ظافر جلود
زينب فنانة الشعب بامتياز، وهو لقب نالته باقتدار كتقويم لأعمالها الفنية التي قدمتها خلال سني حياتها، وقد اشتركت بهذا اللقب مع زميل دربها الفني المخرج الراحل – خليل شوقي- فنان الشعب.
زينب تلك الفنانة والمناضلة الكبيرة (الوطنية) التي اوقفت حياتها وفنها لخدمة قضية الشعب والوطن، منذ صباها حتى آخر يوم في حياتها المليئة بالعطاء، على الرغم من كل المصاعب والظروف القاسية التي جابهتها ... من تشريد واختفاء واغتراب عن ارض الوطن... فنانة مثقفة واعية تحب الوطن ... وتخدم الانسانية ... وناضلت في سبيل حرية الانسان وساهمت في مسيرة الحركة الوطنية التي عرضّتها الى الجور والظلم ... وقدمت لمحات فنية رائعة من اعمال مسرحية وسينمائية.
ولدت ... فخرية عبد الكريم [وهو اسمها الحقيقي] في محافظة واسط لواء الكوت عام/1931 «وسط عائلة كبيرة يعيلها موظف حكومي يعمل مدير زراعة الكوت وهي عائلة وطنية عرفت في مقارعتها الظلم والتعسف والاستعمار، وكان بحكم عمله يتنقل بين محافظات العراق الجنوبية ومعه عائلته، فسكنت العائلة اولاً: الناصرية ثم العمارة ... واخيراً استقرت في بغداد.
في مدينة الناصرية مدينة الفن والسياسة والأدب، نشأت وترعرعت وعُرفت افكارها السياسية من أحد اشقائها وكذلك من اخيها الآخر المنتمي الى حزب الاستقلال. اما والدها فكان بعيداً عن السياسة، إذ غلب عليه طابع التدين وممارسة الطقوس الدينية، فكان رجلاً متسامحاً لا يختلط مع أحد.
اكملت دراساتها الابتدائية والمتوسطة والاعدادية في مدينة الكوت، ثم رحلت مع عائلتها الى بغداد لتدخل كلية الآداب جامعة بغداد قسم اللغة العربية للعام الدراسي: 1948 – 1949 .
اثناء دراستها الجامعية تعرفت على زميل لها في الكلية يدعى (نوري أكبر) فتزوجته لفترة قصيرة ثم حدث انفصال بينهما. بعد ذلك عملت مدرسة بعد تخرجها وحصولها شهادة البكالوريوس (لغة عربية) بدرجة عالية في إحدى مدارس مدينة الحلة.
تزوجت ثانية من الفنان المخرج والمصور لطيف صالح. في بداية السبعينات، ومن كلا الزيجتين لم ترزق بأي طفل ولأنها تحب الاطفال فقد ربت بنت اختها واهتمت بها وعاشت معها في بيتها.
وصار بيتهم ملتقى الأحبة وحاملي الفكر الثقافي إضافة الى نجوم المسرح وعشاقه وبعض الفنانين الآخرين والأدباء والشعراء ونخبة من المثقفين، وكانت تجرى حوارات ونقاشات كثيرة بين هذا الجمع، وكانت تريد للمسرح ان يكون نبراساً مشعاً وألقاً ينشر المحبة ويقارع اللاإنسانية والبربرية، لقد قدم لها زوجها الفنان لطيف صالح كثير من الأعمال الناجحة والمميزة واستمرا معاً في حياتهما الزوجية حتى ساعة رحيلها عام 1998، أثر اصابتها بمرض السرطان ، فكان يكن لها الحب والاخلاص وعاش معها في معاناتها من المرض، فوقف معها وأخذ يرافقها لعيادات الأطباء والمستشفيات لإجراء التحاليل المختبرية الشهرية ، والفحص الدقيق ..
لم تكن الفنانة (فخرية عبد الكريم) عاملة في حقل التمثيل فقط، بل كانت مناضلة ومكافحة للظلم ومعارضة نشطة ضد السيطرة الاستعمارية والسلطة الرجعية الحاكمة السائرة في ركاب سلطة الاحتلال البريطاني، وناشده الحرية لشعبها العراقي المظلوم.
