رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
مفكران وسبعة وزراء في أصيلة


المشاهدات 1618
تاريخ الإضافة 2024/11/06 - 9:20 PM
آخر تحديث 2024/11/21 - 12:41 PM

ناقش سبعة وزراء مع اثنين من المفكرين والأكاديميين موضوع «الديمقراطية والكونية الإنسانية» في مدينة أصيلة، وذلك في مكتبة الأمير بندر بن سلطان.
وكان محمد بن عيسى وزير الخارجية ووزير الثقافة الأسبق ومدير بلدية أصيلة، قد افتتح اللقاء بالترحيب بالضيوف ولفت الأنظار إلى الأسئلة الكبيرة التي أخذت تواجه الغرب إزاء ما يحصل في الشرق الأوسط من أعمال إبادة وتقتيل منذ أكثر من عام، حيث شهدت غزّة بعد 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023 هجوما غير مسبوق شمل البشر والحجر والشجر.
واختتم أمين عام مؤسسة أصيلة تقديمه وسط حضور رسمي وشعبي، لاسيّما وجود أكاديميين ومثقفين عرب ومغاربة وأجانب، وأحال بن عيسى الكلمة إلى وزير العدل ووزير حقوق الإنسان الأسبق محمد أوجار، الذي أدار الجلسة وقدّم المتحدثين تباعا، فبدأ بوزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، ثم أعقبه وزير الخارجية المصري الأسبق وأمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، وتلاه وزير التعليم الأسبق في تشيلي (سانتياغو) سيرجي بيتار. وحسبما يقول د. شعبان كنت قد سألته متى استوزر؟ فقال له في حكومة المغدور سيلفادور أليندي، واعتقل إثر الانقلاب الشهير في 11 أيلول / سبتمبر العام 1973 الذي نظمته وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وراح ضحيته نحو 3 آلاف إنسان، إضافة إلى 38 ألف تعرضوا للتعذيب، وكان شعبان قد زار تشيلي ودرس تجربة العدالة الانتقالية فيها، وسأله عن كورفلان الشخصية الشيوعية التي جرى التضامن معها باعتبارها رمزا للمعتقلين، فأجابه أنه كان معه في السجن.
وتبادل شعبان وسيرجيو بيتار الحديث عن الشاعر الكبير بابلو نيرودا ومذكراته «أشهد أنني قد عشت»، وكان شعبان قد زار منزله في سانتياغو والذي تحوّل إلى متحف، كما زار منزله على البحر الذي يبعد عن سانتياغو نحو 100 كيلومتر، وروى ذلك في مقالته «الحديقة السوداء في محطات شوكت خزندار الشيوعية» (القدس العربي 26 أبريل / نيسان 2007). وكان بيتار قد استفسر من د. شعبان حول موقفه من القضية الكردية التي أوضحها له بشرح مبسّط بأنها تستند إلى فكرة حق تقرير المصير، التي يؤمن بها.
ثم دعا أوجار، نبيل فهمي وزير خارجية مصر سابقا وعميد كلية العلاقات العامة في الجامعة الأميركية بالقاهرة ليدلي بدلوه.
وتولّى المنصّة ميغيل أنخيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا والممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة. وتبعته سميرة ابراهيم بن رجب وزيرة الإعلام في مملكة البحرين سابقا، والمبعوثة الخاصة للديوان الملكي البحريني.
أما المفكران فهما د. عبد الحسين شعبان و د. عبد الخالق عبد الله (أستاذ العلوم السياسية – دولة الإمارات العربية المتحدة في أبوظبي)، وكان عبد الله قد سأل الوزير محمد بن عيسى كيف نشأت فكرة أصيلة، وما هي مستلزمات نجاحها؟ فأجاب الوزير أنها فكرة ممكنة التطبيق وتوفرت لها ظروف مناسبة وإدارة سليمة وتعاون عربي، خصوصا وهو يقتفي أمثلته من تجارب ناجحة في العالم، فلم ينظم هذا المهرجان الثقافي – المعرفي الفني السنوي منذ 45 عاما في عاصمة أو مدينة كبرى، بل في قرية عدد نفوسها 33 ألف إنسان، وجعل منها بن عيسى محجة للمثقفين العرب، كما جاء في كلمة شعبان، الذي قدّمه أوجار بقوله: أقدّم الصديق الذي تعرفونه، المفكر والكاتب والأكاديمي والمناضل عبد الحسين شعبان. وقد حصلنا على الكلمة التي ألقاها شعبان في الجلسة الإفتتاحية ننشرها بالنص، على أمل أن نحصل على الكلمات الأخرى حتى ننشرها تباعا.
هكذا اجتمع سبعة وزراء ومفكران، وكان الحوار سالكا ولغته راقية، تبادلت فيه الأطراف المختلفة، فالوزراء من تجاربهم العملية وممارساتهم على صعيد الحكومة والديبلوماسية، والأكاديميان أجادا في تشخيص بعض القضايا النظرية التي انفتح الحوار أمامها ليستمر إلى اليوم الثاني في جلستين متميّزتين أيضا.

