رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
«الأرض المطوية»...رثائية شاعرية عن الحب والخسارة والبدايات الجديدة


المشاهدات 1172
تاريخ الإضافة 2024/11/16 - 8:48 PM
آخر تحديث 2024/11/21 - 11:42 AM

استوحت الروائية الهندية أنورادا روي روايتها “الأرض المطوية” من صورة فوتوغرافية لبحيرة روبكوند حيث تم اكتشاف 500 هيكل عظمي في عام 1942، ومن هذه الصورة المزعجة ابتكرت رواية مقلقة للغاية ولكنها جميلة.
تبحر الرواية بين شفرات تلال الهيمالايا كاشفة عن فرادة الطبيعة والثقافة وأولئك الذين يعيشون بين جنباتها، لتقدم رثائية شاعرية عن الحب والخسارة والذكريات والبدايات الجديدة، فضلاً عن قراءة عميقة للتوتر بين الحياة الحضرية والريفية، وكذلك بين العصر الاستعماري والحداثة، في الهند المعاصرة.
رواية المكان
 في الرواية يمتزج الواقعي بالخيالي، والسياسي بالاجتماعي، والذاكرة الفردية بالجماعية، والعنف السياسي باللاعنف بصورة بانورامية 
الرواية التي ترجمها الأكاديمي محمد درويش وقدم لها بقراءة لرؤى أنورادا وأفكارها فيما يشبه الحوار معها وصدرت عن دار الآداب، تروي قصة مؤثرة للغاية عن “مايا” وهي امرأة شابة تبني حياة جديدة لنفسها وسط سفوح التلال على الجانب الهندي من جبال الهيمالايا في قرية رانيخيت الصغيرة، وذلك في محاولة يائسة لترك مأساة وفاة زوجها المصور المتجول مايكل خلفها، وكذلك عائلتها التي انفصلت عنها بسبب زواجها من شخص من خارج ديانتها “مايا هندوسية بينما مايكل مسيحي”، تنتقل إلى قرية رانيخيت، بالقرب من القمم الغربية من جبال الهيمالايا، على أمل النسيان والمضي قدما بأسلوب حياة مختلف تماما وشخصيات جديدة.
“رانيخيت” قرية عسكرية يستيقظ سكانها في الصباح على أصوات الأبواق ويمرون على الجنرالات وهم يمشون بكلابهم أثناء قيامهم بمهامهم. ويسير المزارعون الصغار مع ماشيتهم القليلة عبر الغابات الكثيفة والوديان الضيقة إلى مناطق متفرقة للرعي. وبالإضافة إلى المحال الصغيرة التي توفر الضروريات، وهناك مدرسة للبعثة المسيحية وعدد قليل من العقارات الكبيرة.
تتخلى مايا عن نفسها لإيقاعات القرية الصغيرة، حيث يتعايش الناس بسلام مع الطبيعة. لكن كل شيء ليس كما يبدو، وسرعان ما تعلم أنه لا يوجد ملجأ بعيد بما يكفي عما يجري في العالم. عندما يهدد الساسة المتعطشون للمال والسلطة المجتمع الجبلي المسالم، تجد مايا نفسها محاصرة بين الحياة التي تركتها وراءها والحياة الجديدة التي عقدت العزم على حمايتها.
ورغم عدم تأهيلها، تعمل مايا معلمة في المدرسة المسيحية بالقرية، هذه المدرسة تدير مصنعا للمربى يعمل به الطلاب، توفر مبيعات المصنع التمويل اللازم للمدرسة، وقد طُلب من مايا المساعدة في إدارة المشروع. ونظرا إلى أن أسرتها المنفصلة عنها تمتلك مشروعا ناجحا لإنتاج الصلصات، فقد كان من المتوقع أن تتمتع مايا ببعض الخبرة المفيدة.
وسط رومانسية الريف الجبلي والتلال المتدحرجة، وجاذبية الغابات الكثيفة، والوديان العميقة الضيقة، والثلوج والمياه والمسارات التي تمر عبرها، تلوح آفاق التغيير بسبب تنامي التدخلات السياسية ورأس المال عبر الانتخابات المحلية وتولي إدارة جديدة للمدينة التي تتبعها القرية، هذه الإدارة لديها مخطط لا يتعاطف مع الأعراف والتقليد ويتحمس للتقدم الاقتصادي، ولكن احتقار أساليب الحياة التقليدية واستغلال احتياجات أهل القرية ودوافع المخطط الغامضة الذي يطال المدرسة أيضا، يحمل مايا على المواجهة.
الرواية تبحر بين شفرات تلال الهيمالايا الساحرة كاشفة عن فرادة الطبيعة والثقافة وأولئك الذين يعيشون بين جنباتها
ويلفت درويش إلى أن في رواية “الأرض المطوية”، يمتزج الواقعي بالخيالي، والسياسي بالاجتماعي، والذاكرة الفردية بالجماعية، والعنف السياسي باللاعنف، في صورة بانورامية تعيد الاعتبار للمكان، وأي مكان؟ إنه القرية التي أخذت تتوارى وتضمحل من كتابات الأدباء المعاصرين الذين باتوا يعالجون موضوعات هي أصلا من سمات كبرى المدن، لاسيما المدن الأوروبية والأميركية، وما فيها من مؤثرات في ميدان الأعمال والسياسة والمجتمع والاقتصاد والصحافة وغيرها.