كانت تكره الظلم وتقييد الحريات بأنواعها المختلفة. لذا قررت ان تدخل الحياة السياسية عام/ 1948, حيث يمثل هذا العام تشريد الشعب الفلسطيني من قبل الصهاينة وقرار تقسيم فلسطين ودخول الجيوش العربية لمحاربة الكيان الصهيوني، كذلك نراها قد ساهمت بشكل فاعل في المظاهرات الجماهيرية التي نددت بمعاهدة [بورت سموت] المعقودة بين حكومة صالح جبر رئيس وزراء العراق آنذاك وبريطانيا، وقدم الشعب العراقي فيها شهداء،. وعرفت هذه الموقعة بـ [وثبة كانون] 1948.
وبسبب هذا النشاط تعرضت الى الكثير من المضايقات والمراقبة البوليسية، فأخذت تنتقل الى العديد من محافظات العراق هرباً من عيون وملاحقة الشرطة السرية، حتى وفدت مدينة الرمادي فكانت محطتها الاخيرة قبل بغداد، في هذه المدينة قدمت اول اعمالها الفنية وهي مسرحية [زواج بالإكراه] من تأليفها واخراجها، مثلتها مع نخبة من طالبات المدرسة وبعض المعلمات، وقد تصدت هذه المسرحية لظاهرة مهمة في المجتمع العراقي الذي خيّم عليه الجهل والتخلف والمرض والفقر وأثارت حفيظة السلطة الحاكم حيث اعتبروها محرضة للنساء على العادات والتقاليد السائدة، فتعرضت بسببها الى القذف والتشهير وأبعدت عن مدينة الرمادي منفية الى ناحية -الشطرة- في محافظة ذي قار – ناصرية.
في العام 1958 حدثت ثورة 14 تموز واسقطت الملكية واعلنت الجمهورية، وكانت المناضلة [فخرية] يومها في مدينة الحلة وسمعت نبأ الثورة من المذياع, فغمرها الفرح وانطلقت مسرعة الى الشارع وخلعت عباءتها السوداء ووقفت من أحد مراكز الشرطة وصادف وجود أحد باعة [الشلغم] ولظرافتها المعهودة وفرحها بانتصار الثورة أخذت قبعة أحد رجال الشرطة ووضعتها على رأسها واعتلت عربة بائع الشلغم وهتفت للثورة ولقائدها الزعيم [عبد الكريم قاسم]. لقد حولت العربة الى خشبة مسرح وهي تهتف بسقوط النظام الرجعي الملكي وبحياة الزعيم والناس الثائرة من حولها يرددون نفس الهتاف الثوري، فكان يوماً سعيداً في حياتها السياسية.
مارست السيدة [فخرية عبد الكريم] الكتابة اولاً ثم القصة القصيرة والشعر ونشرتها في الصحف والمجلات الوطنية بأسماء مستعارة منها [زينب] وسميرة الفقراء، ولم تستطع جمعها في كتاب واحد، وبعدها كتبت التمثيلية الاذاعية، والفت للتلفزيون اربع تمثيليات (منعتها الرقابة من العرض) .
لقد كانت السيدة [فخرية] فنانة بالفطرة، فهي لم تدخل معهدا او كلية فنية متخصصة بل كانت روحها واحاسيسها رومانسية، احبت فن التمثيل وعشقته وفضلته على عملها الوظيفي، كانت تخزن طاقة فنية كبيرة وتفكر في طريقة اظهار هذه الطاقة الى العلن، وكانت لها رغبة جامحة في ممارسة التمثيل،, برغم ان الوضع الاجتماعي والثقافي في العراق لم يكن يسمح بأن تلعب المرأة العراقية دورها في المسرح والسينما لذلك عندما نشأت السينما العراقية في الاربعينات كانت تستعين بالمطربات العاملات في الملاهي لكي يلعبن ادواراً درامياً في السينما، وكان المسرح في بدايته هو مكان للتسلية في الملاهي الليلية وبعض منصات دور السينما، وكانت النساء اللواتي يلعبن ادواراً في تلك المسارح يعطين سمة للمسرح غير مقبولة لدى المجتمع العراقي، وكان العمل النسوي في المسرح يعطي فكرة غير لائقة في الحياة الاجتماعية العراقي, لذلك كانت الفرق المسرحية العراقية في بدايتها تعمل على تقديم المسرحيات التي تخلو من العنصر النسائي ويعتمد الكاتب المسرحي على شخصية نسائية واحدة، وقد اضطر بعض الممثلين الرجال الى ان يلعبوا دور المرأة الشعبية وبرز منهم مثلاً:عبد الجبار عباس الذي اشتهر بشخصية (ام علي) وكذلك الفنان (ناجي الراوي) رئيس فرقة الزبانية، ان سبب ذلك هو عدم وجود عناصر نسائية تعمل في هذا الوسط بسبب العادات والاعراف الاجتماعية وسيطرة العائلة بصورة قسرية، وإذا ما تجرأت المرأة وتحدث هذه التقاليد والعادات العشائرية فتعتبر منحرفة وخرجت عن الطريق ومنبوذة وربما تواجه اقسى من هذا [تغيرت النظرة هذه بتطور المجتمع والوعي الثقافي].
