ان ما يتطلع اليه الغرب من انموذج في ولادة طرف مركزي مصطنع في منظومته الطرفية كالكيان الاسرائيلي ، والذي ولد بذريعة أيديولوجية دينية تاريخية منغلقة ومبهمة ، يمثل آلية مركزية مزيفة مستحدثة لنشوء وتطور الرأسمالية الامبريالية نفسها في نسق نظمي موحد ، وهو مفهوم يشير إلى نموذج أو نمط من السيطرة والهيمنة ، اذ تقوم دولة أو مجموعة من دول قوية او كيانات منظمة ، (وهم الغرب في العادة أو مايسمى بالقوى العظمى)، بفرض نفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي على دول أو مناطق أخرى، غالبا ما تكون أقل قوة أو أقل تطورا.
فهذا النوع من الامبريالية يتمركز حول السلطة والقرار في مركز جيوسياسي معين، ويعيد ترتيب الأنظمة الاقتصادية والسياسية في المناطق المستهدفة لخدمة مصالح الدول المركزية.
اذ ارتبط المفهوم بالغالب ، بالاستعمار الأوروبي ويرتبط اليوم بالاحتلالات مثل غزة والجولان واجزاء من جنوب لبنان .
وهي انماط مركزية راسمالية بشعة تعمل حالياً بالانابة في اطراف من حضارات العالم القديم … فمثلما تاسست تايون ككيان ، نشأت اسرائيل … وربما هناك كيانات قادمة مركزية في المنظومة الطرفية من العالم الراسمالي ويمكن تسميتها اصطلاحا بالمركزية الراسمالية بالانابة - Acting central capitalism .
ففي خضم مستقبل عالم ما بعد الامبريالية الراهن يتلمس العالم مركزيات تعمل بالانابة في محيط الراسمالية واطرافها لكن كقطب مركزي مناوب للقطب الغربي .
وهكذا تجد بكل وضوح ان التاسيس لنظام مركزي داخل اطراف المنظومة الراسمالية لايقل وحشية في غزة ، عن ذلك التقدم لجنود الاتحاد ليستولوا على مستوطنات سكان البلاد الاصليين من الهنود الحمر في واحدة من تاريخ الحزن الانساني في اميركا عبر مسرح الصراع بين سكان البلاد الاصليين ومجتمعهم التقليدي الطرفي القائم على الصيد والرعي والترحال،وبين منتزعي الاراضي من المستوطنين الاوروبيين المصرين على اقامة اقتصاد السوق عبر احتلال تعززه قوة البندقية فاستيلاء جنود الاتحاد على مستوطنات الهنود الحمر حدث بشكل متقطع خلال القرن التاسع عشر ، وخاصة بعد الحرب الاهلية الامريكية (1861-1865) حيث كان هذا الاستيلاء جزءاً من سياسة التوسع الامريكي نحو الغرب المعروفة باسم القدر المتجلي (Manifest Destiny)، والتي تضمنت السيطرة على أراضي السكان الأصليين وتوطين المستوطنين الأوروبيين في هذه المناطق.
وان بعض الأحداث الرئيسة التي شهدت استيلاء قوات الاتحاد (الجيش الأمريكي) على مستوطنات الهنود الحمر شملت :
-حروب السهول الهندية (Plains Indian Wars) - من منتصف القرن التاسع عشر حتى أواخره، والتي شملت سلسلة من النزاعات بين الجيش الأمريكي والقبائل الهندية في مناطق السهول الكبرى، بما في ذلك قبائل سو (Sioux) وشايان (Cheyenne) وأباتشي (Apache).
-مذبحة ساند كريك (Sand Creek Massacre) - في 29 نوفمبر 1864، قامت ميليشيات كولورادو بقيادة العقيد جون شيفينغتون بهجوم على مخيم للهنود الشايان وأراباهو في كولورادو، مما أسفر عن مقتل العديد من السكان الأصليين، بما في ذلك النساء والأطفال.
-معركة الركبة الجريحة (Wounded Knee Massacre) - في 29 ديسمبر 1890، قامت قوات الجيش الأمريكي بمحاصرة وقتل حوالي 150-300 من أفراد قبيلة لاكوتا سو (Lakota Sioux) بالقرب من منطقة الركبة الجريحة في داكوتا الجنوبية. هذه المعركة تعتبر نقطة النهاية لحروب السهول.
فخلال هذه الفترة، كانت سياسة الحكومة الأمريكية تقوم على نقل القبائل الهندية إلى المحميات، والاستيلاء على أراضيهم التقليدية من أجل فتحها أمام المستوطنين البيض.
وعلى الرغم من ذلك، فان تجربة سكان البلاد الاصليين في اميركا قد لا تختلف في الحصيلة عما تعرض اليه السكان الاصليون في الارجنتين وجنوب افريقيا واستراليا.
وقد لا يقتل الاستيطان بالضرورة سكان البلاد الاصليين كافة ،ولكن غلبة الصراع التاريخي بين الطرفين قد اظهرت ان سكان البلاد الاصليين لا يملكون سوى دفاعات ضعيفة، لاسيما بعد ان انتزع المستوطنون اراضيهم المشاعة، ليقيموا عليها ما يسمى بحقوق الملكية الخاصة التي اسست تحت ذريعة قوانينهم الوضعية و نيران اسلحتهم الحديثة.
