رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
نظرية المجال العام في حاضنة الأوليغارشية- القبلية


المشاهدات 1216
تاريخ الإضافة 2024/09/03 - 8:58 PM
آخر تحديث 2024/09/14 - 8:07 PM

امسى الهرم الديمقراطي الذي يسبغ الحياة السياسية العامة في بلادنا ،سواء في مركباته الفوقية او التحتية ، وليد لتنامي اندفاعات قوة ارث قبلي تمدد داخل السلطات المكونة للبنية الفوقية السياسية political superstructure او ( البناء الفوقي السياسي )عبر توافقية تتقاسم فيها عوامل القوة والثروة في آن واحد .
اذ اخذت معالم ذلك البناء الفوقي تتحدد تحت مسمى ( المحاصصات في تقاسم النفوذ) من دون ان تتخلى تلك القوى المتحاصصة عن مستويات تصلبها القبلي والمعتقدي لمصلحة الانخراط في الحياة الديمقراطية وفضاءها العام .
فالديمقراطية ذات التدافع الريعي القبلي ،تحذوها دوافع وفواعل لاتنفك عن ثنائية (السلطة والثروة ) في خضم ادارة مسار الحياة الديمقراطية ،المنغمسة في عالم الريع وميكانزيميات توليد الثروة المتسارعة .
فاذا كان المجال العام Public Sphere هو مفهوم يشير إلى الفضاء الاجتماعي الذي يتفاعل فيه الأفراد ويتناقشون حول القضايا العامة والمشتركة التي تهم المجتمع.
ففي هذا المجال، يتم تداول الأفكار والمعلومات بحرية ، فضلاً عن مناقشة السياسات والقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حسبما اعتقد به فيلسوف المانيا يورغن هابرماس Jürgen Habermas وهو احد اهم منظري مدرسة فرانكفورت النقدية في كتابه “التحول البنيوي للمجال العام” (The Structural Transformation of the Public Sphere) الذي نُشر عام 1962 ، وهو صاحب نظرية الفعل التواصلي ، الذي عد المجال العام مكاناً مهماً للنقاش العقلاني والتداول الديمقراطي، حيث يتيح للمواطنين المشاركة في العملية السياسية من خلال الحوار والنقاش وتشكيل الرأي العام.
الا ان المجال العام في واحدة من المنظومات الطرفية المشرقية للنظام الراسمالي ، تأخذ مساراً آخر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعد المجال العام تفضيلاً ثانياً second best في مجتمعات الديمقراطيات المشرقية الناشئة ، والتي تحكمها ثلاثية اساسها ( القبيلة والغنيمة والعقيدة ) ليمسي مكان الحوار الديمقراطي مجالاً يضيق بالزوايا الخاصة المقيدة له .
اما على مستوى البنية التحتية Infrastructure الاجتماعية والاقتصادية ،نجد ان البناء الفوقي في قبليته الديمقراطية يتفاعل بشكل سالب ليتخذ تمدده داخل آليات نظام السوق ومؤسساته ( عموديا) ،حيث تمتزج مصالح البنية الفوقية مع مصالح السوق في هارمونية النفوذ والسلطة الخالية من الفضاء العام بغية صناعة الريوع الكامنة وتعظيم الارباح منها في آن واحد.
وفي هذا الاطار تصدى المفكر السياسي ابراهيم العبادي الى قضية المجال العام وللمرة الثانية في مقاله الذي اخذ عنوانا : إحتكار المجال العام في العراق (2) :اذ يقول العبادي بهذا الشأن: ((من مصاديق احتكار المجال العام كثرة الخطوط الحمر والمقدسات (السياسية )للقوى الايديولوجية ،فلا احد يستطيع النقاش الهاديء الحر مع هذه القوى بشأن مقولاتها الكبرى ،لانها ستصنفه على لائحة الخصوم الخطرين الذين قد يتحولون الى مائدة للالتهام .
المجتمعات المغلقة لاتستطيع قبول الاراء لانها لم تمر بفترة استنارة كافية ،والتنوير الذي يحتاجه العراق يستلزم اضواء كاشفة تنير المناطق المظلمة والمعتمة وهي كثيرة تبتدأ بالعقل ولاتنتهي بالثقافة والسياسة )).
وهكذا نرى ان المعتقدات السائدة التي تحيط المجال العام هي صنيعة ايديولوجيات عصبية موروثة تلامس سراب الديمقراطية في البناء الفوقي .
فبين غنيمة السلطة وريوعها وبين الهرمية القبلية والإيديولوجيات المستبدة الموروثة منها، يضيق المجال السياسي والثقافي العام ويحتكر في مسالك هرمية قوامها السلطة القبلية وتقاسم الثروة الريعية .وهو تحول متمدد يقود الى تشكيل (عمودي ) يولده البناء الفوقي و يضم بين اجنحته ( محاصصة السلطة والثروة ) دون الاخلال في الهرميات القبلية الديمقراطية التوافقية) .
وهكذا امست الهرمية القبلية في ديمقراطية السلطة تتحالف وتتمدد ( عمودياً) بالتوافقية نفسها مندفعة في تقاسم مؤسسات السوق و بالنفوذ القبلي والأيديولوجي نفسه، والتهديد بممارسة السلطة القبلية الساكنة في مركبات البناء الفوقي عند تسيير انظمة السوق ، في تحالف شديد الهجينية قوامه ( قوة السوق زائدا قوة القبلية السياسية).
وهنا يقيد المجال العام ثانية (بالاولغارشية القبلية - tribal oligarchy).
وهنا ، تبقى الأوليغارشية القبلية نمط من انماط تشكيل البنى في الديمقراطيات الريعية عبر تقاسم السلطة والثروة بين البنيتين الفوقية ( محاصصة السلطة) و التحتية في (تقاسم السوق الوطني)
مختزلةً بذلك الفضاء العام الثقافي والديمقراطي والسياسي عبر مسالك البنيتين وتلازمها المغلق.
فالبنية التحتية في ذلك التلازم هي نتاج مايسمى ( محاصصة السوق) و البنى الفوقية هي نتاج (محاصصة السلطة) .
فبين فضاءات البنيتين يضيق فضاء المجال العام ويدخل حيز ملون شديد الضوضاء في محتوى معادلة ديمقراطية خطية هشة ثوابتها الأوليغارشية- القبلية تتجه نحو استدامة تركيز السلطة بيد قلة قليلة من قوى المحاصصة .
نقلا عن « الحوار المتمدن»


تابعنا على
تصميم وتطوير