الكاتب / خليل إبراهيم الحمداني:
تُشكّل العلاقة بين تغير المناخ وحقوق الإنسان أحد أبرز التحديات الأخلاقية والسياسية في القرن الحادي والعشرين. فبينما يُهدد تغير المناخ النظم البيئية لكوكبنا، فإنه يُفاقم أيضًا من أوجه عدم المساواة ويُعرّض حقوق الإنسان الأساسية للخطر، خاصةً للفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا. هذه الورقة تحاول ان تقدم كشفاً متواضعا ًعن علاقة تبدو غامضة عبر المحاور التالية :
1. المقاربات الممكنة للعدالة المناخية وحقوق الإنسان: تتطلب معالجة هذه القضية متعددة الأوجه تبني مقاربات شاملة تراعي مختلف الأبعاد ومن المقاربات الممكنة :
أ) المقاربة القائمة على الحقوق: تركّز هذه المقاربة على دمج حقوق الإنسان في جميع سياسات وبرامج تغير المناخ. بما في ذلك:
- الحق في المشاركة: ضمان مشاركة جميع الأفراد، وخاصة الفئات المهمشة، في عمليات صنع القرار المتعلقة بتغير المناخ.
- الحق في الحصول على المعلومات: توفير معلومات واضحة ودقيقة حول مخاطر تغير المناخ والتدابير المتخذة للتكيف معه.
- الحق في الانتصاف: توفير آليات فعالة للأفراد والمجتمعات للمطالبة بحقوقهم المتعلقة بتغير المناخ.
ب) المقاربة القائمة على العدالة: تُشدّد هذه المقاربة على أهمية التوزيع العادل للأعباء والمنافع المتعلقة بتغير المناخ بما في ذلك:
- المسؤولية التاريخية: إقرار الدول الصناعية بمسؤوليتها التاريخية عن تغير المناخ، وتوفير الدعم المالي والتقني للدول النامية.
- المساواة بين الجنسين: ضمان مراعاة احتياجات النساء والفتيات في سياسات وبرامج تغير المناخ.
- حماية الفئات المهمشة: توفير الحماية للفئات الأكثر ضعفًا، مثل السكان الأصليين، والمهاجرين، والأطفال.
ج) المقاربة القائمة على الحلول: تركّز هذه المقاربة على إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة للتكيف مع تغير المناخ وتخفيف آثاره. ويشمل ذلك:
- الاستثمار في الطاقات المتجددة: التحول من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة النظيفة.
- التكيف القائم على النظم الإيكولوجية: تعزيز قدرة النظم البيئية على التكيف مع تغير المناخ وحماية المجتمعات المحلية.
- تمكين المجتمعات المحلية: دعم قدرة المجتمعات المحلية على التكيف مع تغير المناخ وتعزيز قدرتها على الصمود.
2. السياقات والنتائج والجوانب الهيكلية (البنيوية(:
أ) السياقات: تختلف آثار تغير المناخ وسياقات العدالة المناخية من منطقة إلى أخرى، ويتطلب ذلك مراعاة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية لكل منطقة.
ب) النتائج: قد يؤدي عدم معالجة قضية العدالة المناخية إلى تفاقم أوجه عدم المساواة وزيادة الفقر والنزوح وانعدام الأمن.
ج) الجوانب الهيكلية (البنيوية): تتطلب معالجة قضية العدالة المناخية معالجة الأسباب الجذرية لعدم المساواة الهيكلية، مثل الفقر وعدم المساواة بين الجنسين وتهميش فئات معينة.
3. مفهوم العدالة المناخية:
- العدالة المناخية هي إطار أخلاقي وقانوني يعترف بأن أزمة المناخ ليست فقط قضية بيئية، بل هي أيضًا قضية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. تعني العدالة المناخية توزيع المسؤوليات والأعباء المتعلقة بالتغير المناخي بشكل عادل، مع مراعاة الفوارق الاقتصادية، التاريخية، والجغرافية بين الدول والمجتمعات.
