بدأ الفنان اسعد عبد الرزاق التمثيل حينما كان طفلاً، اصطحبه اخاه الأكبر ليشاركه ومجموعة من الهواة في تقديم عمل مسرحي. ولكن في العام 1939 أعلن الفنان الراحل حقي الشبلي عن طلب ممثلين للمسرح العراقي، فرشحه أحد زملائه في المدرسة المتوسطة. وفعلا تقدم للمشاركة وأعطاه الشبلي دور البطولة في مسرحية الصحراء التي قدموها ضمن النشاط المدرسي لوزارة المعارف حينذاك.
وبعد تأسيس معهد الفنون عام 1940 دعاه الفنان الشبلي للدراسة في المعهد، لكنه أبدى له رغبته في إكمال دراسته الثانوية. وفعلا أكمل دراسته والتحق بكلية الحقوق وانضم في ذلك الوقت إلى مجموعة “جبر الخواطر” التي شكلها الفنان الراحل يوسف العاني الذي كان طالباً في كلية الحقوق أيضاً. وقدموا من خلال الفرقة عدداً من الأعمال بعضها كان عبارة عن مقاطع وفصول هزلية.
لكن هاجس التمثيل بقي في داخله فسارع إلى الالتحاق بالدراسة المسائية في معهد الفنون الجميلة. وقد قاطعه أهله بسببها عندئذٍ لأكثر من أسبوعين. وبعد تخرجه من الحقوق، عمل في هذا الحقل لفترة وجيزة ثم عين مدرساً في معهد الفنون لتدريس مادة التمثيل.
أما المحطات الرائعة الجميلة في حياة الفنان المبدع الكبير اسعد عبد الرزاق وهي من أروع الأزمنة، بل من أخصب وأجمل التواريخ، والمحطات التي سجلت بأحرف من نور لتاريخه المجيد الحافل بتلك الخلجات الفنية التي راح يترجمها بألق وروعة على أرضية الواقع، تلك اللحظة الكبيرة والخالدة، هي لحظة تأسيسه لفرقة (14 تموز) وكان معه فوزي مهدي وصادق علي شاهين. وكانت أهم الفرق في بغداد إلى جانب فرقة المسرح الفني الحديث التي أسسها الفنانين ابراهيم جلال ويوسف العاني. مع جملة من الفنانين العراقيين، تلك الفرقة الخالدة التي أنجبت العديد من رموز الفن العراقي بمجمل مناخاته الإبداعية الرائعة.
وقدمت فرقة 14 تموز عدداً كبيراً من العروض وبعضها مازال عالقاً بذاكرة المشاهد، ولعل الذي يبقى خالدا في الذاكرة الجمعية تلك المسرحية الشعبية البغدادية العراقية الأصيلة (الدبخانه) تأليف الفنان المبدع علي حسن البياتي ذلك العمل المسرحي الذي ظل خالدا يحاكي الذاكرة العراقية على مدى أكثر من خمسة عقود وهو يقف شامخا على رأس الأعمال المسرحية العراقية الخالدة التي يحن لها ذلك الإحياء الخفي بالانتماء للوطن أولا ، ولفن المسرح العراقي ثانيا ، ولمتعة الفرجة البغدادية الأصلية ثالثا، رغم أن الوضوح كان قائما بتواضع الإمكانيات التقنية والفنية المسرحية وقتها ، لكنه كان عرضا مسرحيا مدهشا، لأنه يمتلك ذلك الحس الشفيف الذي يربط العرض المسرحي بالاستجابة الحقيقية لفرضية المشاهدة ، لتحقيق منهجية البهجة والفرجة، ولأنه كان من إخراج الفنان المبدع الكبير ( اسعد عبد الرزاق ) الذي أضاف إليها من ملكته الإخراجية السلسة، ذلك الإضفاء الإبهار البغدادي الأصيل، وبأدوات فنية بسيطة، ومما ازدان به ذلك العرض المسرحي الرائع هو ذلك الأداء التمثيلي الرائع السهل وغير الواضح المعالم والأطر ، وكان مجسدو الأدوار الرئيسية فيها الفنان الراحل المبدع وجيه عبد الغني والفنان المبدع الكبير قاسم الملاك اطال الله عمره كانا مبدعين في تجسيد أدوارهما. وكذلك قدمت هذه النخبة اعمالا مسرحية كملت مثل « السبحة وأيدك بالدهن وجزه وخروف وجفجير البلد» وغيرها، والتي كان اسعد عبد الرزاق مخرجا لأغلبها.
