رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
مصر والقرن الإفريقي.. الأمن القومي والازدهار


المشاهدات 1044
تاريخ الإضافة 2024/10/15 - 9:19 PM
آخر تحديث 2024/10/16 - 3:13 AM

تطور كبير شهدته العلاقات المصرية-الإفريقية خلال هذا العقد، وقد رأينا ملامح هذا التطور الذي تعزز بإرادة سياسية، من خلال الزخم الكبير من توثيق هذه العلاقات مع دول القارة السمراء، ليكون هذا التطور دالا على حقائق زمانية ومكانية مفادُها أن مصر هي بوابة الأمن والسلام والبوابة الإستراتيجية لإفريقيا؛ لذا فإن حديث العقل والتفكير الموضوعي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا كذلك، هو تحري أوجه التكامل الهادف إلى إحداث نقلة كبرى في التنمية الشاملة، ومن هنا استطاعت مصر أن تضبط المسافة بينها وبين دول القارة لتضعها في مسارها الصحيح، باتجاه إعادة أواصر التعاون البناء إلى جميع العواصم الإفريقية، ليكون هذا المسعى حصاد ثمار التحرك الفوري للقيادة السياسية منذ تولي الرئيس السيسي قيادة البلاد باتجاه إعادة الروابط المصرية الإفريقية لسابق عهدها ما قبل منتصف الثمانينيات، فتعددت الزيارات التي تقترب من الأربعين زيارة خلال هذه الفترة وهو رقم قياسي توازى معه تحقيق أهداف مهمة تحقق لمصر مكانتها المستحقة كتاج في جبهة إفريقيا وقلعة الأمان لمستقبلها، وتأكيد فهم وإدراك أن إفريقيا هي العمق الطبيعي لمصر.
ووفقًا لكل ذلك تأتي زيارة الرئيس إلى دولة إريتريا ولقائه برئيس الدولة أسياس أفورقي ورئيس دولة الصومال حسن شيخ أحمد، زيارة مهمة في توقيتها ودلالاتها ومخرجاتها، فمن الدلالات أنها تعكس صلابة العلاقة مع إفريقيا عمومًا، ومع منطقة القرن الإفريقي خاصة، حيث إن هذه المنطقة تمثل عمقًا بالنسبة للأمن القومي المصري، وفضلا عن البعد التاريخي البارز في العلاقات، لعلنا نلحظ هذا التأصيل لدبلوماسية جديدة، حيث كان الرئيس سباقًا في زيارته للنيجر وموزمبيق وأنجولا، على سبيل المثال، وهذه أول زيارة لرئيس مصري إلى دولة إريتريا، لتضاف إلى التوجه الإيجابي في إطار تنويع دوائر السياسة الخارجية، وكما بدا للجميع فالسياسة المصرية سياسة الاعتدال التي تسعى إلى تحقيق طفرة تنموية، وكذلك التعاون الاستراتيجي، والمصالح المتبادلة، وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية التحرك في جميع نقاط دائرة المحاور الإستراتيجية، في ظل التهديدات التي تشهدها المنطقة ككل، والتي يُلاحظ أنها تهديدات متزامنة ومن جبهات مختلفة شرقا وغربا وجنوبًا، ومحاولات بعض القوى زعزعة الأمن والاستقرار بالقرن الإفريقي، والملاحة التجارية في البحر الأحمر وباب المندب، والتأثير على قناة السويس، وغيرها، مما حدا بالجهود المصرية في هذا السياق الدال إلى الإمعان في التحرك عبر مسارات متوازية، هذه المسارات تعتمد على بناء نظام إقليمي قوي وجديد بمنطقة القرن الإفريقي أساسه الشركاء الأفارقة، كما أن هذا النظام يرسخ بدوره الاعتماد على دول القارة في حماية مقدراتها، خصوصًا في ظل تحديات هذه التحديات، فضلا عن الأزمة السودانية المعقدة، ومصر وإريتريا دول جوار للسودان، ومن ثم محاولات التوصل إلى حلول «إفريقية» لهذه الأزمة، وهذه المسألة في حد ذاتها دالة على فكرة الحق الأصيل في تقرير مصير القارة من خلال أبنائها، دون فرض وصايات خارجية وهي السياسة المصرية الأصيلة والمعتدلة والمعلنة طوال الوقت، وتكريسًا للمبدأ الذي تبناه الاتحاد الإفريقي بأن أزمات إفريقيا تكون بحلول إفريقية، ومن هنا يمكن النظر أيضًا إلى العلاقة المصرية الصومالية، فالصومال بلا شك تُعد امتدادًا للأمن القومي المصري، وقد واجهت تهديدات متباينة خلال الفترة السابقة مثل تصاعد التنظيمات الإرهابية، والحركات الانفصالية وغيرها من الأزمات، لذا فإن الزيارة تمثل تأكيدًا جديدًا لفكرة تعزيز مفهوم الدولة الوطنية، والإسهام المصري عبر العلاقات البناءة يتجه إلى تحقيق الصومال ودول القارة لوحدتها وسيادتها ودعم المؤسسات الوطنية.
ومن هنا رأينا مخرجات القمة الثلاثية بين الرئيس السيسي والرئيس أسياس أفورقي والرئيس حسن شيخ محمود، قد انطوت على هذا المبدأ الأصيل في تأكيد سيادة ووحدة كل دولة في القرن الإفريقي ورفض جميع أشكال التدخلات الخارجية. 
ومع هذا التكامل على المستوى السياسي والتنموي في إفريقيا، بطبيعة الحال يسهم كل ذلك في دعم الأمن القومي المصري وكذا المستقبل الاقتصادي للدولة. وهو ما أوضحته مخرجات القمة عبر بيانات منفصلة وجامعة ومانعة أكدت أن لقاء الدول الثلاث الشقيقة، تعكس تنامي تعزيز العلاقات الأزلية، لمواجهة التحديات في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وكذلك للاستفادة من القدرات التي لدى هذه الدول، بتطوير العلاقات الاستثمارية والتجارية، وتكثيف التعاون في مجال بناء القدرات، ونقل الخبرات، لضمان تحقيق تنمية كبرى وازدهارًا للشعوب، ومن خلال ما تزخر به الدول الشقيقة من ثروات متنوعة تملك القدرة والإرادة لاغتنامها وتعظيم الاستفادة منها، عبر التكامل والتعاون والتنسيق الوثيق.
نقلا عن « الاهرام «
 


تابعنا على
تصميم وتطوير