التاريخ والتطور:
- نشأت فكرة العدالة المناخية في أوائل التسعينيات من رحم الحركات الاجتماعية والمدنية التي ركزت على التفاوتات غير المتكافئة في تأثيرات التغير المناخي على الفئات المختلفة. هذه الحركات بدأت في البداية في الدول النامية، حيث كانت المجتمعات المحلية الفقيرة والشعوب الأصلية تعاني بشكل واضح من الآثار البيئية الناجمة عن التغير المناخي. هذه المجتمعات كانت تواجه الفيضانات، الجفاف، التصحر، وارتفاع درجات الحرارة، التي تؤثر على معيشتهم ومواردهم بشكل غير متناسب، رغم أن انبعاثات الكربون والمساهمات في التغير المناخي من جانب هذه المجتمعات تكاد تكون ضئيلة مقارنة بالدول الصناعية المتقدمة.
- في البداية، كانت هذه القضايا تُطرح على المستوى المحلي والوطني، لكن سرعان ما تحولت إلى قضايا عالمية مع تزايد الوعي بأن أزمة المناخ هي أزمة عالمية تتطلب استجابة دولية. ومع تصاعد الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ وزيادة الانبعاثات العالمية، بدأت الحركات البيئية والاجتماعية بالتركيز على العدالة المناخية، وبدأت هذه الفكرة تتجذر في النقاشات حول حقوق الإنسان.
- في عام 1991، كان للحركة البيئية في الولايات المتحدة دور محوري في تطوير مفهوم العدالة البيئية الذي تضمن في نهاية المطاف مفهوم العدالة المناخية. أبرز الأمثلة على هذه الحركة هي المظاهرة التي حدثت في ولاية نورث كارولينا ضد «العنصرية البيئية»، حيث كانت المجتمعات الأمريكية من أصول أفريقية تتعرض لتلوث بيئي أكبر مقارنة بالمجتمعات البيضاء. هذه القضايا وضعت حجر الأساس لفهم أن التأثيرات البيئية ليست محايدة، بل ترتبط بالفوارق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
- بحلول مطلع الألفية الجديدة، ومع تزايد الوعي بالتغيرات المناخية وتأثيراتها غير العادلة، تطورت العدالة المناخية لتصبح جزءًا مهمًا من النقاشات الأكاديمية والسياسية. وبدأت الحركات الاجتماعية في جنوب الكرة الأرضية تحديدًا تطالب الدول المتقدمة بالاعتراف بمسؤوليتها التاريخية عن تغير المناخ نتيجة استغلالها الطويل للوقود الأحفوري في فترات التصنيع. هذه الحركات اعتبرت أن الدول النامية تعاني من آثار لم تكن هي المسبب الرئيسي لها، وهي تحتاج إلى دعم تقني ومالي للتكيف مع هذه التغيرات.
- دخلت العدالة المناخية إلى المحافل الدولية من خلال المؤتمرات الأممية، مثل قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، التي وضعت الأسس الأولى للمفاوضات المناخية، خاصةً فيما يتعلق بمبدأ «المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة». أصبح هذا المبدأ حجر الأساس لفهم العدالة المناخية في العقود اللاحقة، حيث اعترفت به الدول المتقدمة بموجب بروتوكول كيوتو في عام 1997 الذي ألزَمها بتخفيض انبعاثاتها من غازات الدفيئة.
- مع مرور الزمن، نمت العدالة المناخية كمفهوم يشمل أبعادًا أوسع، وبدأت تدخل في نطاق المفاوضات العالمية بشكل أكثر وضوحًا في قمة باريس للمناخ عام 2015. اتفاق باريس، الذي يعتبر حجر الزاوية في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، أكد على أهمية تعزيز العدالة المناخية من خلال التزام الدول المتقدمة بتقديم دعم مالي وفني للدول النامية للتعامل مع تأثيرات التغير المناخي والتخفيف من حدة هذه الآثار.
- باختصار، العدالة المناخية تطورت من كونها حركة احتجاجية محلية إلى قضية عالمية تمس أسس الحقوق والمساواة، وهي الآن جزء لا يتجزأ من المفاوضات الدولية حول مستقبل الكوكب، مع التركيز على المساواة في تقاسم المسؤوليات وأخذ حقوق الفئات الضعيفة والأجيال القادمة بعين الاعتبار.
4. مبادئ العدالة المناخية:
- في ظل تسارع التغيرات المناخية وتفاقم تأثيراتها على البشرية، برزت العدالة المناخية كمفهوم أساسي يسعى لتحقيق الإنصاف والتوازن بين المجتمعات الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي وتلك التي تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذه الأزمة. العدالة المناخية لا تتعامل مع المناخ كقضية بيئية فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى الاعتراف بالعواقب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تقع على الفئات الأكثر ضعفًا، مثل الشعوب الأصلية، المجتمعات الفقيرة، والبلدان النامية.