كلمة د. شعبان
أيتها السيدات أيها السادة، أيها الحفل الكريم، أحييكم في هذه الأمسية الأصيلة من مدينة أصيلة الجميلة بكل المهابة التي أصبحت تتمتع بها، حيث يلتقي على ضفاف بحرها عشرات من المثقفين سنويا في مؤسسة منتدى أصيلة التي انطلقت في العام 1978 من القرن الماضي؛ وأودّ أن أخصّ بالذكر معالي الوزير محمد بن عيسى راعي هذه المؤسسة، وأتمنى له الصحة والصحة والصحة والاستمرار في هذه الفعالية الثقافية المعمرة بامتياز، بل أنها تكاد تكون الوحيدة التي تحظى بمثل هذا الزخم والحيوية.
أشعر مثلما شعر أخي معالي الوزير محمد أوجار بالارتباك، وأزيد عليه، بل والحيرة أيضا، خصوصا ونحن نناقش مثل هذا الموضوع الحساس، الذي قلب عددا من الموازين منذ 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023 وإلى اليوم، وخصوصا بحضور هذه النخبة المتميزة والكوكبة اللامعة من الممارسين السياسيين والباحثين والأكاديميين:
أولها – النكوص الغربي عن القيم الكونية الإنسانية، فما كان يدعو إليه الغرب على مدى عقود من الزمان ويتّهم خصومه، فإذا به يقع أسير تلك النظرة القاصرة الأنانية وغير الإنسانية. يضاف إلى ذلك اختلال مفهوم الشرعية والسلام والعدالة لديه، لاسيّما في المواقف العملية التي اتخذها بعد طوفان الأقصى.
وأودّ أن أشير إلى أن هذا النكوص والتراجع والانقلاب لا يقتصر على القوى اليمينية التقليدية المعروفة ببعض مواقفها العنصرية من الأجانب والمسلمين والعرب بشكل خاص ومن اللاجئين بشكل عام، بل امتدّ إلى اليسار كذلك، فمفكر مثل هابرماز، أحد رواد مدرسة فرانكفورت اليسارية الشهيرة، والذي سبق له أن صدّع رؤوسنا لسنوات طويلة حول قيم الديمقراطية والكونية الإنسانية، وإذا به يقف ضدّ الضحايا ويناصر القسوة والعنف وحرب الإبادة في غزة، تحت مبرر واهي وهو «الدفاع عن النفس».
وثانيها – انكشف الغرب ليس على الصعيد السياسي وحسب، بل على الصعيد الفكري والثقافي أيضًا باتباعه المعايير المزدوجة والانتقائية التي ضربت عرض الحائط منظومة قيمه التي كان يدعو لها في سبيل مصالحه الضيقة على حساب القيم الكونية الإنسانية، خصوصًا وأن الأمر يتعلّق بالدولة العميقة التي يديرها في الولايات المتحدة ترست الأدمغة «مجمّع العقول»، الذي يعكس مصالح المجمّع الحربي والصناعي، بغضّ النظر عن القيم التي كان يضغط فيها الغرب على بلداننا وشعوبنا باسم الديمقراطية، في حين أنه بالتنظير والتطبيق أخذ يروّج لمعايير مشوّهة أساسها الإزدواجية إزاء القضية الواحدة، وهو ما يعرّض صدقيته للاهتزاز، سواء على صعيد شعوبه، حيث كانت الأصوات ترتفع ربما لأول مرّة بهذا الحجم للاحتجاج على ما يجري في غزة ولبنان، أم على الصعيد العالمي.
وثالثها – تجاهل الغرب قيم العدالة وقرارت محكمة العدل الدولية، وهي إحدى أجهزة الأمم المتحدة، وقد أصدرت هذه الأخيرة قرارًا بدمغ إسرائيل بممارسة حرب إبادة في غزة، في حين أن حلفاء إسرائيل الغربيين يغضّون النظر عن ذلك، وكانت زيارتهم لتقديم الدعم إلى إسرائيل قائمة على قدم وساق. ولم يتوقف الغرب في التغول على قرارات محكمة لاهاي للعدل الدولية، بل ذهب أبعد من ذلك حين ازدرى قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير الدفاع غالانت.
