يُثار جدلٌ كبير حول دور الصحافة والإعلام في المشاركة في الشأن العام ومدى تأثير ذلك على إستقلالية العمل الصحفي ومِهَنِيَتِهِ ، ولأنّ المهنة الصحفية هي نتاجٌ صِرْفٌ للحضارة الغربية الحديثة ، فإنّ القيم والنواميس والمعايير التي تحكمها هي أيضاً غربية المنشأ والهوى والمزاج.
وتُقاس حرية العمل الصحفي في الدول الغربية بمدى احترامها لاستقلالية العمل الصحفي وهو توجّه شهد مع الأيّام بعض الانحرافات التي نقدّر أنّها مسّت الجوهر المهني للعمل الإعلامي والصحفي ، وقد لمسنا هذا في القضايا بعض الدول والمجتمعات وبالخصوص في القضايا الدولية وخصوصا تلك التي تهمّنا مباشرة مثل القضية الفلسطينية .
وكثيرا ما ينحرف المنتوج الصحفي والإعلامي الغربي عن ضوابط المهنة الصحفية وينحو بعيدا عن الاستقلالية والمهنية المعلنة ، وذلك تحت تأثير مباشر من سياسيات ومواقف ومصالح الحُكْمِ في تلك البلدان والمجتمعات ، في حين أنّ سلك نفس الطريق من طرف إعلامنا وصحافتنا العربية يرى فيه الغرب الليبرالي خروجا عن المعايير الدولية للعمل الإعلامي والصحفي يستوجب الشجب والتنديد .
ولأنّ الذي يحكم سلوكياتنا هو عقدة التعامل مع الغرب الليبرالي والتبعية في أغلب الحالات فإنّنا اقتنعنا مع الأيام بأنّ تقييمهم هو «الأصوب « وبالتالي وجب علينا الإنضباط لدكتاتوريّة المعايير الغربية في العمل الصحفي والإعلامي .
ويذهب بنا الإعتقاد بأنّ هذا الغرب الليبرالي يريد سدّ الطريق أمام الصحفي والإعلامي في ربوعنا وفي مناطق العالم غير الليبرالي لمنعه من وضع تصوّر للعمل الصحفي المهني خاصّ به ويأخذ في الاعتبار خصوصيات دوله ومجتمعاته ، ولكنّ حرص الصحفي والإعلامي عندنا على المشاركة في المجهود التنموي كان الأقوى فيما يبدو ، وقد تعدّدت المحاولات لفكّ الارتباط مع التبعية للغرب الليبرالي .
وقد تابعنا السبت الماضي لقاء جمع رئيس إتحاد الصحفيين العرب والنقيب العراقي مؤيّد اللامي برؤساء تحرير الصحف العراقية، دعا فيه اللامي إلى « ضرورة إعطاء الأولوية للقضايا والأحداث الوطنية وإبرازها بالتناول الإعلامي في صحفهم»، ومشدّدا على دور النقابة المحوري في التوعية بأهمّية القيام بهذا الدور « انسجاما مع مرحلة النهوض الاقتصادي والعمراني التي يشهدها العراق الجديد» .
ونعتقد أنَ هذه المقاربة المهنية متى كانت إرادية ونابعة من الجسم الصحفي وغير مفروضة بالتالي من أيّ حكومة أو سلطة ، هي في لبّ وجوهر حرّية العمل الصحفي والإعلامي، وإنّه من الطبيعي أن تكون المهنة الصحفية والإعلامية أداة من أدوات التنمية خصوصا في الدول والمجتمعات التي تعيش مراحل إنتقالية والدول السائرة في طريق التنمية والنموّ عموما .
ونفهم كلام اللامي وحديثه عن أولوية التعاطي مع «الأحداث والقضايا الوطنية» في بعده الشامل وأهدافه الاستراتيجية ، ومعلوم أنّ الهدف الأسمى لدولنا هو أوّلا ، بناء تنمية شاملة ومستدامة في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وثانيا ، إستكمال مؤسّسات الدولة وتأمين استقرارها واستمرارها.
وإنّ العمل الصحفي متى كان محترما لأهدافه التي رسمتها أطراف المهنة ويُمارَسُ وفق المعايير المهنية من ضرورة إحترام الرأي والرأي الآخر ، هو أداة ناجعة في الفعل التنموي وطريق سالك لبناء مجتمع ديمقراطي تنتعش فيه الأفكار والآراء والتصوّرات والسياسات على إختلافها وتناقضاتها وتستفيد منه المجتمعات على المدى المتوسّط والبعيد ، وإنّ القطع مع عقدة الغرب الليبرالي لن تكون ممكنة إلًّا إذا صدقت النوايا تجاه المهنة الصحفية والأوطان .