في مثل هذه الاجواء الاجتماعية الصعبة والمتخلفة, ظهرت الفتاة المثقفة [فخرية عبد الكريم] كممثلة اثبتت جدارتها وشجاعتها وجرأتها، واختارت لنفسها اسم [زينب] لأنه يحوي رنيناً موسيقياً جميلاً وأحست انه يصلح لمسيرتها الفنية أكثر من اسم فخرية، لقد فتحت السيدة [فخرية عبد الكريم] الباب الثقافي المسرحي ثم السينمائي امام المرأة العراقية الذي كان مغلق تماماً للأسباب المذكورة سابقاً وأدرك المجتمع العراقي والعائلة العراقية المحافظة ان هناك مسرحاً جاداً هادفاً هو غير مسرح التسلية في الملهى الليلي.
لقد احبت السيدة [فخرية] ان تكون فنانة وتدخل العمل الفني من اوسع ابوابه وتحطم الممنوع والجدار العازل الذي يقف امام المرأة. وصادف ذات مرة ان قرأت موضوعاً كتبه الفنان (يوسف العاني) في صحيفة الاخبارتحدث فيه عن أزمة الممثلة العراقية فأثار فيها الخبر قضية العمل كممثلة، وهي التي تخزن احساساً كبيراً بأنها ممثلة في داخلها وتنتظر من يفجر الابداع في داخلها، فكتبت رسالة طويلة للفنان الكبير يوسف العاني, تعلمه فيها عن استعدادها للعمل كممثلة، برغم انه لا صلة بينهما، لقد كان يوسف العاني يشكو من عدم وجود ممثلة تقاسمه البطولة في الفيلم العراقي الذي يتهيأ له مع المخرج كاميران حسني في فيلم سعيد أفندي.
انظمت بعد ذلك الى العائلة الفنية التي عملت على انتاج فيلم (سعيد أفندي) عام 1957. قرأت السيدة [فخرية] سيناريو الفيلم الذي اعطاه لها الفنان يوسف العاني، وأعجبت بالفكرة والهدف الذي يهدف له الفيلم..
لقد اختيرت زينب من بين عشر ممثلات؛ لتأدية دور البطلة الرئيسية في فيلم (سعيد أفندي) مع الفنان يوسف العاني، بإخراج: كاميران حسني، في ١٩٥٧ وعندها برزت كممثلة موهوبة، ويعتبر هذا الفيلم أول عمل جاد و ذا مستوى فنّي قدمته السينما العراقية.. وبعدها تغيّر اسمها الفنّي إلى (زينب) لكنّما اقتصر رصيدها السينمائي على التمثيل في فيلمين آخرين وهما: (أبو هيلة -1962) للمخرجين: جرجيس يوسف حمد ومـحمد شكري جميل، و(الحارس 1967) للمخرج: خليل شوقي.
ثم التحقت بفرقة (المسرح الفني الحديث) بدعم من الفنان يوسف العاني وتألقت في أداء أدوار عديدة على المسرح وأبدعت بشكل مؤثر وفعال، فلعبت دور البطولة في مسرحية (آني أمك يا شاكر) من تأليف يوسف العاني التي عرضت في قاعة الشعب عام 1958م بعد ثورة 14 تموز،, لقد أستمر عرض المسرحية شهورا وكان أداء زينب لدور أم شاكر مؤثراً وضعها في قمة ممثلات المسرح العراقي وكسبها حب العاملين في المسرح وجمهوره وأحدث هذا الدور نقلة مهمه في حياتها الفنية لازمها سنوات عديدة.