لقد آثرت أنورادا روي الكتابة عن بلدة صغيرة منعزلة عن العالم كله وليس عن الهند وحدها، كونها تقع على بلدة سفح من سفوح الهيمالايا، تنظر إلى العلاقات التي تشد أواصر سكانها وأهلها وتفرقهم في الوقت نفسه بعين خبير ماهر، وهي التي تقطن وزوجها في تلك البلدة، ونقصد بها بلدة رانيخيت، التي جعلتها المهاد الذي تدور فيه أحداث الرواية التي قدحت زناد فكرها، كما تقول، صورة فوتوغرافية لبحيرة رويكوند الواقعة في منطقة جبال الهيمالايا وعلى ارتفاع يزيد ستة عشر ألف قدم، حيث اكتشفت فيها العام 1942 هياكل عظمية تربو على 500 هيكل عظمي، ولا يزال بعضها موجودا حتى اليوم، ما جعل الناس يطلقون عليها اسم بحيرة الهياكل العظمية، ويقال إن زمنها يعود إلى القرن السادس الميلادي.
ويضيف أن من الغريب في أمر هذه الهياكل هو أن سبب موت هذا العدد الكبير من الناس في تلك المنطقة غير المأهولة بالسكان بل سبب ذهابهم إلى ذلك الموقع، لا يزال مجهولا وإن ظل يدور في باب التكهنات. وتشير الكاتبة إلى أن عددا من أصدقائها شد الرحال إلى تلك البقعة النائية، وبعضهم أفلح في الوصول إليها، في حين أخفق البعض الآخر في الوصول إلى النقطة الأخيرة، ولكنها منذ اللحظة التي رأت فيها صور الهياكل العظمية أدركت أن البحيرة ستظل تطرق مخيلتها إلى أن وجدت طريقها في هذه الرواية.
الروائي الناجح
 الروائية الهندية أنورادا روي استوحت روايتها “الأرض المطوية” من صورة فوتوغرافية لبحيرة روبكوند 
يقول درويش في مقدمته للرواية “الخيال الجامح والمهارات اللغوية العالية والإرادة في خلق الوهم الذاتي هي في كل الأحوال العناصر الأساسية الثلاثة، التي ترى أنورادا روي أن الروائي المعاصر لابد له من امتلاكها كي يبدأ سباق المسافات الطويلة رفقة غيره من الروائيين. وتؤكد هذه الروائية الهندية، التي لم تكتب قبل رواية ‘الأرض المطوية’ سوى رواية واحدة باللغة الإنجليزية، أصدرتها دار الآداب بترجمتي بعنوان ‘خرائط الحنين المستحيل’، ونشرت في 18 بلدا وترجمت إلى 16 لغة، أن الروائي الناجح في حاجة إلى الصبر والتأني والمثابرة، والأهم من هذا كله الإحساس بالسعادة في العزلة التي يفرضها على نفسه من أجل مواصلة إبداعه الروائي. ربما كان في ذهن أورادا روي الروائي المعروف هاروكي موراكامي الذي يمارس هواية الركض والكتابة، ثم يكتب عن الركض في ‘ما الذي أقوله عندما أتكلم عن الركض’.”
ويضيف “غير أن هذه الأديبة التي تلقت علومها الأولية في مدينة حيدر أباد، وانتقلت على إثر ذلك إلى كلكتا وكيمبردج لمواصلة دراستها، لا تعرف حتى اللحظة السبب الذي دفعها إلى ممارسة كتابة الفن الروائي، وإن كانت تلاحظ أنها مضطرة إلى ذلك اضطرارا لأنها إذا ما توقفت عن الكتابة تجدها، بحسب قولها، منزعجة ومتذمرة وقلقة ومحبطة. كما أن الكتابة وحدها هي التي تجعل كل ما في حياتها يكتسب معنى. غير أن الكاتبة توضح أنها لا تزال غير متأكدة إن كانت تهوى الكتابة حقا، خاصة الكتابة الروائية. بل تتمنى لو كان في وسعها ممارسة أي مهنة أخرى أقل استنزافا لطاقاتها العاطفية والوجدانية والعقلية. غير أن الملاحظ أنها تستمد قدرا هائلا من الرضا في الانهاك الذي يسببه لها مثل هذا النمط الكتابي الإبداعي، وهو إحساس يطغى على بقية مشاعرها بعد الانتهاء من كل جلسة من جلسات التأليف الذي تتقن صنعه، والذي جعل روايتها الأولى ‘خرائط الحنين المستحيل’ واحدة من أهم ستين كتابا عن الهند المعاصرة، ورشحت رواية ‘الأرض المطوية’ لنيل عدد آخر من الجوائز لعل أهمها حتى الوقت الحاضر جائزة مان اشيا ليترري أوارد.”
