رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
سورياليَّة طِرْسُ عَليّ


المشاهدات 1148
تاريخ الإضافة 2024/10/13 - 8:43 PM
آخر تحديث 2024/10/16 - 2:30 AM

كل ما في هذا المعرض من لوحاتٍ وألوانٍ وحروفٍ وتشكيلاتٍ وابتكاراتٍ وشطحاتٍ، يُحيلنا إلى عوالم صوفيَّة سورياليَّة افتقدناها في معارض الفن التشكيلي منذ سنوات طويلة، ففي المعرض الأول للفنان الفِطري – كما يصف نفسه - علي وجيه أبو معنى الذي أقيم في مركز الأطرقچي للفنون بالمنصور عودة لأجواء ازدهار المعارض التشكيليَّة في الستينيات والسبعينيات، أيام جواد سليم، وفائق حسن، والصوفيّ الحَرفيّ شاكر حسن آل سعيد صاحب البُعد الواحد، وجبرا إبراهيم جبرا، ومعهم علي الشوك في كيمياء كلماته. وفي ذات المعرض الذي تحتاج كل لوحة فيه إلى وقفة تأملٍ وقراءةٍ متأنية لامتزاجها بالشِعر الصوفيّ وبعض الشروحات والهوامش الضرورية، هناك لمسات سُورياليَّة حرص الشاعر الرسام على ادهاش جمهوره بها، منها تأشيرهُ على نقاط كهربائية تظهر إلى جانب أحد أعماله بالتنبيه : نقطة كهرباء ليس لها علاقة بالعمل. أو سهم على الحائط يشير إلى اللوحة كُتب فوقه: ليس عملاً مفاهيمياً. أو قميصٌ مزركشٌ بالألوان وعليه عبارة : ليس قميص عثمان ولا قميص يوسف. أو بِنطال « شورت « بذات الألوان أشير إليه بسهم: بنطال لا علاقة له بمايكوفسكي طاب ثراه، إشارة لقصيدته «غيمة في بِنطال». وغير ذلك من مقتنيات شخصية جمعتها طاولة في أحد زوايا المعرض وعليها نظارة طبية ومسبحة وحلقة اصبع ومحبس، وعلبة سجائر فارغة ومنفضة ممتلئة بفلاتر بيض تخفي صورة شخصية محترقة، وبكرة خياطة بخيوط صفر، وقلم ومحفظة جيب سوداء، مع صورة فوتوغرافية للسيد صروط، والأعجب من ذلك كله حضور شيخ السُورياليَّة سلفادور دالي في عمل يستوحي زمنه السائل، لكن ساعة دالي تحولت عند علي وجيه إلى رغيف خبز سائل على أطراف منضدة تحمل مخدة خبز التنور، وتسمى أيضاً مِخبازة أو مِلزاكة، نُقشت عليها كلمات من نص « هذا خبز « للشاعر عبد الزهرة زكي، احتفاءً بالنص والشاعر والخبز، والزمن الذي عاد سائلاً من جديد !. 
لم تحضر الصوفيَّة والسورياليَّة وروحية الفن التشكيلي العراقي أيام زهوه وأساطينه فحسب، إنما حضرت الأناقة أيضاً التي تمثلت في تصميم وإخراج وطبع مطوية المعرض « الفولدر» ومعه ديوان « في طَمْس الطّرْس وحلّ صدأ النَّفْس، ويليه: الإشارات والعلامات» وفيه ست وستون لوحة من لوحاته بطباعة ملونة فاخرة تذكرنا بمطويات ومطبوعات معارض الفنانين الكبار الذين يولون اهتماماً استثنائياً بها، لكي تُحفظ ولا تُهمل، مثل أي تحفة فنية نادرة لا يُفرط بها. وقد قرأ علي بعضاً من قصائده التي استوحى منها لوحاته، مثلما استوحى البعض الآخر من قصائد أخرى، ومنها بعض الأشعار والنصوص الصوفيَّة لأقطاب التصوف الإسلامي أمثال المحاسبي والسُهروردي اللذان هيمنا على أجواء المكان المضيء بلوحات تحمل آثارهما الصوفيَّة في غاية الإتقان والجمال، وربما من هذه الأرواح استلهم أن يخصص ريع المعرض كاملاً لأطفال التوحّد في الديوانية، ومن قلبه المفجوع بأستاذه أهدى معرضه لروح الفنان الراحل عاصم فرمان.
حفزني معرض « طَرْسُ عَليّ « لأعود إلى مكتبتي باحثاً عن كتاب قديم لأدونيس عنوانه « الصّوفيَّة والسُّورياليَّة « ففيه إشارات اتَّبعها علي بقصد أو من دون قصد، منها هذا النص الذي اقتبسه المؤلف: « السّورياليون هم أوّلاً شعراء. وهم بوصفهم كذلك، يتأمّلون في طُرق التّعبير، وبخاصّةٍ الصّورة، ناقلة الشّعر، بامتياز . الصّورة ابتكارٌ فكريّ محض». وفي مختاراته السورياليَّة قول أندريه بريتون : « السّورياليَّة آليّة نفسيّة محضة، يُلتمسُ بوساطِتها التّعبيرُ، شفويَّا أو كتابيًّا، أو بأيّة طريقةٍ أخرى عن وظيفة الفكر الحقيقيّة. إملاء الفكر، في غياب كلّ رقابةٍ يمارسها العقل، وخارج كلّ اهتمامٍ جماليّ أو أخلاقيّ «. 
يبدو لي أنَّ عليّاً قد إتَّبع خطى بريتون، لوحةّ وشعراً ومعنىً، وانعتاقاً من قيود الشكل والتعبير والفضاءات المُغلقة .
 


تابعنا على
تصميم وتطوير