كان كذلك يتميز أيضاً بتقديمه «قفشات» تعنى بالسخرية وكانت مؤثرة. انفتح على الأدب الشعبي وبقيت أعماله تعرض لمدة أشهر متواصلة على خشبة كل المسارح، دلالة قدرته على تقديم أعمال مؤثرة وراسخة، في وقت كان أقرانه منشغلين بالتجريب والكلاسيكيات.
ومن الافلام السينمائية التي قدمها نذكر: فيلم الجابي 1968 وهو اول بطولة سينمائية له على الساحة السينمائية والذي اخرجه الراحل جعفر علي، وتوالت اعماله السينمائية بعد ذلك في افلام سنوات العمر للمخرج جعفر علي، وفيلم النهر 1977 للمخرج فيصل الياسري، وفيلم الفارس والجبل للمخرج محمد شكري جميل . اما المسرحيات التي مثلها نذكر منها: خان بطران ومملكة الشحاذين وغيرها توفي الفنان اسعد عبد الرزاق في العام 2013 بعد صراع مرير مع مرض الشيخوخة ليترك لنا ارثا مسرحيا وتلفزيونيا وسينمائيا كبيرا .
إذن هو ايقونة المسرح العراقي الراحل الأستاذ والمربي والمخرج اسعد عبد الرزاق الذي كان وحتى ايامه الاخيرة رغم كبر سنه « توفى في العام 2013 « يتابع الاعمال المسرحية ويحرص على إعطاء من خلال الحضور الجاد للعروض المسرحية التي كانت تقدم على خشبة الوطني واكاديمية الفنون الجميلة، فكان مع الجميع الاخ والصديق ولم يبخل عليهم بكل معلومة ولم يشعرهم انه عميد لأكاديمية الفنون الجميلة، بل ممثلا يستمع لملاحظات المخرج بكل جوارحه ومخرجا ومؤلفا في ذات الوقت، حتى عقد مع طلبة قسم المسرح وأعضاء فرقته صداقات امتدت الى العائلية.
ومن خلال عمله أستاذا قديرا، وعميدا مخلصا متفانيا في أداء عمله في أكاديمية الفنون الجميلة، أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه لطلبته الذين أصبحوا فيما بعد أعمدة كبيرة، وقامات شامخة وأسماء مهمة في عموم مجالات الفن، والمسرح العراقي الفنان والمعلم الكبير اسعد عبد الرزاق تلك القامة الخالدة في الذاكرة الجمعية، والملاذ الدافئ، والحاضنة الحضارية العلمية والمعملية الأكاديمية التي ترعرعت بداخل ثيماتها الناهضة جل الفنانين العراقيين.
لقد عمل الراحل مخرجا ومدربا ومشرفا على المدارس الإعدادية في بغداد، قبل ان يسافر الى روما وتحديدا عام 1955 وبقيّ هناك لمدة أربع سنوات، لدراسة فن المسرح، وعاد في عام 1959 ويبدو أن من المحطات الرئيسية في حياة وتاريخ الفنان الراحل اسعد عبد الرزاق هي تلك التي أصبح فيها رئيسا لفرع التمثيل في معهد الفنون الجميلة.
الفنان أسعد عبد الرزاق ولد في بغداد بمحلة باب السيف في جانب الكرخ العام 1923 وكان والده يعمل علوجي في سوق الخضار.
دخل المدرسة الابتدائية في منطقته وكان من زملائه كل من الفنانين والسياسيين الراحلين خليل الرفاعي وإبراهيم الهنداوي ومنذر الشاوي (وزير العدل الأسبق) وتوفيق السويدي (رئيس وزراء). أكمل دراسته الثانوية في ثانوية الكرخ عام 1937 - 1941 وزامل فيها الفنان القدير يوسف العاني وعبد السلام عارف وإسماعيل حمودي.
درس الحقوق في جامعة بغداد وتخرج منها، درس بعدها التحق بمعهد الفنون الجميلة قسم المسرح– وتخرج في العام 1957. ثم التحق بمعهد (شاتروف) للتمثيل في إيطاليا وتخرج منه عام 1961.