- ان مبادئ العدالة المناخية ترتكز على ضرورة توزيع الأعباء والمسؤوليات بشكل عادل، مع ضمان حقوق الإنسان الأساسية لكل الأفراد والمجتمعات. وتدعو إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل الدول المتقدمة والصناعية التي تسببت تاريخيًا في نسبة كبيرة من الانبعاثات الكربونية، مع توفير الدعم المالي والتكنولوجي للبلدان النامية لمساعدتها على التكيف مع آثار التغير المناخي والتخفيف من تداعياته.
- إلى جانب ذلك، تسعى العدالة المناخية لتحقيق مشاركة عادلة وشاملة لجميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المجتمعات المحلية والفئات المهمشة، في صياغة الحلول والسياسات المناخية. إنها دعوة لتحقيق التضامن العالمي والاعتراف بأن حماية الكوكب وحقوق الإنسان هما قضيتان مترابطتان لا يمكن الفصل بينهما في مواجهة تحديات التغير المناخي.ويمكن اجمال هذه المبادئ في ما يلي :
أ) المسؤولية التاريخية للدول المتقدمة: التي اعتمدت لقرون على الوقود الأحفوري لتحقيق تقدمها الاقتصادي، تتحمل مسؤولية تاريخية أكبر عن انبعاثات الغازات الدفيئة التي تسببت في التغير المناخي. العدالة المناخية تطالب هذه الدول بأن تتحمل الجزء الأكبر من الأعباء المتعلقة بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر ودعم الدول النامية في جهودها للتكيف مع التغيرات المناخية.
ب) المساواة في توزيع الأعباء: هناك فجوة كبيرة في القدرات الاقتصادية والتكنولوجية بين الدول الغنية والفقيرة لمواجهة تحديات التغير المناخي. العدالة المناخية تطالب بتوزيع الأعباء بشكل عادل بحيث لا تقع التكاليف الكبيرة للتكيف مع المناخ أو تقليل الانبعاثات على عاتق الدول الفقيرة وحدها، بل يجب أن تتحمل الدول الغنية حصة أكبر من المسؤولية.
ج) أحقية الأجيال القادمة: التغير المناخي يؤثر ليس فقط على الأجيال الحالية، بل على الأجيال القادمة. مبادئ العدالة المناخية تؤكد أن السياسات المناخية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حماية حقوق الأجيال المستقبلية في العيش في بيئة صحية ومستدامة.
5. أبعاد العدالة المناخية:
- العدالة المناخية ليست مجرد قضية بيئية، بل هي إطار شامل يتناول الأبعاد الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية لتغير المناخ، ويضع في الاعتبار التأثيرات غير المتكافئة التي يفرضها على الفئات والمجتمعات المختلفة. تتجاوز العدالة المناخية النقاشات التقليدية حول الحد من انبعاثات الكربون، لتشمل مسألة (المسؤولية التاريخية)، حيث تتحمل الدول الصناعية والمتقدمة العبء الأكبر من المسؤولية نظراً لدورها الرئيسي في التسبب بالتغيرات المناخية، مقارنة بالدول النامية والمجتمعات الفقيرة التي تعاني أكثر من غيرها من تأثيرات هذه التغيرات.
تتمثل أبعاد العدالة المناخية في
أ) البعد الأخلاقي : الذي يدعو إلى توزيع عادل للأعباء المناخية مع ضمان ألا تتحمل المجتمعات الفقيرة النصيب الأكبر من الأضرار؛
ب) البعد الاقتصادي، الذي يتناول كيفية توزيع الموارد والتمويلات اللازمة للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره بشكل منصف بين الدول والمجتمعات؛
ج) البعد الاجتماعي الذي يركز على حماية الفئات الأكثر ضعفًا، مثل الشعوب الأصلية والنساء والأطفال، من آثار التغير المناخي؛
د) البعد السياسي، الذي يتعلق بإشراك جميع الأطراف في القرارات المناخية، وضمان أن تكون السياسات الدولية والمحلية عادلة وشاملة.
