ظل الكيان الاسرائيلي يتشكل كبقعة ايديولوجية صهيونية شديدة التبدل والتلون بين (القومية والدين ) على مدار العقود السبعة المنصرمة في حروبه القومية والدينية التكتيكية والتي قامت رمزيتها على خرافات ومعتقدات تعود لاكثر من ثلاثة الاف عام لتصبح نمطا من أنماط العالم الامبريالي الجديد لفرص واقع استعماري اديولوجي و هيمنة في المخيال الديني تأسست على سرديات خرافية ، أستعملها الاحتلال في بناء نقطة توسعه على حوض المتوسط عبر القرن العشرين والعقود اللاحقة.
وقد حارب النظام الرسمي العربي في استرداد حقوقه مرارا ، سواء بنوازع الوطنية والقومية والتي افشلها النظام الرسمي العربي نفسه في سرعة استسلامه و بدرجات منكسرة من السلبية والخوف من سطوة ذلك المعسكر الراسمالي المركزي المؤازر لاسرائيل على الدوام وعلى وفق منطق القوة التدميرية ….و تلاشت الحركة القومية وهي تبحث على مآلاتها وحقوقها في مقاومة الاحتلال في بطون ماضي طوى صفحاته مع استسلام النظام الرسمي العربي للعدوان نفسه منذ سبعينيات القرن الماضي …!
وبهذا الشان يتناول المفكر السياسي ابراهيم العبادي في مقال مهم كان عنوانه : سيكولوجية الصراع حول فلسطين ، بالقول ((في جميع حروبها العدوانية التي شنتها اسرائيل على العرب ،كانت سيكولوجيا الحرب هذه تعتمد اسلوب الصدمة والمفاجاة والمبالغة في القتل والتدمير والابادة وتوظيف التفوق العسكري والتقني لاركاع الخصم وسلبه امكانيات الصمود والمقاومة والثبات .كان من ضمن الاسلحة المستخدمة في هذه الحروب سلاح (التيئيس والاحباط ) عبر تكثيف التدمير وزيادة اعداد الضحايا ،وحمل الخصم على الاستسلام باشعاره بعدم جدوى الحرب . رغم هذه الجهود التي حظيت بدعم الغرب عموما ،غير ان مهندسي الحروب الصهاينة وخبراؤهم النفسانيين كانوا يستعجلون الانتصارات التكتيكية ويراهنون على عاملي القوة والزمن في اركاع الطرف العربي والاسلامي الرافض للدولة العبرية امرا واقعا في المنطقة ،ونجحوا بالفعل نجاحا نسبيا في جعل العرب والمسلمين يقبلون بالدولة العبرية لكنهم اخفقوا في حمل الشارع العربي والاسلامي على نسيان تاريخ الصراع وهويته وتداعياته ،مازال الشطر الاكبر من العرب والمسلمين يحمل في جوانبه عداء للكيان الاسرائيلي ،لدوافع دينية وسياسية وحتى ثقافية ،ثمة سردية دينية ترفض وجود هذا الوجود المتغطرس وتشعر بخطره وضرورة مقاومته ورفض التطبيع معه ،ومازال الوعي العام يحمل مصدات ثقافية وممانعة نفسية تزداد سخونة واستدامة كلما ارتكب الجيش الصهيوني حملات ابادة وبادر الى حروب عدوانية جديدة ….)).
وبهذا فقد تلونت عقيدة المحتل الاديولوجية كوجه اخر فرضت مقاومته تيارات دينية مقابلة حلت محل النزعات القومية والنظام الرسمي العربي في مقاومة الوجود الاسرائيلي الاحتلالي في المنطقة ….و هذا الاستبدال المقابل في حرب القوميات والعقائد الدينية..نجم عن مواجهة الطبيعة العقائدية الملونة التي ارتكزت عليها تكتيكات الحركة الصهيونية العالمية في تسويغ استمرار عدوانها .
(( اذ يقول المفكر السياسي حسين العادلي حقاً: ان الايديولوجيات هي مصانع الحروب…!!. )).
فكان التدمير الشامل والحاسم والسريع سر تفوق الحركة الصهيونية في حروبها في مواجهة القوة القتالية عبر اطار النظام القومي العربي طوال القرن العشرين و على وفق المنطق التدميري القائم على فرضيتي (القوة والسرعة ) المدعومة من المركز الامبريالي العالمي .
ولم ينفك النظام الصهيوني من ان يستبدل نفسه بقوة رقمية شديدة التقنيات في تسويغ سرعة حروبه التدميرية الراهنة، حروب القرن الحادي والعشرين ،معتمداً على مرتكز راسمالي تقني رقمي مفتوح الحدود .
وبهذا استطاع العدو ان يحول صراعاته في استعمال منطق (القوة والسرعة ) من حروب قومية رسمية الى حروب (غوريلا دينية ) لكي تتلاشى صورة الصراع وتتلون على المسرح الدولي الرسمي سراعاً بين الحروب الرسمية القومية التي غلقت ابوابها الى حروب الغوريلا الدينية الشديدة التعقيد والصلابة في استرداد مساحة الحقوق ونطاقاتها …وهكذا سيظل منطق القوة التدميرية الخالية من المباديء الانسانية تلازم سياساته في استخدام العنف وفرض الأمر الواقع في حروب العقائد الهلامية التي تبررها العولمة الصهيونية الموازية للسير في بناء شرق اوسط جديد كمرتكز قطبي هجيني للامبريالية العالمية.