رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الهبة الديمغرافية في العراق: بوابة للنهضة أم طريق محفوف بالتحديات؟


المشاهدات 1351
تاريخ الإضافة 2024/11/26 - 11:35 PM
آخر تحديث 2024/12/08 - 5:34 AM

في لحظة تُعيد كتابة خريطة المجتمع العراقي، أعلن رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، نتائج التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2024، وهي الخطوة التي طال انتظارها منذ أكثر من ثلاثة عقود. كشف التعداد أن عدد سكان العراق بلغ 45,407,895 نسمة، ليشمل المواطنين، الأجانب، واللاجئين. لكن خلف هذه الأرقام الجافة تختبئ إشارات ذات دلالات عميقة على الحاضر والمستقبل.
الهبة الديمغرافية: نعمة أم مسؤولية؟
تُظهر البيانات أن العراق دخل ما يُعرف بـ”الهبة الديمغرافية”، وهي المرحلة التي تصبح فيها نسبة السكان في سن العمل (15-64 عامًا) هي الأعلى، إذ بلغت 60.2%. هذا يعني أن العراق يقف على أعتاب فرصة تنموية هائلة، حيث أن المجتمع يمتلك قوة عاملة ضخمة قادرة على دفع عجلة الاقتصاد. ولكن هنا يبرز السؤال الكبير: هل يمكن استثمار هذه الفرصة؟. في بلدان أخرى، قادت الهبة الديمغرافية إلى نهضات اقتصادية كبرى، كما حدث في دول شرق آسيا. لكن في العراق، حيث البطالة، وسوء التخطيط، وعدم استقرار البنية التحتية لا تزال تحديات قائمة، قد تصبح هذه النعمة عبئًا إذا لم تُدار بحكمة.
حكايات الأرقام: منازل ونساء وأسر
•حجم الأسرة العراقية: بلغ متوسط حجم الأسرة 5.3 فردًا، وهو رقم يعكس نمط الحياة العائلي التقليدي.
•الأسر التي ترأسها نساء: نسبة هذه الأسر بلغت 11.33%، وهي إشارة ربما إلى تأثير التحولات الاجتماعية والاقتصادية، أو تداعيات الصراعات التي أفرزت آلاف الأرامل والمطلقات.
وعلى صعيد المساكن، أظهرت الإحصاءات أن 92.1% من العراقيين يعيشون في دور سكنية، بينما يشكل سكان الشقق نسبة ضئيلة لا تتجاوز 6.6%. هذه النسب تسلط الضوء على النمط العمراني السائد، ولكنها في الوقت نفسه تشير إلى ضرورة تطوير خيارات سكنية متنوعة لمواكبة التغيرات.
المدن والريف: صراع المكان والزمان
أكد التعداد أن 70.3% من السكان يعيشون في المناطق الحضرية، بينما يقطن 29.7% في الريف. هذه الفجوة بين المدن والريف ليست مجرد أرقام، بل هي مرآة تعكس الفوارق في فرص التعليم، والصحة، والعمل. المدن العراقية الكبرى تواجه اكتظاظًا سكانيًا وضغطًا على الخدمات، بينما يعاني الريف من التهميش. السؤال هنا: هل تُخطط الحكومة لسد هذه الفجوة؟ أم سيبقى الريف العراقي “زمنًا مؤجلًا”؟
ماذا بعد الأرقام؟
الأرقام الصماء تحتاج إلى من يُعطيها حياة. فالتعداد السكاني ليس مجرد إجراء إحصائي، بل هو بوابة لفهم أعماق المجتمع. نتائج التعداد تضع العراق أمام خيارات مصيرية:
•هل ستُستثمر الهبة الديمغرافية في مشروعات تنموية تُحدث نقلة نوعية؟
•كيف يمكن تحسين نوعية الحياة في الريف وتقليص الفجوة مع المدن؟
•ما هي الاستراتيجيات المطلوبة لضمان التوزيع العادل للموارد والخدمات؟
لماذا نحتاج فلسفة خلف الأرقام؟
كما قال أنيس منصور: “الإنسان لا يُقاس بعمره، بل بما تركه خلفه من أثر”. يمكننا أن نُسقط هذا القول على العراق اليوم؛ فالسؤال ليس عن عدد السكان فقط، بل عن كيفية تحويل هذه الملايين إلى طاقات منتجة ومجتمع نابض بالحياة.
إن هذه النتائج ليست مجرد خبر يُقرأ وينتهي، بل هي دعوة للتفكير والتخطيط. كيف يمكن أن تكون هذه الأرقام نقطة انطلاق نحو عراق أفضل؟ وكيف يمكن أن تُترجم إلى قصص نجاح تُروى للأجيال القادمة؟ هنا يكمن التحدي الأكبر.
خاتمة: الحلم العراقي
التعداد السكاني لعام 2024 قد يبدو كرقم آخر يُضاف إلى تقارير الحكومة، لكنه في الحقيقة مرآة تُظهر لنا واقعنا وتضعنا أمام أسئلة كبرى. العراق اليوم يمتلك “هبة” فريدة، لكنها ككل الهبات تحتاج إلى عقل واعٍ يُديرها، ويد حكيمة تُوجهها. فهل ينجح العراق في تحويل هذا الواقع إلى مستقبل يليق بأحلامه؟
 


تابعنا على
تصميم وتطوير