ه) البعد البيئي:يرتبط التغير المناخي بتدمير النظام البيئي العالمي. العدالة المناخية تدعو إلى حماية الأنظمة البيئية والمحافظة على التنوع البيولوجي، مع التأكيد على أن استدامة البيئة هي حق أساسي من حقوق الإنسان.
و) البعد الجغرافي:التأثيرات المناخية تختلف حسب المناطق الجغرافية. الدول الجزرية الصغيرة والمناطق الساحلية هي الأكثر تعرضًا لخطر ارتفاع مستوى البحر، في حين أن الدول النامية في أفريقيا وآسيا معرضة بشكل خاص لتأثيرات الجفاف والتصحر. العدالة المناخية تسعى لمعالجة هذا التفاوت الجغرافي من خلال سياسات تركز على تعزيز قدرات هذه المناطق على التكيف مع التغيرات المناخية.
- باختصار، العدالة المناخية تسعى إلى إنشاء نظام عالمي يقوم على الإنصاف والمسؤولية المشتركة، حيث تساهم الدول الأكثر تقدمًا بشكل أكبر في الجهود العالمية للتصدي للتغير المناخي، وتحصل المجتمعات الأكثر تضررًا على الدعم اللازم للتكيف مع التحديات المناخية وحماية حقوق الإنسان الخاصة بها. وبهذا المعنى فان العدالة المناخية، ، تفترض أن تكون الحلول المناخية متوازنة ومنصفة، بحيث تعكس التفاوتات في المسؤولية والقدرة على الاستجابة بين الدول والفئات، وتعمل على حماية حقوق الإنسان الأساسية في ظل أزمة مناخية عالمية تزداد تعقيدًا.
6. تأثير تغير المناخ على حقوق الإنسان:
- تمثل العدالة المناخية مفهوماً جوهرياً يعكس الفهم المتزايد بأن تغير المناخ ليس مجرد تحدٍ بيئي، بل هو في الأساس مسألة اجتماعية وسياسية مترابطة. وتُظهر آثار تغير المناخ بوضوح أنها تؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر هشاشة والمجتمعات المهمشة، رغم أن هذه الفئات تتحمل أدنى مستويات المسؤولية عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
- وفي هذا السياق، يُعد ربط العدالة المناخية بحقوق الإنسان ضرورة لا غنى عنها، حيث يشكل الإطار الحقوقي مرجعية أساسية لحماية الكرامة الإنسانية. ويمكن استعراض هذه العلاقة من خلال عدة محاور رئيسية:
1. عدم المساواة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري:
- تاريخيًا وحاليًا، تساهم الدول الصناعية المتقدمة بأكبر نسبة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
- في المقابل، تتحمل الدول النامية، وخاصة تلك الواقعة في الجنوب العالمي، العبء الأكبر من آثار تغير المناخ، مثل ارتفاع منسوب مياه البحر، وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة، وتفاقم شُح المياه.
2. تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة:
- يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم التحديات القائمة، مثل الفقر، وعدم المساواة بين الجنسين، والنزوح القسري، مما يزيد من الظلم الاجتماعي.
- تفتقر المجتمعات المهمشة، بما في ذلك النساء والأطفال والشعوب الأصلية والمهاجرون، إلى الموارد اللازمة للتكيف مع آثار تغير المناخ، مما يعمّق من هشاشتهم.
3. انتهاك حقوق الإنسان الأساسية:
- يؤثر تغير المناخ بشكل مباشر على العديد من الحقوق الأساسية، ومنها:
أ) الحق في الحياة: تزداد مخاطر الوفاة والإصابات نتيجة الظواهر الجوية المتطرفة.
ب) الحق في الصحة: يؤدي تغير المناخ إلى انتشار الأمراض، وتفاقم سوء التغذية، وزيادة الوفيات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة.
ج) الحق في الغذاء: يهدد الأمن الغذائي بسبب التأثير السلبي على المحاصيل الزراعية، والثروة الحيوانية، ومصايد الأسماك.
د) الحق في المياه: يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم ندرة المياه وتلوثها، مما يؤثر سلباً على الصحة العامة والنظافة.
ه) الحق في السكن اللائق: يعرض المنازل والبنية التحتية للخطر نتيجة الفيضانات، وارتفاع منسوب مياه البحر، والانهيارات الأرضية.
