بعد مضي ستة شهور على زيارة الرئيس اردوغان إلى القاهرة، يرّدُ الرئيس السيسي بزيارة مماثلة إلى أنقّرة .
تطوير العلاقات، وعلى مختلف الصعد، بين البلدين، اصبح ضرورة، تفرضها ليس فقط مصالحهما، و انما أيضاً التغيرات و التطورات الدولية و الشرق الاوسطيّة .
العائق الكبير، والذي كان خلف تدهور العلاقة بينهما، تمتْ أزالتهُ، و اقصد الموقف المتناقض لكلا البلدين ازاء حركة اخوان المسلمين، تأكدت مصر من انتصار البرغماتية و المصالح على الايدولوجية في تركيا . أدرك الرئيس أرودغان حقائق، و استلهم عِبرْ من ما مضى من وقائع، فأستدارَ نحو المصالح والمنافع لتركيا و لحزبه ولدوره السياسي .
ومن المؤشرات على هذا الإدراك و الاستلهام هو الخطوات الجّادة نحو أعادة العلاقات مع سورية، و المفترض أن تتّوج بلقاء قريب جداً لوزيري خارجية كلا البلدينً، ثّمَ لقاء رئاسي . وكلا اللقاءين متوقفان على خارطة انسحاب تدريجي للجيش التركي من الأراضي السوريّة، و تعديل اتفاق أضنة الموقع بين تركيا و سوريّة عام 1998 . وكلمّا قصرت المسافة بين تركيا و روسيا، بين تركيا و إيران، بين تركيا و سوريّة، بين تركيا و مصر، بين تركيا و العراق، بَعُدت المسافة بين تركيا و إسرائيل، بين تركيا و امريكا، بين تركيا و الغرب .
التقاربات التي نشهدها بين دول المنطقة، فيما بينها، بينها وبين روسيا، هي أيضاً من نتائج وأثار عملية طوفان الأقصى.
ليس فقط شعوب المنطقة و العالم ادركو كذب وخداع امريكا و الغرب في تبنيهم و ترويجهم و توظيفهم لقيم الحريات و العدالة و حقوق الانسان و الديمقراطية، و انما قادة دول المنطقة ادركوا ذلك أيضا . ادركوا مدى استهانتهم بدماء الأبرياء و تماديهم بجرائم الابادة ضّدَ شعوب المنطقة و المسلمين، ادركوا بأنَّ امريكا و عظمتها هما تحت تصّرف نتنياهو، فعلام الخضوع و الاستمرار، في المدار الأمريكي، دون تحفظات و دون مبادرات و توجهات نحو سياسات لصالح دول وشعوب المنطقة، حتى و إنْ استفزت او اغاضت امريكا ؟
صحيح ان لمصر علاقات تعاون سياسي و امني و اقتصادي، وعلى مستوى جيد، مع امريكا، وكذلك و اكثر بين تركيا و امريكا، كون تركيا ثاني اكبر دولة في حلف الناتو، ولكن هذا العلاقات لن تبدّدْ حذر امريكا من كلا البلدين، وتخوفها من تطوير العلاقات، والتحالف بينهما، وقد ينشأ التحالف ويتطور بين مصر و تركيا ويصبح نواة لتحالف اكبر، تنظم اليه دول اخرى في المنطقة، وبرعاية روسية او سعودية او إيرانية.
تطّور العلاقات المصرية التركية تحت مراقبة ومتابعة الجميع: امريكا و اسرائيل و الغرب ودول افريقية يراقبون و يتابعون، روسيا والسعودية وإيران وسوريّة والعراق ودول الخليج تتابع و تراقب، حركات المقاومة في غزّة، هي الأخرى تتابع وتراقب وتنتظر من دولتين إسلاميتين كبيرتيّن في المنطقة، الجميع يراقب ويتابع، بعضهم يأمل والبعض الآخر يتخوف ويحذّر، لما للدولتيّن من ثقل و حضور سياسي وامني واقتصادي اقليمي ودولي.
نجاح و تطور العلاقات بينهما والوصول بها (واقصد بالعلاقات) إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي مرهون بأمريّن: الأمر الاول هو سعي و قدرة البلدين على ادارة و رعاية مصالحهما خارج حدودهما، مثل ما نعلم، لتركيا حضور عسكري مباشر او غير مباشر، في ليبيا و في الصومال وفي السودان، ولمصر ذات الحضور كذلك، التي ارسلت تواً عشرة آلاف جندي مصري إلى الصومال، نصفهم بتصرف بعثة الاتحاد الأفريقي المعنية بحفظ الامن والاستقرار، والنصف الآخر على الحدود الصومالية الإثيوبية. وكلما توافقت او تلاقت مصالح البلديّن في الدول المذكورة، تطورت اكثر فأكثر العلاقات بين مصر وتركيا.
بين مصر والسودان من جهة و إثيوبيا من جهة اخرى مشكلة سّد النهضة، والتي لها ابعاد اقتصادية وسياسية و عسكرية خطيرة، ولتركيا علاقات متميزّة وتأريخية مع إثيوبيا، و اكثر من 200 شركة تركية استثمارية عاملة و فاعلة في إثيوبيا اليوم . هل ستساهم العلاقات الإثيوبية التركية في تهدئة الأزمة أو في حلّها بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى؟
الأمر الثاني هو قدرة كل من مصر و تركيا على تفادي الوقوع في فخ إسرائيلي او صهيوني يستهدف تقويض العلاقات بينهما، من خلال التدخل في ملفات البلديّن ومصالح البلدين، و اثارة الفتن و الخلاف بينهما، هنا وهناك، في السودان او في الصومال أو في ليبيا او في إثيوبيا مثلاً .
تطوير العلاقات وديمومتها ستكون لها ابعاد ايجابية كبيرة، وجاذبة لتأسيس تحالف اقليمي، وبتشجيع من روسيا و الصين، ليضم المملكة العربية السعودية و ايران و العراق و سوريّة، لاسيما وبين هذه الدول المذكورة علاقات بينيّة مثمرة.
نجاح العلاقات البينية وتطورها بين دول المنطقة هو السلاح السياسي و الدبلوماسي لردع إسرائيل في توسعّها و اطماعها في المنطقة. العلاقات المصرية التركية، وتليها العلاقات المصرية الإيرانية عناصر قوة لمصر تجاه عربدة و استهتار إسرائيل في غزّة و في محور فيلادلفيا .