ثم قدمت العديد من الأعمال المسرحية، أبرزها مسرحية «النخلة والجيران» التي أخرجها الفنان الراحل قاسم محمد، واشترك بها العديدون من الفنانين العراقيين الكبار منهم: فاضل خليل وخليل شوقي وناهدة الرماح وآزاد وهي صموئيل ويوسف العاني وسليمة خضير وزكية خليفة، فقد كان نقلة مهمة في حياتها الفنية ؛ فمن من لا يتذكر (سليمة الخبّازة) في سجل الخالدين بالمسرح العراقي .وبعدها واصلت أدوارها التمثيلية الجادّة البارزة عبر هذه الفرقة في مسرحيّات: تموز يقرع الناقوس/ الخرابة/ الخان/ بيت برناردا ألبا ، التي حازت فيها على جائزة أحسن ممثلة في العراق.
لقد سجلت زينب حضورا وتأثيرا في المسرحيات (أهلاً بالحياة) ،(رسالة مفقودة) ، (الخال فانيا) ، (فوانيس) ، (الخان) ، (البستوگة) ، (الخرابة) ،(نفوس) ، (الشريعة)، (آنه أمك يا شاكر) ، ( تموز يقرع الناقوس)، ( قسمة والحلم) ، (الحصار) ، (النخلة والجيران) ، (شعيط ومعيط وجرّار الخيط) ، (الينبوع) ، (وحشة وقصص أخرى) ، (الأم) ، (مغامرة رأس المملوك جابر) ، ( بغداد الأزل بين الجدّ والهزل) ، ( سولف يا ليل) ، ( صور شعبية وصورة) ، ( فوانيس) ، (شفاه حزينة) ، ( ثورة الموتى) ، (المملكة السوداء) ، ( ست دراهم) ، (بيت برناردا ألبا) ، ( دون جوان) ، ( هاملت عربياً) ، ( أنا ضمير المتكلم)، (حلبجه الجريحة) و (سالفة أم مطشّر).
وفي مجال الإخراج أخرجت زينب مسرحيتين: (زواج بالإكراه) من تأليفها في النصف الأول من خمينات القرن الماضي؛ ولذا تُعد رائدة الإخراج المسرحي على المستوى العربي ، أمّا المسرحيّة الثانية فهي (دون جوان) لموليير.
أمّا في مجال التأليف فقد كتبت زينب العديد من المسرحيات منها: (ليطة) ، (الريح والحب) ، (تحقيق مع أم حميد) و(بائعة الأحذية).
وهكذا تكوّنت شخصيّة زينب الوطنية المعطاء الفذة عبر المسرح ، التي نذرت عمرها وفنّها لخدمة الشعب والوطن منذ صباها حتى رمقها الأخير؛ رغم كلّ الظروف القاهرة : فصل من الوظيفة ، تشريد ، اختفاء، سجن واغتراب عن الوطن ... أجل؛ فقد عُرِفَت إنسانة أصيلة طيّبة وفنّانة مثقفة شجاعة و عرّابة للعديد من الفنّانات المجايلة واللاحقة لها ؛ بدورها الريادي المشهود ، بل كان دورها ملحوظاً - في المدارس التي عملت فيها - بدفع وتشجيع طالباتها ، للمشاركة في المسرح وكانت تمثل لهن مشاهد تمثيلية ؛ فلا عجب إنْ تبوّأت منزلة راقية متميزة في المسرح العراقي، بلْ صارت رمزاً من رموز الفن والنضال والتفاني حدَّ توصيفها بجدارة واستحقاق لقب (فنّانة الشعب)
في عام 1978، مُنعت الفنانة زينب من دخول الإذاعة والتلفزيون ومنعت حتى كتاباتها من النشر؛ فاضطرت إلى مغادرة العراق في أوائل شهر كانون الثاني 1979إلى الكويت، ثمّ إلى لندن، حيث بقيت(60 يوماً) ثمّ سافرت إلى بلغاريا، حيث قضت فيها ثلاثة أشهر، وفي نهاية شهر تموز من السنة نفسها سافرت إلى عدن ، فعيّنت مستشارة فنية في وزارة التربية ومشرفة على إجازة التمثيليات التلفزيونية ...
