أن تضطلع الحكومة بالجهود المتتالية والرامية إلى تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص كأولوية من شأنها دفع التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، فهذا مسعى يستحق الدعم والتقدير وكذلك التفكير العملي الجاد في وضع آليات تحقق القدر الأكبر من الفائدة الاقتصادية، وتحقيق الأهداف التنموية الطموحة في مختلف القطاعات، فضلا عن بناء اقتصاد تنافسي واعد وجاذب للاستثمار، وأيضا مساندة المشروعات التنموية ذات التأثير الممتد عبر الأجيال.
في مسار دعم هذه الشراكة المنتجة بين الحكومة والقطاع الخاص، تم وضع إجراءات من شأنها تشجيع المستثمرين والممولين، هذه الإجراءات تشمل قرارات وتعديلات تشريعية، لتنفيذ حزمة من التسهيلات الضريبية، كما استعرضها وزير المالية، أمام لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، على أن تنفذ هذه الإجراءات حتى نهاية العام، ومنها ما يتعلق بشكل مباشر بالمنظومة الضريبية، ووفق اجتماعات مسبقة وحوار مع الجهات ذات الصلة، مثل قطاع الأعمال والمهنيين، واتحاد الصناعات.
فإذا كان هذا التوجه يسعى لترسيخ قاعدة ضريبية واسعة وتتسم بالعدالة والمرونة وتحقق الفائدة لدى طرفي التشارك، وتعمل على تحفيز مجتمع الأعمال والقطاع الخاص وزيادة حجم أعمالهم، فإن المنظومة المزمع إقرارها للتعامل مع الشركات المختلفة، والتي تتضمن عددًا كبيرًا من الإعفاءات، مثل الإعفاء من الدمغة ومثل تقديم الإقرار كل ثلاثة أشهر بدلا من كل شهر، ودفع ضريبة المرتبات مرة واحدة في السنة، فإن استكمال هذه المنظومة بالصورة القويمة يتطلب كذلك الانتباه إلى الفجوات المؤثرة بالسلب على النظام الضريبي بشكل عام، وأيضًا على مسارات الإنفاق الحكومي والميزانيات الموجهة للقطاعات المختلفة، في ظل تحسين الإنفاق العام، وضمان توجيه الموارد نحو القطاعات الأكثر احتياجًا، لرفع كفاءة الإنتاج وتحسين الموارد، ووضع سلم للأولويات في المشروعات الإنتاجية والخدمية، بما يرفع مستوى الجودة من ناحية، ويحقق أعلى عائد وأفضل مخرجات من تنفيذ تلك المشروعات والخدمات.
فإذا كانت الضرائب مصدرًا من مصادر الموارد، فيجب العمل على سد جميع ثغرات النظام الضرائبي، والتي تعرقل الاستفادة المرجوة من هذا المورد، ومن هذه الثغرات الأشكال المتباينة للتهرب الضريبي، الذي نحتاج ونحن بصدد إصلاح اقتصادي ووضع منظومة لدعم الاستثمار، إلى رصد حجم هذه الأشكال من التهرب، والعمل على الحد منها وصولا إلى تلافيها، عبر إجراءات واضحة وفاعلة، فهناك على سبيل المثال تغليظ عقوبة التهرب الضريبي، وهي آلية معمول بها في كثير من بلدان الدول المتقدمة، التي تعتبر التهرب الضريبي جناية تستوجب عقوبات غليظة، وكذلك العمل على تطوير التقنيات ووسائل جمع وتدقيق المعلومات، وخصوصًا أنه معلوم للجميع أن التهرب الضريبي بمثابة الظاهرة، حتى أن بعض الممارسات أصبحت عادية في التعامل التجاري مثل الفاتورة الشكلية المزورة التي تعطيها المحال التجارية للعملاء، والتي تكون مطبوعة في مطبعة خاصة، وبأرقام لا تعلم عنها مصلحة الضرائب شيئًا.
إن تقارير وزارة التخطيط أكدت أن الاقتصاد غير الرسمي في مصر لا يقل عن 50% من إجمالي الاقتصاد، أي أنه اقتصاد لا نعرف عنه شيئًا، رغم أنه يضم نحو 60% من السكان، فلا بد إذن من تفكير جدي على وجه السرعة في دمج هذا الجزء الضخم من الاقتصاد، ومحاسبته ضريبيا.
وهناك كذلك هدر كبير في الموارد من خلال نظام (الوسطاء)، الذين ينشئون شركات وهمية، لا تزيد على مقر وبعض الموظفين، ولا تعمل إلا في السمسرة والوساطة، وقد تضخمت هذه الشركات قياسًا للشركات الإنتاجية والخدمية، إذ تنقل السلع والخدمات والمشروعات عبر أكثر من وسيط يرفع الكلفة، ويحقق الثراء لعدد محدود من الناس لا يضيفون أو ينتجون شيئًا، بل يدخلون في مزادات ومناقصات، ويتم ترسية عطاءات عليهم، وليس لديهم أي معدات أو عمالة تنفذ تلك المشروعات، وكل ما يفعلونه هو إسنادها إلى سماسرة ووسطاء آخرين، وفي آخر السلسلة يتم التنفيذ بمقاولي الباطن، وعادة يستخدمون عمالة رخيصة محدودة الكفاءة، ومعدات متهالكة وقديمة، بما ينعكس على ضعف الجودة، والدافع لذلك أن المقاول المنفذ يأتي في نهاية سلسلة، ولا يحصل إلا على القليل جدًا من الربح، ولهذا يلجأ إلى خفض الجودة والتلاعب في مواد التشغيل.
وهناك مثال آخر على هدر الموارد، يتمثل في المخصصات المالية لعدد كبير من المؤسسات، التي يكون لديها فائض في نهاية السنة المالية، ومن ثم يتفتق ذهن القائمين على هذه المؤسسات للحفاظ على المخصص أو زيادته، عن إيجاد أي قنوات غير مجدية لصرف باقي المخصص كتجديد أثاث وما شابهها من أوجه للصرف.
الأمثلة لهدر الموارد كثيرة في ظل وجود قطاعات تحتاج إلى التمويل حتى تعود إلى الإنتاج، أو تحسن جودة منتجها، وهي قطاعات إنتاجية، صناعية وزراعية، بحاجة إلى بعض التمويل حتى تحقق عائدات كبيرة، فضلا عن توفير سلع ضرورية، وبأسعار مناسبة، وتغنينا عن الاستيراد، ودفع أموال بالعملات الأجنبية، ولا شك أننا بحاجة إلى إعادة تنظيم في الكثير من المجالات، ووزارة المالية ملقى على عاتقها جزء كبير من هذا التنظيم والإصلاح، الذي لابد سيوفر كثيرًا من التكاليف، ويرفع القدرات الإنتاجية في القطاعات المختلفة، ويمهد الطريق أمام تنمية بمعدلات عالية، تؤمن حاضر الوطن ومستقبله، وتحقق استقراره وتقدمه.
نقلا عن « الاهرام «