تقف فاطمة فتوني مراسلة « الميادين « على أكوامٍ من الحجارة والأنقاض، وقربها سيارات مدنية مُحطَّمة وخراب يعم المكان الذي كان قبل ساعات مقراً لإقامة الصحفيين في منطقة حاصبيا جنوب لبنان، قبل أن تحوله صواريخ الطائرات الصهيونية إلى ركام متناثر تختلط فيه دماء وأشلاء ثلاثة من الصحفيين الذين كانوا يؤدون رسالتهم المهنية المقدسة في نقل الحقيقة للناس. ثم تقول بأسى ولوعة لكن بصبرٍ وتماسكٍ عجيبين وهي تحمل بيديها درعاً صحفياً مزقته الشظايا، وخوذة وميكرفون: « هذا ما تبقى من درعي وخوذتي والسلاح الذي نحمله، هذا هو الصاروخ الذي من أجله أغارت علينا الطائرات الحربية الإسرائيلية، وهل نملك سلاحاً آخر؟ ربما هذا السلاح أوجعهم، وهو كذلك. نؤكد من على ركام المنازل والدمار، هنا في حاصبيا، أننا مستمرون بنقل الحقيقة والواقع وجرائم الاحتلال  الإسرائيلي لآخر رمق». كانت تتحدث على لسان زميلها المصور الصحفي وسام قاسم الذي استشهد مع زميليه المصور غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا في هجوم الطائرات الصهيونية على مقرهم فجر الجمعة الماضية، وهو استهداف مُتعَّمد للصحفيين يندرج ضمن جرائم الحرب كما صرح بذلك رئيس الوزراء اللبناني عقب الهجوم الإجرامي. 
في غالبية الحروب التي شهدتها المائة سنة الأخيرة من عمر البشرية، ومنذ الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما أعقبهما من حروب وصراعات ونزاعات إقليمية أو أهلية في مختلف بقاع العالم، يسقط عَرَضاً لا عَمداً العديد من المراسلين الصحفيين الذين لا يحملون معهم إلًّا عدتَّهم التي تدل عليهم، غير أن الكيان الإسرائيلي يرتكب جرائمه ضدهم ويلاحقهم بالموت عن سبق إصرار وترصد وتعمد، وقد حدث ذلك مرات عديدة في حربه المنفلتة على مدن وقرى غزة وجنوب لبنان.
ملاحقة مراسلي الصحافة، وقتلهم عَمَداً بدم بارد، سابقة لم تشهدها الحروب، وهي جرائم تفنن فيها الإسرائيليون حين جعلوا الصحافة هدفاً عسكرياً، وواجهوا المراسلين بالطائرات والقنابل والصواريخ لمنعهم من نقل الوقائع واسكاتهم وتحطيم معداتهم. لكن مراسلة مثل فاطمة تقول لهم بصوت واضح وشجاع :
 نحن مستمرون لآخر رمق