فمنذ ان ازيلت الاسس الاقتصادية للمجتمع القبلي الشديد البساطة،غدا سكان البلاد الاصليون منزوعي القدرة على منافسة تلك القوى الاوروبية المستوطنة الشديدة التنظيم .اذ تسلح القادمون الجدد بالقواعد الاقتصادية و آليات السوق والقوانين العسكرية، وقيامهم من فورهم بتحويل الارض التي استوطنوها الى استعمالات اقتصادية متعددة غزيرة العائد النقدي .
فالحبوب الاميركية ولحوم العجول الارجنتينية واستخراج الذهب والماس من مناجم جنوب افريقيا، فضلا عن الصوف الاسترالي، قد دخلت جميعها رحاب السوق العالمية وامست مصدر غنى وعيش رغيد لملايين المنتجين والمستهلكين من القوى الاقتصادية لما وراء البحار.
،ان مايجري في غزة اليوم هو تاسيس لمنظومة راسمالية مركزية بالانابة في أطراف العالم الشرقي بثقافات مختلفة غريبة وهجينة تصدرتها خرافات التاريخ الامبريالي للاستيلاء على ثروات الشعوب ،
وفي مقال مهم عبر فيه المفكر السياسي الكبير ابراهيم العبادي تحت عنوان : نحن و الغرب بعد عام من حرب غزة ولبنان ….!!
قائلاً ((ولم يتحرر الغرب من مركزيته رغم دعوات كثيرة من داخل الغرب نفسه ومن خارجه للخروج من هذه المركزية التي عنت بناء نفسيا ومعرفيا وثقافيا يجعل الذات في مرتبة المصدر للتقدم والعلم والرؤية الانسانوية فهي المركز وماسواها هامش يدور في فلكها عليه ان يتعلم منها ويحذو حذوها ويترسم خطاها ويتمسك بمعاييرها واخلاقها.
بقدر مايبدو تعريف المركزيات اشكاليا وباعثا على الاختلاف ،لكن الواقع والسلوك العملي يكشفان عن تمركز غربي حول الذات ينفي حق الاخر في الاختلاف ويرفض تعريفات هذا الاخر لمفاهيم قدتبدو جدلية كالحق والعدل والمساواة والارهاب وغيرها .
مانحن بصدده الان كمثال حي شاهد على الاختلاف في القضايا المثيرة للمشاعر والانفعالات مايجري في غزة ولبنان من عدوان اسرائيلي بلغ حد التوحش وتجاوز تعريفات الابادة البشرية التي انتجها الغرب نفسه ،فمازالت اسرائيل تمارس جريمة الابادة الجماعية والتدمير الممنهج وسحق الوجود البشري بذريعة الدفاع عن نفسها ،ولم يجد الغرب الرسمي والحزبي غضاضة من التعبير المتكرر عن تأييده لهذه الحرب بدعوى القضاء على الارهاب الذي مارسته حماس في 7 تشرين الاول /اكتوبر 2023.وبحسب ارقام حكومة نتنياهو فان هجوم حماس ادى الى مقتل 1200 شخص واسر 250 اخرين ،لكن الغرب لايعتبر مقتل 43 الف فلسطيني و2500 لبناني وجرح قرابة المائة الف من الشعبين وتدمير قطاع غزة بالكامل واجزاء كبيرة من لبنان ،كافيا للضغط على اسرائيل لوقف الحرب او على الاقل منه ايقاف تزويدها بالسلاح الفتاك المستعمل في الابادة البشرية)).
فثروة الغاز الطبيعي في قطاع غزة هو موضوع معقد يتداخل فيه الاقتصاد والسياسة والامن.
اذ يحتوي قطاع غزة على حقول غاز طبيعي تقع قبالة سواحله في البحر المتوسط، وأبرزها حقل “غزة مارين”، الذي تم اكتشافه عام 1999. اذ يقدر حجم الاحتياطي في هذا الحقل بحوالي تريليون قدم مكعب من الغاز، مما يجعله مصدرًا محتملاً كبيرًا للطاقة والثروة.
وعلى الرغم من اكتشاف الحقل قبل سنوات عديدة، لم يتم تطويره بشكل كامل حتى الآن. وهذا التأخير يرجع إلى دوافع حرب 7 اكتوبر . اذ عد النزاع بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل حول السيطرة على الموارد وتوزيع العوائد واحدة من اهم دوافع تاسيس التوسع في المنظومة الراسمالية المركزية الاسرائيلية بالانابة ، والتي ولدت الحرب في شمال وجنوب فلسطين ، اذ ان، الظروف السياسية المعقدة داخل القطاع نفسه ادت إلى صعوبات في اتخاذ قرارات اقتصادية كبيرة للمنظومة المركزية الرأسمالية الاسرائيلية بالإنابة والتي نوهنا عنها انفا. ذلك في ظل مخاوف إقليمية ودولية لها مصالح في الغاز المكتشف، مما قاد إلى تداخل مع تلك الأوضاع السياسية والأمنية .
فالصراعات المستمرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، والتي تؤثر بشكل مباشر على إمكانية بدء أي مشاريع كبيرة في مجال الطاقة كانت شرارة انفجار حرب 7 اكتوبر .
ختاماً ، وعلى الرغم من محاولات اقناع سكان البلاد الاصليين ممن سحقتهم آلة احتلال ارضهم وقبولهم بالامر الواقع و العيش المشترك بمرارة تحت ذريعة «ان الغاية تبرر الوسيلة «لكن ظل بقاؤهم متمسكاً بمبدأ واحد هو(الرقص مع ذئاب الامبريالية) في واحدة من اخطر المنظومات المركزية في العالم ..الا وهي المنظومة المركزية الشرق اوسطية التي يجري تاسيسها على شواطئ المتوسط.