وقد أسست هناك (فرقة الصداقة) المسرحية وتولّت رئاستها وأفلحت في لم شمل خريجي معهد وأكاديمية الفنون الجميلة في بغداد ممن اضطرتهم أجواء العراق إلى الهجرة.. وكانت باكورة أعمالها تقديم مسرحيّة (مغامرة رأس المملوك جابر) تأليف: سعد الله ونّوس وإخراج لطيف صالح، حيث عرضت على المسرح الوطني في عدن ومسارح أخرى وفي محافظة (أبين) ، ثم قدّمت الفرقة مسرحيّة ( ألام) التي أعدّها بريخت عن رواية غوركي الشهيرة، واشترك فيها لفيف من الممثلين وأخرجها الفنّان سلام الصگر، ثمّ قدّمت الفرقة مسرحية (غرف التعذيب) بإخراج سلام الصگر نفسه.
وفي منتصف 1981غادرت اليمن إلى دمشق، حيث عيّنت في وزارة الثقافة.. وأسست (فرقة بابل) المسرحية، التي ضمّت مجموعة كبيرة من الممثلين العراقيين.. وسرعان ما قدّمت مسرحية (الحصار) تأليف: عادل كاظم، وإخراج لطيف صالح، والتي لاقت نجاحا كبيراً، ثم مسرحية (ثورة الموتى) بإخراج سعد السامرائي.. ومن ثمّ تصاعد حراكها؛ فقدمت مسرحية (وحشة وقصص أخرى) من إخراج روناك شوقي، وقد عرض هذا العمل في مهرجان دمشق الدولي، كما قدمت مسرحية (قسمة والحلم) بإخراج سلام الصگر.
وخلال وجودها في دمشق قامت زينب بتأليف وتمثيل التمثيلية الإذاعية اليومية لإذاعة صوت الشعب العراقي.. وفي 1990 غادرت سوريا إلى بلغاريا للالتحاق بزوجها الحاصل بعثة لدراسة الدكتوراه، ثم توجهت إلى (ستوكهولم) عاصمة السويد في تموز 1990 ، ثمّ تنقّلت في مدن أخرى حتى استقر بها المقام في مدينة (يتبوري)، حيث أسست (فرقة سومر) المسرحية في منتصف 1991من الهواة وأصبحت زينب المديرة الفنية لها. وقدّمت باكورة أعمالها مسرحية (صور شعبية وصورة) في يوم المسرح العالمي من تأليفها، واستمر عرضها لثلاث ليال متتالية، كما قدّمت مشهداً من مسرحية (مغامرة رأس المملوك جابر) بعنوان (الجوع).. وبعدها عرضت الفرقة مسرحيّات: ( آنه أمك يا شاكر)، ( قارب في غابة) و( يا غريب اذكر هلك).
حين علمت بحقيقة إصابتها بـ (السرطان) ؛ جابهت مصيرها المحتّم بمعنويات عالية جداً وتحملت بصبر وصمت آلامها، بلْ كانت تمزح مع زوّارها .. ولم يكن الموت يرهبها ويرعبها، وإنّما كانت تصطلي بلوعة فراق الأحبة والوطن، وحرمانها من أنْ يحتضنها ثرى العراق جسدها المعذب..
كانت الفنّانة زينب رغم قسوة الغربة والمرض تتمنى العودة إلى العراق؛ ليكفّنها ثرى الوطن؛ لكن المنيّة وافتها في الغربة؛ و لمْ تكحّل عينيها برؤية الوطن، في (13 آب 1998) في منفاها بالسويد فارقت الحياة، حيث جرى تشييعها إذْ خرج لتوديعها حشد غفير من العراقيين بشتّى أديانهم وميولهم ، بالإضافة لعشرات الشخصيات والوجوه السياسية والثقافية والفنية من مختلف أنحاء العالم ..
في موكب مهيب لم تشهده السويد من قبل ؛ حيث تقدمت الموكب دراجتان ناريتان وسيارة خاصة لنقل نعش الفقيدة الملفوف بعلم عراق 14 تموز والمدثّر بأكاليل الزهور .. وقد ألقيت في المقبرة كلمات مؤثرة في توديع فنانة قل نظيرها، ألا وهي: (فنانة الشعب زينب).