ورابعها – أن مصدر حيرتي هو النكوص العربي أيضًا لدرجة الإنكفاء، سواء على المستويات الرسمية أو على المستويات الشعبية، وكأن الأمر لا يعنيها، ولو قارنا ما حصل في عام 1956 وعام 1967 وعام 1973 وما بعدها حين تم غزو لبنان 1982 وحرب إسرائيل ضدها في العام 2006 سنلاحظ الفارق الكبير في ذلك بين هبّة البلدان العربية حكومات وشعوبًا وبين الاستكانة التي يشهدها العالم العربي بجميع تياراته وقواه.
وخامسها – أن الكثير من القوى التقليدية والمحافظة والتي اضطّر البعض منها إلى مجاراة موجة الديمقراطية، انقلب عليها وأخذ يشكك بجدوى حقوق الإنسان، بل ويفسرها تفسيرات ضيقة ومغرضة، بزعم أن الغرب تخلّى عنها فلماذا نتمسّك بها؟ وهكذا وجدت بعض الأصوات التي تدعو علنًا إلى التخلي عن القيم المشتركة، باعتبارها لا تخصنا، فضلًا عن أن ديننا يقف موقفًا معارضًا لها.
وأودّ أن أشير هنا إلى أن قيم الحريّة والمساواة والعدالة والشراكة والمشاركة والسلام والتسامح واللّاعنف هذه جميعها تمثلنا كبشر، بغض النظر تمسّك بها الغرب أم لم يتمسّك، ولا بد من العمل والأمل معًا على ترميم الحياة الدولية بتعاوننا ووقوفنا ضد انتهاكات إسرائيل التي تمارسها جهارًا نهارًا وعلى مرآى ومسمع من العالم.
وهنا أدعو إلى اقتفاء أثر المغرب بتبني فكرة عدالة دولية انتقالية ومطالبة الجهات التي قامت بارتكابات للاعتراف بذلك والاعتذار عنه ودفع تعويضات، وهو ما يتحرك عليه المغرب وسبق أن كتبت عنه وأعني استخدام أسلحة محرمة دوليًا من جانب إسبانيا ضد ثورة الريف التي قادها عبد الكريم الخطابي.
في الختام أقول أن عدم تمسك الغرب بالقيم المشتركة وقيام حليفته إسرائيل بارتكاب جرائم موصوفة ومكتملة الأركان المادية والمعنوية سيلقي بثقله المستقبلي على الغرب نفسه. ولعل ذلك يشعرنا بمسؤولية أكبر، الأمر الذي يستوجب أن نكون أكثر تمسكًا بهذه القيم على صعيد أوطاننا، وهو شعور يجعلنا أشد ارتباطًا بأوطاننا وشعوبنا وتنميتها وتقدمها انطلاقًا من ثقافتها وتاريخها وتطلعًا لمستقبلها، فالواحدية والإطلاقية وادعاء الأفضليات وامتلاك الحقيقة التي كان الغرب يواجهنا بها لم تعد مقبولة، وأن نظامًا عالميًا جديدًا قيد التشكيل يمكن الإفادة من معطياته في توازن قوى جديد على أساس القيم الإنسانية الكونية المشتركة وليس غيرها.
وأنتهز هذه الفرصة لأطرح مشروع جبهة ثقافية واسعة وعريضة ومرنة على صعيد المثقفين، ويمكن أن تنشط على صعيد المجتمع الدولي، ونتذكر أنه في ديربن (جنوب أفريقيا) العام 2001، كيف أدانت 3 آلاف منظمة مدنية، إسرائيل وممارساتها العنصرية، إذْ لا بد للنخب السياسية والفكرية والثقافية أن تنفض الغبار عنها وتتفق على خطوط عريضة تمثّل معايير الحد الأدنى.

نقلا عن «الحوار المتمدن»
 


تابعنا على
تصميم وتطوير