- من خلال هذه المحاور، يتضح أن العدالة المناخية وحقوق الإنسان مترابطتان بشكل وثيق، مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة وعادلة للتصدي لتأثيرات التغير المناخي وحماية الفئات الأكثر ضعفًا.
- إن دمج العدالة المناخية ضمن إطار حقوق الإنسان يتطلب التركيز على معالجة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتوزيع الأعباء الناجمة عن تغير المناخ بشكل عادل، مع ضمان حماية حقوق الفئات الأكثر تضرراً.
7. أمثلة وحقائق حول تأثير تغير المناخ على الفئات الأكثر هشاشة:
1) الدول الجزرية الصغيرة النامية:
• الحق في الحياة والسكن: تواجه خطر الغرق بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر. مثال على ذلك، تُجبر مجتمعات بأكملها في جزر المالديف على الانتقال إلى مناطق مرتفعة.
• الحق في المياه: تتعرض موارد المياه العذبة للتلوث بسبب تسرب مياه البحر، مما يهدد صحة السكان. في جزر مارشال، أصبح الحصول على مياه الشرب النظيفة تحديًا كبيرًا.
• الأرقام: تشير التقديرات إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد فقط سيؤدي إلى غرق العديد من الدول الجزرية الصغيرة النامية.
2) دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا:
• الحق في الغذاء: يتسبب الجفاف المتزايد في انخفاض غلة المحاصيل، مما يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. في الصومال، يعاني الملايين من الجوع بسبب الجفاف المتكرر.
• الحق في المياه: يؤدي ندرة المياه إلى تفاقم الصراعات على الموارد المائية، مما يؤثر على الاستقرار الاجتماعي. في منطقة الساحل، تؤجج ندرة المياه الصراعات بين الرعاة والمزارعين.
• الأرقام: تشير التقديرات إلى أن إنتاج الغذاء في أفريقيا سينخفض بنسبة 20٪ بحلول عام 2050 بسبب تغير المناخ.
3) مجتمعات السكان الأصليين:
• الحق في الأرض والثقافة: تعتمد سبل عيشهم وثقافاتهم بشكل وثيق على النظم البيئية التي تتأثر بتغير المناخ. في منطقة الأمازون، يهدد إزالة الغابات وتغير المناخ سبل عيش السكان الأصليين.
• الحق في المشاركة: غالباً ما يتم تهميشهم في عمليات صنع القرار المتعلقة بتغير المناخ، على الرغم من معرفتهم التقليدية.
• الأرقام: يعيش أكثر من 476 مليون من السكان الأصليين في 90 دولة حول العالم، ويعتمد الكثير منهم بشكل مباشر على الموارد الطبيعية.
4) النساء والفتيات:
- الحق في الصحة والتعليم: غالباً ما يتحملن عبئًا غير متناسب من آثار تغير المناخ، مثل المسؤولية عن جمع المياه والأخشاب، مما يحد من فرص التعليم والعمل.
- الحق في المشاركة: غالباً ما يتم استبعادهن من عمليات صنع القرار المتعلقة بتغير المناخ.
- الأرقام: تمثل النساء 80٪ من النازحين بسبب الكوارث المرتبطة بالمناخ.
- هذه مجرد أمثلة قليلة توضح كيف يؤثر تغير المناخ بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر هشاشة. تؤكد هذه الأمثلة على الحاجة الملحة لمعالجة تغير المناخ من منظور العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وذلك من خلال ضمان مشاركة الجميع في الحلول، وخاصة أولئك الأكثر تضررًا.
8. الإطار القانوني الدولي للعدالة المناخية وحقوق الإنسان: تطورٌ تدريجيٌّ نحو تعزيز الحماية
- يتّسم تطور الإطار القانوني الدولي للعدالة المناخية وحقوق الإنسان بسيره التدريجي نحو دمج هذين البُعدين بشكلٍ أوثق. ويمكن تقسيم هذا التطور إلى ثلاث مراحل رئيسية، مع الأخذ بعين الاعتبار قرارات قمم المناخ باعتبارها التزاماتٍ سياسيةً تدفع باتجاه صياغة وتفعيل القانون الدولي:
أ) المرحلة الأولى: التأسيس (1948-1991): والتي تتضمن ثلاث محاور اساسية :
1) التركيز على حقوق الإنسان: انطلقت هذه المرحلة من خلال إرساء مبادئ حقوق الإنسان الأساسية، وذلك من خلال:
- إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (1948): أكد على الحق في الحياة والصحة والمياه والغذاء والسكن، وهي حقوقٌ تتأثر بشكلٍ مباشر بتغير المناخ.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966): عزّز الحق في مستوى معيشي لائق.