كانت بداياته الاولى عندما اختاره الفنان حقي الشبلي ليقوم بدور (عماد) في مسرحية الصحراء ليوسف وهبي ثم في مسرح التفيض عندما افتتح لأول مرة في مسرحية مجنون ليلى مع حامد الاطرقجي وسلمان الجدة وحقي الشبلي.
شغل الفنان اسعد عبد الرزاق العديد من الوظائف والمناصب الحكومية منها: تدريسي لمادة التمثيل في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد منذ 1961 ولغاية 2013 كما تفرغ في السنوات الأخيرة لتدريس مادة المسرح العربي مركّزاً على (الطريقة) في تدريب الممثل وهي اسم المنهج الخاص بستانسلافسكي ومستفيداً من أستاذه الايطالي (شاروف) الذي كان يقرّب صورة تحليل الدور الى طلابه. فضلا عن تسلم عمادة معهد الفنون الجميلة من 1961 لغاية 1972. عمل استاذا مساعدا في أكاديمية الفنون الجميلة من 1967لغاية 1970 ثم عميدا مساعدا في أكاديمية الفنون الجميلة من 1970ولغاية 1972ثم عميدا لأكاديمية الفنون الجميلة فقرر ان يأخذ المبادرة الحاسمة، إذ قاد (الاكاديمية ) لفترة تربو على العقدين من السنين لتتوسع من قسمي : ( الفنون التشكيلية ، والمسرحية، الى أقسام أخرى ). كانت هناك مساعٍ– أيضاً – في استقطاب كوادر فنية متميزة من كبار المبدعين المصريين أمثال : ( نبيل الألفي ، أحمد عباس صالح ، توفيق صالح ، محمد توفيق ، أحمد ابراهيم ، هاشم النحّاس ، الهامي حسن ، مسعد القاضي ، وكذلك لأساتذة اجانب منهم القبرصي ( الخزاف الاستاذ فالنتينوس ) وكذلك أساتذة من بولونيا , فضلاً عن أساتذة من جامعة بغداد أمثال : ( جميل نصيف، مدني صالح، عناد غزوان، ناجي التكريتي، حسام الآلوسي، ثامر مهدي، مالك المطلبي، عبد الاله أحمد، محمد حسين الاعرجي ، علي عباس علوان، ونوري جعفر، فاتن حمدي، اميمة الشواف، وسواهم من اساتذة من اقسام التربية والفنية ).
كما وضع كتابا للمناهج في أكاديمية الفنون الجميلة في بداية تأسيسها منها كتاب « فن التمثيل» وكتاب «مشاكل العمل المسرحي في المدارس “اشترك معه في التأليف الأساتذة سامي عبد الحميد والدكتور عوني كرومي يخص «.
تعرّف منذ فترة مبكرة على زملائه أمثال: ابراهيم جلال، جاسم العبودي، جعفر السعدي، حيث شاطرهم الطموح في تأسيس حركة مسرحية تنهل من التجربة التربوية العربية والعالمية في بعض دروسها على وفق الظروف الاجتماعية المتحكّمة حينذاك، وطبيعة (القدرات) التي يتوفر عليها ذلك الجيل من مواهب، ومعارف، وتقنيات، واحتكاك مع آفاق ذلك المسرح الوافد، بنظمه واستراتيجياته ومقاريه أهدافه.
دفعه حب الاطلاع الى مشاطرة بعض رفاق صباه للذهاب الى السينما ومشاهدة الافلام المصرية بشكل خاص، مَثّل في تلك المرحلة مسرحية (مجنون ليلى) من اخراج مدرس اللغة العربية المصري (ابراهيم عبد الفتوح) كانت الفكاهة قد استهوته في المسرح.
يقول الرائد الراحل أسعد عن الفترة التي عاصرها منذ الملكية حتى الجمهورية، مستحضراً شخصيات سياسية تشغل القمة في ذلك الزمان، من ملك في بلاطه الى زعيم في قصره الجمهوري، الى رؤساء وزراء ومسؤولين، كلهم كانوا يتبارون في حضور عروض المعهد المسرحية مع غمار الناس، وغالباً ما يعيد على يذكر قصة حضور الزعيم عبد الكريم قاسم لمشاهدة العروض التي كانت تقدم آنذاك في المعهد، وجلّها من اخراج الرائد (حقّي الشبلي ).
