تواجه زعيمةُ حزب اليمين المتطرف الفرنسي “مارين لوبان” سلسلة من الملاحقات القضائية، وتوجّه إليها النيابة العامة الفرنسية مع حزبها تهم اختلاس وتحويل وجهة أموال مخصّصة لنشاط البرلمان الأوروبي. وطالب الادعاء الفرنسي الأربعاء الماضي بسجن لوبان خمس سنوات، فضلا عن منعها الفوري من تولّي أيّ منصب رسمي لمدّة خمس سنوات، وهو ما سيؤثّر على حقّها في انتخابات الاستحقاق الرئاسي لسنة 2027 . ويثير طلب المنع هذا جدلا كبيرا في فرنسا لجهة أنّه يضرب في العمق ركنا أساسيا من أركان المنظومة الديمقراطية الفرنسية، وهو مبدأ فصل السلطات، وهو إلى ذلك يقوّض أحد عناصر المحاكمة العادلة التي هي حقّ دستوري مضمون . والفصل بين السلطات هو مبدأ أساسي في الأنظمة الديمقراطية صاغه وبشّر به المفكر والكاتب والحقوقي الفرنسي شال لويس مونتسكيو، وبحسبه يتم تقسيم صلاحيات النظام إلى سلطات منفصلة، توازن وتقيد بعضها البعض، وبحسب هذا المبدأ فإن سلطة الدولة تنقسم إلى فروع منفصلة هي، السلطة التشريعية، والسلطتان التنفيذية والقضائية، ومبدأ فصل السلطات مبدأ سياسي هدفه منع تركيز السلطات في هيئة واحدة أو شخص واحد، وذلك لمنع الاستبداد، والحفاظ على الحقوق والحريات . ويقدّر الملاحظون والسياسيون بمختلف مشاربهم الفكرية أنه ليس من حقّ السلطة القضائية أن تحدّ من إمكانية الاختيار لدى المواطن الفرنسي لأنّها بذلك تخرج عن إطار صلاحياتها المقرّرة والمقبولة، وتتدخّل بشكل سافر في الحياة السياسية، إضافة إلى أنّ المطالبة بالمنع الفوري لتولّي مناصب رسمية وغير القابل لأيّ طعن يضرب في العمق مبدأ قرينة البراءة بحُكْمِ عدم استكمال درجات التقاضي، وهو منع يستحيل تدارك نتائجه في حال ثبوت البراءة . ويرجع هذا الانحراف بالمسار القضائي إلى كون هذه المنظومة القضائية أصبحت مع مرّ السنوات مسيّسة ولم تعد تقتصر على فصل النزاعات وفقا لقواعد القانون وفي إطار محاكمات عادلة مكتملة العناصر والأركان . ومعلوم أنّ القضاء الفرنسي والقضاء عموماً كثيرا ما واجه تهم التدخّل في الشأن السياسي والتأثير فيه، وهو ما أثّر بجدّ على الحياة السياسية في فرنسا، ومثال ذلك منع فرانسوا فيون سنة 2017 من الترشح للاستحقاق الانتخابي الرئاسي بما فتح المجال أمام ايمانويل ماكرون للفوز بالانتخابات، وبرّر الحديث عن “جمهورية القضاة “ .