاحكام الالهية بدقة أي زمان بدءا من العدة اجلهن الطلاق ليس مسألة شخصية يتصرف الرجل كيف يشاء كما يظن البعض انما هو قضية اجتماعية، لذا سبحانه يضع حدودا يحذر من تجاوزها، ولايقع الطلاق الشرعي إلا ضمنها..وبذلك سبحانه ذكر في الاية الاولى من سورة الطلاق عدة احكام.