ويضيف: لقد كانت فترة الستينات والسبعينات بمثابة الفترة الذهبية للمسرح العراقي بسبب كثرة العروض والفرق ولهفة الجمهور وحرصه على مشاهدة العروض. كما قامت الفرق التي تأسست في تلك الفترة بتقديم أعمال يومية عبر شاشة التلفزيون، حينما كان البث مباشراً. كما أن أغلب الكتاب كانوا يقدمون أعمالهم للفرق المسرحية، لأنهم حينما يقدموها لإدارة التلفزيون كانت تأخذ طريقها إلى سلة المهملات، فيما كان واقع المسرحي العراقي في زمن التسعينيات واقع حرج.. بل هو مأساة داخل مأساة.. هذا المسرح بدأ بداية مقدسة.. كانت فيه ملامح سومرية، واخرى بابلية.. وملامح اخرى كثيرة وواضحة، كان فيه فقهاء، وعلماء وسوق عكاظ، وسوق المربد، وغيرها..
وكان هذا المسرح يكرس التراث في خدمة الحاضر والمستقبل.. المسرح العراقي كان انجازا ثقافيا حضاريا، انصهر في بودقة القيم الجمالية لتاريخنا، ولكن من المؤسف حقا ان بعض المسرحيات وصلت الى حالة من التدهور، يرثى لها.
اخرج اسعد عبد الرزاق مسرحيات شعبية احتذى فيها تقاليد المسرح المصري التي كان يبثها التليفزيون ، ليبتعد عن الأجواء الأكاديمية التي اصر على مواصلتها الاساتذة من زملائه، مكتفياً بالتعامل مع المؤلف علي حسن البياتي الذي اخرج له الاستاذ اسعد معظم نصوصه المسرحية ، لفرقته ( 14 تموز ) ومعه مجموعة من الممثلين : ( وجيه عبد الغني، قاسم صبحي، قاسم الملاك ، مي جمال ، قائد النعماني، فاضل جاسم ، صادق علي شاهين وسواهم).ما زالت الذاكرة المسرحية تحتفظ بعروض الاستاذ اسعد المسرحية مثل : ( الدبخانة ، ايدك بالدهن، جفجير البلد ، جزة وخروف .. وسواها).
أما على الصعيد الأكاديمي فقد اكتفى الراحل بتقديم مسرحية واحدة للأكاديمية بعنوان (هنري الرابع) من تأليف الكاتب الايطالي لويجي بيراندللو( 1867- 1936 )، الذي عاصر الفاشية التي وجدها « تحاكي الارادة « و «الواقع» محاولاً مخاطبة رأس السلطة « موسوليني « ببرقية تضامن بمناسبة اغتيال احد اتباعه المدعو « ماتيوتي» ، هادفاً الى التنظير بأفكار تتوزعها الهلوسات ، وتناهبها الاخيلة الكابوسية بعد ان عانى من مرض زوجته العقلي.
كما تميز ايضاً بانشغاله في البحث عن سمات في المسرح العراقي القديم منذ بدايات الطقوس والملاحم والأساطير في بلاد ما بين النهرين في المرحلة السومرية وسواها حتى العصر العباسي، واكتشاف الفعاليات « شبه- المسرحية» التي تخص: المحاكي ، والسماجة ، والمكدين، والمحظيين، وخيال الظل .. وسواها من مظاهر شبه مسرحية.
توفي الفنان المسرحي العراقي «أسعد عبد الرازق» عن عمر ناهز الـ90 عاما.
ونعت نقابة الفنانين العراقيين الفنان المسرحي الرائد أسعد عبد الرزاق، الذي وافته المنية عن عمر ناهز الـ90 عامًا.
وقال نقيب الفنانين العراقيين حينها صباح المندلاوي، «ننعي رحيل الفنان الرائد والمربي الكبير أسعد عبد الرزاق، الذي أفنى حياته في خدمة الحركة المسرحية العراقية والفنية، وأمضى سنوات طويلة عميدًا لمعهد وكلية الفنون الجميلة».