2) الربط بين البيئة وحقوق الإنسان:
- إعلان استوكهولم بشأن البيئة البشرية (1972): شكّل نقطة تحول من خلال ربط البيئة بحقوق الإنسان، مؤكداً على حقّ الجميع في بيئةٍ سليمة.
- غياب التصدي المُباشر لتغيّر المناخ: رغم أهمية هذه الوثائق، إلا أنّها لم تتناول بشكلٍ مباشر قضية تغير المناخ.
ب) المرحلة الثانية: بداية التصدي لتغير المناخ (1992-2014):والتي يمكن اجمالها بما يلي :
1) وضع إطار دوليّ لتغيّر المناخ:
- اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (1992): شكّلت أول اتفاقية دولية للحد من تغير المناخ، لكنّها لم تركّز بشكلٍ كافٍ على حقوق الإنسان.
- بروتوكول كيوتو (1997): ركّز على خفض الانبعاثات، ومهد لمفهوم العدالة المناخية من خلال التطرّق إلى فوارق المسؤولية بين الدول.
1) بداية الربط بين تغير المناخ وحقوق الإنسان:
- إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية (2007): سلّط الضوء على حقوق الشعوب الأصلية، وخصوصاً حقوقهم في الأرض والبيئة المهددة بتغير المناخ.
2) دور قمم المناخ:
- بدأت قمم المناخ (COP) منذ عام 1995 بمناقشة سبل التنفيذ واتخاذ قرارات للتخفيف من تغير المناخ وتعزيز التكيف معه، مما ساهم في إبقاء التركيز على هذه القضية.
ج) المرحلة الثالثة: العدالة المناخية كحقّ من حقوق الإنسان (2015-الآن): والتي تتضمن
1) دمج حقوق الإنسان في صلب اتفاقيات المناخ: ومن ذلك اتفاق باريس (2015): شكّل علامة فارقة بإشارته إلى ضرورة احترام حقوق الإنسان في جميع إجراءات مواجهة تغير المناخ.
2) تأكيد البُعد الحقوقيّ لتغير المناخ: ومن ذلك تقرير المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة (2019) و تقرير لجنة حقوق الإنسان بشأن البيئة وتغير المناخ (2021): أكّدا على خطورة تغير المناخ على حقوق الإنسان، وواجبات الدول في حماية هذه الحقوق.وقرار مجلس حقوق الإنسان رقم 48/13 (2021): اعترف بالحق في بيئة نظيفة كحقّ من حقوق الإنسان.
3) تعزيز العدالة المناخية: ومن ذلك إعلان غلاسكو بشأن العدالة المناخية (2021): أكد على أهمية التعامل مع أزمة المناخ بشكل عادل يحمي الفئات الأكثر تضرراً.
د) دور قمم المناخ: أصبحت قمم المناخ (COP) منصّة رئيسية للمطالبة بتعزيز الإجراءات المناخية العادلة، و دمج حقوق الإنسان في جميع السياسات والتدابير ذات الصلة.
ختاماً، يشهد الإطار القانوني الدولي تطوراً متسارعاً نحو تعزيز حماية حقوق الإنسان في مواجهة تغير المناخ، وذلك من خلال ربط اتفاقيات المناخ بمعاهدات حقوق الإنسان، وإدماج مبادئ العدالة المناخية في جميع السياسات ذات الصلة. وتلعب قرارات قمم المناخ دوراً مهماً في الدفع نحو تفعيل هذه المبادئ على أرض الواقع.
يشكل الإطار القانوني الدولي للعدالة المناخية وحقوق الإنسان مجموعة متكاملة من الاتفاقيات والتقارير والقرارات التي تعترف بأن تغير المناخ ليس مجرد قضية بيئية، بل قضية تتعلق بحقوق الإنسان. هذه الأطر القانونية تدعو إلى توزيع عادل للأعباء المناخية، مع حماية حقوق الفئات الأكثر ضعفاً من آثار تغير المناخ.
نقلا عن «الحوار المتمدن»