ويرى درويش أن صنعة الإبداع قادت أنورادا إلى تنويع كتاباتها الأدبية المختلفة، فراحت تنشر المقالات الصحفية ومراجعات الكتب في عدد من الصحف والمجلات والمجلات المعروفة، وفي عام 2000 أسست هي وزوجها روكان أدفاني، بيرمانينت بلاك وهي دار نشر مستقلة ومتخصصة في نشر الكتب عن تاريخ جنوب شرق آسيا عامة والهند وسياستها وتاريخها خاصة. وقد أصدرت الدار منذ تأسيسها في ذلك العام ما يربو على المئتين والخمسين كتابا، وتستقطب كتابا ومفكرين من شتى بقاع العالم ممن تخصصوا في الكتابة والتأليف في ميادين التاريخ والعلوم الاجتماعية والسياسة والثقافة فضلا عن الآداب المترجمة.
يشير المترجم إلى أن هذا التطور الكبير في الصنعة الأدبية، الروائية وغير الروائية، له جذوره العميقة في مراحل أنورادا روي الكتابية المبكرة، المدهش أنها تؤكد أن هذه البدايات ترجع إلى زمن طفولتها الذي بدأت فيه كتابة القصص القصيرة، ويبدأ هذا الزمن تحديدا عند تعلمها حروف الهجاء، وكانت قصصها القصيرة تنحو منحى “كان يا ما كان” وما إن اجتازت مرحلة الطفولة وبدأت مرحلة المراهقة حتى وجدت إحدى الصحف تنشر قصصها القصيرة، انتقلت بعدها انتقالة مؤثرة وكبيرة نحو عالم الصحافة والنشر الواسع الذي لا تزال منهمكة فيه.
◙ التطور الكبير في الصنعة الأدبية، الروائية وغير الروائية، له جذوره العميقة في مراحل أنورادا روي الكتابية المبكرة
وإذا كان العمل في دار النشر قد استغرق وقتا طويلا من السنوات التي أعقبت تأسيسها، فإنها تؤكد اليوم أن ثمة صعوبات هائلة تعترض طريقها في الإبداع الروائي عندما تراجع وتحرر الكتب المطروحة للنشر، وأن مثل هذه العملية تفوق في الكثير من الأحيان صعوبة الكتابة والتأليف، ما جعلها تقتصر في الوقت الراهن على التأليف وتصميم أغلفة الكتب ولقاء الكتاب والمؤلفين الذين يترددون على الدار، في حين يتولى زوجها الآن متابعة عملية النشر والتحرير وبيع الحقوق وشرائها وكل ما يخص الأمور المالية. وهذا ينقل الأديبة إلى عالم الأدب الرحيب لاسيما في الهند وجنوب شرقي آسيا اللغات البنغالية والأوردو (وهي اللغة الرسمية في الباكستان وأجزاء واسعة من الهند) والهندية والتأميلية ولغة الملا يالام (وهي لغة منطقة كيرالا في جنوب غربي الهند).ويقول “تضرب أنورادا روي بعض الأمثلة على نماذج أدبية خضغت أصلا لذائقتها الأدبية، فأصدرت ترجماتها. ومنها شعر التأمل الكلاسي بترجمة أي.كي. رامانوجان، وفي الرواية مؤلفات الأديب البنغالي بيبهوتيبوشان باندوبادوهياي وبخاصة روايته ‘أغنية الطريق’ التي اقتبسها للسينما المخرج ساتيا جيت راي. أما في المسرح، فتذكر روي أنها أصدرت عن دار نشرها مسرحيات مذهلة تثير القلق لكل من فيجاي تيندولكار وجيريش كارناد. أما في ميدان الملاحم، فأصدرت ترجمة جون دي. سمث لملحمة ماهابهاراتا التي ترى أنها تستحق القراءة حتى إذا لم يكن في وسع المرء تحمل الفارق الزمني الذي كتبت فيه. إلا أن رؤية الكاتبة في الأدب والأدباء على وجه العموم تتمثل في أنها لا تفضل أديبا على آخر، وإنما لديها عدد من الأعمال الأدبية المفضلة التي تتغير بدورها ذائقتها لها بتغير الزمان، وتؤكد أنها غالبا ما تمر بحالات نفسية تجعلها تمتعض من أي كتاب تبدأ في قراءته، وإذا ما صادفتها مثل هذه الحالة، فإنها تقنع نفسها بقراءة الروايات البوليسية وقصص الجريمة التي تبعث على متعتها.”
ويوضح أن أنورادا روي إذا كانت ترى أنها تفضل نشر الكتب المترجمة بالدرجة الأساس، فإنها لا تنسى ذكر روايتين قصيرتين، أولاهما للكاتب الروسي أنطون تشيخوف وهي “المبارزة”، والثانية للكاتب الياباني ياسوناري كاواباتا المعروف “صوت الجبل”. وتشيد الروائية بهذين الكتابين مؤكدة أنها تعود إليهما بين حين وآخر عندما تشعر بأنها أصيبت بالجفاف والنضوب.
نقلا عن العرب اللندنية


تابعنا على
تصميم وتطوير