بعد يوم واحد من دق وزير التربية جرس بدء العام الدراسي الجديد اختتمه في «اليوم التالي» مواطن عراقي يحمل كل الوثائق التي تثبت عراقيته. أما كيف اختتم هذا المواطن العام الدراسي قبل أن ينتظم أكثر من 12 مليون تلميذ على مقاعد الدراسة فالحكاية بسيطة. اختار هذا المواطن الدروس الخصوصية لا غيرها لينهي العام الدراسي بعد قرع الجرس بساعات. هذا المواطن الذي ربما يتسلم راتبا من الدولة «موظف، متقاعد، متعاقد، عقود، شبكة حماية» كما يتسلم الحصة التموينية، وبالتأكيد أدرج اسمه واسم زوجته في استمارة التعداد السكاني، وأكيد «يباوع» على التلفزيون ويرى الأمل في وجوه القادة الذين يبحثون يوميا آخر المستجدات، أقدم على فعل لم يكلف وكالات الأنباء سوى عنوانا مثيرا لغرض التسويق وكم سطر. ما هو الفعل؟ لا «ماكو شي» فقط نحر زوجته. نعم نحرها بالسكين حتى الموت. لماذا؟ وهل بعد كثرة حالات الانتحار أو القتل أو الاغتصاب في البلاد ولأتفه الأسباب من داعٍ لمعرفة سبب النحر؟ ربما هناك من لا يزال لديه أمل ليس في بحث آخر المستجدات بل في ما تبقى من قيم دينية وأخلاقية ومجتمعية وإنسانية في المجتمع لكي يعرف السبب. قد تكون هناك أسباب قاهرة وربما وجيهة مثل الخيانة وغسل العار وما الى ذلك من أسباب لا تزال بعضها فاعلة في المجتمع.
لا أبدا الأمر ليس كذلك. كل ما في الأمر، ومثلما يقول الخبر أن هذا الرجل أقدم على نحر زوجته بسبب إعطائها دروسا خصوصية في البيت، والمصيبة، وطبقا للخبر، دائما إنه أقدم على «نحرها» كما يقول الخبر، أي ذبحها بالعربي الفصيح أمام التلاميذ. خبر لا يصدقه العقل ليس قبل الميلاد أو قبل 1400 سنة أو 1000 سنة أو 600 سنة أو 150 سنة أو 70 سنة أو 50 سنة. بل لا يمكن تصديق مثل هذا الخبر وسواه من أخبار الانتحار لأسباب بعضها تبدو تافهة، أو عمليات اغتصاب بعضها مرعبة أو حتى عمليات اغتيال (أب لابنه، أخ لأخيه، زوجة لزوجها) بل لم تكن بعض هذه الأخبار تصدق حتى قبل 20 أو 25 سنة.
السؤال ما الذي تغير إذن؟ الناس أم الحياة أم كلاهما؟ هل الانفتاح الحضاري العولمي الذي ترتب عليه انتشار وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) هو السبب؟ هل محاولات تصدير مفاهيم غربية تتصل بحرية كل شيء من التعبير الى الجندر والمثلية وسواها من هذه المفاهيم هي السبب؟ حتى تكون الإجابة منطقية يمكن القول إن بعض الحالات الغريبة والشاذة في المجتمع تعود الى التباين في مستويات الوعي وطريقة تلقي مختلف منتجات الغرب من الأفكار والمفاهيم والتي تقف خلفها مؤسسات ولوبيات، وبالتالي يمكن أن نرجع بعضاً من أسباب ما يجري إليها. لكنها بالقياس الى عوامل وأسباب أخرى فإن نسبتها قليلة جدا. السبب الرئيس لكل هذه الجرائم التي لا تخطر على بالٍ هو التعاطي. والمقصود بالتعاطي هو تعاطي المخدرات بكل أنواعها والتي بقدر ما تحولت الى تجارة رابحة ماديا لكن ربحها الأكبر يكمن في تحطيم قيم المجتمع وأخلاقه وأعرافه ومفاهيمه بحيث يتحول أخطر شيء الى أمر عادي. أي مجرد خبر في وكالة يقول إن رجلا أقدم على نحر زوجته لأنها تعطي دروسا خصوصية. طالما الجرائم بهذه الطريقة وصلت الى «الدروس الخصوصية» فنحن حيال خطر حقيقي بات يهدد وجودنا كمجتمع لا دولة ولا حكومة ولا عملية سياسية التي هي بالأصل.. «مضيعه صول جعابها».