ألقى فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتّحدة الأمريكية بظلاله على الأحداث في العالم ، ولا يكاد يخلو أيّ جدل أو حديث في السياسة في العالم وفي الدول الغربية تحديدا دون التعرّض لتداعيات هذا الفوز على خارطة العلاقات الدولية وعلى مجمل النزاعات والقضايا السياسية والاقتصادية التي يعيش العالم على وقعها .
وإذا كانت المصلحة العليا الأمريكية لبست مع جو بايدن ومع الحزب الديمقراطي عموما عباءة مُثل الحرّية والديمقراطية فإنّها ستكون مع دونالد ترامب عارية دون أيّ تجميل أو مساحيق ، وقد تكون خلفية فكره الشعبوية هي تُملي عليه هذا السلوك الذي يتّسم بطابعه المباشر والحادّ .
وفي حين بدأ الغرب “الديمقراطي الليبرالي” وكذلك الدول المنافسة لأمريكا مثل الصين وروسيا التحضيرات لمجابهة هذه المتغيّرات والسيناريوهات المحتملة إنطلاقا من مصالحها الوطنية والقومية ، بدا أنّ العالم العربي إنتظاري النزعة ، وربّما يكون ذلك إستعدادا للقبول بسيناريوهات الخضوع لإرادة القادم الجديد إلى البيت الأبيض الأمريكي .
ولازال الإعتقاد راسخا لدينا بأنّ المحرار الذي نقيس به مواقف الدول العربية هو القضية الفلسطينية التي ستكون من الملفّات الصعبة التي بتوجّب على دونالد ترامب حسمها وفق أدبيات الموقف الأمريكي الداعم على الدوام لكيان الإحتلال الصهيوني دون قيد أو شرط وذلك خلال المدّة الرئاسية الجديدة .
ورغم اليقين بأنّ جوهر الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية واحد ولا بتغيّر ، فإنّه من الضروري التفريق بين سياسات الديمقراطيين والجمهوريين وتحديدا ترامب في هذا الخصوص ، وذلك كي يتسنّى وضع الخطط والإستراتيجيات الكفيلة بمواجهة التطوّرات الجديدة على الأقلّ من الجانب الفلسطيني من أجل المحافظة على الحقوق الشرعية والتاريخية للشعب الفلسطيني .
وما يمكن الإقرار به أنّ سبيل حلّ القضية الفلسطينية تعطّل بفعل إرادي من الولايات المتّحدة الأمريكية التي سعت وعلى مدى فترات حُكْمِ الديمقراطيين والجمهوريين في بعض الأحيان إلى وضع حلول سياسية مرحلية منقوصة ومغشوشة لإقامة الدولتين بناء على شرعية دولية جزئية رغم جورها في حقّ الفلسطينيين ، وقد حاولت الإدارة الأمريكية على مدى الأحقاب تحويل القضية الفلسطينية إلى مجرّد قضية إنسانية في مسعى مشين لتغييب جوهرها السياسي الذي يؤمّن الحقوق التاريخية والشرعية للشعب الفلسطيني ، وكان من السهل إلتقاط التناقض الصارخ لدى الأمريكيين بين الخطاب والفعل ، وإذا كان الخطاب الأمريكي يقرّ في منطوقه بضرورة القبول بإعطاء أفق سياسي للفلسطينيين من أجل المحافظة على “أمل” قيام الدولة الفلسطينية ، فإنّ الفعل الأمريكي غضّ الطرف عن سلوك دولة الإحتلال فرض أمر واقع ميداني جديد وسعى ويسعى في المقابل إلى حصر القضية الفلسطينية في زاوية المسائل الإنسانية .
ونرى مع مجمل الملاحظين أنّ القضية الفلسطينية ستأخذ مع دونالد ترامب بعدها السياسي المفقود ولكن كلّ الدلائل تشير للأسف أنّ ذلك لن يكون في صالح الفلسطينيين نظرا لما قام به ترامب من أفعال خلال فترة حكمه الأولى ، حيث دعّم بقوّة دولة الإحتلال وحاول جاهدا “ تنقية” محيطها الإقليمي من أيّ عداوة محتملة معها وذلك من خلال عمليات تطبيع مع كيان الاحتلال مفروضة على الجميع .
إنّ المخاوف من تصفية نهائية للقضية الفلسطينية أضحت مع قدوم ترامب إلى البيت الأبيض جدّية وواردة ما يستوجب التهيؤ لها بالحزم الكافي وذلك من الفلسطينيين أوّلا وكذلك من المحيط الإقليمي الذي سيكون خاسرا على المدى المتوسّط والبعيد لو نجحت سيناريوهات تصفية القضية الفلسطينية.