ظافر جلود
ايقونة خالدة المعلم المعرفي والفنان المخرج العبقري ,, بل والممثل القامة العمود التي علقت عليه خامات الابداع والتألق.. سامي عبدالحميد الذي لايزال يتظلل به المسرح العراقي من جيل لأخر ويكتب له تاريخ مجيد ذو اثر ، فقليلون هم المسرحيون الذين حافظوا على وهجهم، وكانوا مدارس تعليمية مستمرة لكل الأجيال، ولم تغلفهم الكلاسيكية، أو تغيبهم المرحلة, لا بل إن هذا القليل من المبدعين حافظ على أدائه الابداعي حتى آخر رمق من الشيخوخة، وظل متوهجاً في العطاء، وساحراً في الأداء، وراهباً في منح المعنى معنى آخر من الفخامة والهيبة.
هو عميد المسرح الأكاديمي بالعراق، مثلما هو عميد المسرح الشعبي، هو شيخ المجربين يمتلك ارث شكسبير في أعماله التي يقدمها والتي تتشاطر بين الحوارات وبين المونولوج.» في أداء سامي عبد الحميد المسرحي ميزات مختلفة عن الآخرين، إنه ممثل استطاع أن يخترق نسيج العرض المسرحي والسلوك التقليدي فقد شطر المسرح إلى الصورة والحوار، وهو رجل ذو بلاغة تلقائية نراها لو تتبعنا أعماله وأعمال شكسبير.، ولا يبتعد دور عبد الحميد الفني عن دوره الإنساني، إنه رجل المواطنة والحضارة والمدينة فحين يذهب الى الخارج يزداد سعة وأفقاً وهو من النخب التي عاشت وارتقت بذاته وبمن حوله من الفنانين مع جيل الرواد أمثال إبراهيم جلال، ويوسف العاني وآخرين.
سامي عبد الحميد (1928-2019) هو كاتب وممثل ومخرج عراقي من مواليد السماوة عام 1928، وهو أستاذ متمرس في العلوم المسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد ، لقب «بعميد المسرح العراقي» .ولد في مدينة السماوة جنوب العراق ، والده عبد الحميد كان مديرا للمال في الحكومة العراقية، كانت المرة الأولى التي اعتلى فيها خشبة المسرح في مدينة تكريت، عندما كان طالبا في متوسطة التفيّض الأهلية بعد أن لعب دورا في مسرحية «البخيل» للشاعر الفرنسي موليير، ولبراعته أكمل دراسته الإعدادية في مدينة الديوانية، وأكمل الحقوق في بغداد، درّس العلوم المسرحية في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، حاصل على ليسانس الحقوق ودبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن وماجستير في العلوم المسرحية من جامعة أوريغون في الولايات المتحدة.
شغل منصب رئيس اتحاد المسرحيين العرب وعضو لجنة المسرح العراقي وعضو المركز العراقي للمسرح ونقيب سابق للفنانين العراقيين، وعضو في لجنة المسرح العراقي، وعضو في المركز العراقي للمسرح.
كان سامي عبد الحميد هو العارف والمتبصر في تقديم عروض تحفظها الذاكرة المسرحية من أفئه النسيان، فقدم أهم التجارب المسرحية العراقية إخراجاً أهمها: (ثورة الزنج، وملحمة كالكامش، وبيت برناردا، وألبا، وأنتيغوني، والمفتاح، وفي انتظار غودو، وعطيل في المطبخ، وهاملت عربياً، والقرد كثيف الشعر). كان يعي ما يريد عبر طرح هذه القضايا مسرحياً، وهو الباحث عن وعي المجتمع وتحفيزه نحو المجتمع المثالي المفترض، حتى في الأعمال التي لم يكن فيها مخرجاً كانت له بصيرته الابداعية في قبول أي من الأدوار التي تبقيه خالداً في وجدان المتفرج، فمثّل في أهم الأعمال المسرحية وهي: مسرحية (النخلة والجيران) ومسرحية (بغداد الازل بين الجد والهزل) ، للمخرج المسرحي الراحل قاسم محمد، وأيضاً ومسرحية (الإنسان الطيب) للمخرج المسرحي الراحل عوني كرومي. والملك لير للمخرج الدكتور صلاح القصب.
لقد ظلت أعمال الفنان القدير سامي المتزاحمة في افكارها أشكالها تعبر عن تجربة عراقية حائرة طبعت حياة العراقيين، طوال أكثر من نصف قرن بسبب التقلبات السياسية العراقية المجنونة والتي دفع ثمنها العراقيون بشتى شرائحهم لقد امتلك عبد الحميد موهبة وعقل تحليلي، ما دفعه للبحث عن مناطق أخرى لتحقيق أحلامه المسرحية الكبرى فكانت إسهاماته المؤثرة في مجالات: البحث، التدريس، النقد، التنظير، التمثيل والإخراج المسرحي.. وذلك لم يتحقق لمخرج مسرحي عراقي كما تحقق لعبد الحميد دون سواه سواء من جيل الريادة الأول أو الثاني أو أجيال ما بعد الريادة. تنقلات عبد الحميد بين المناهج المسرحية وفق هذا التصور كانت ضرورية بالنسبة للأجيال التالية من المخرجين.. كان سامي عبد الحميد يحاول في تجاربه المتعددة أن يكتشف ضمن منطق الضرورات ولعل تجارب من قبيل: هاملت عربياً، المفتاح، تموز يقرع الناقوس، بيت برناردا ألبا، ثورة الزنج، إلى إشعار آخر، عطيل في المطبخ إلخ تعد اليوم علامات مهمة في تاريخ مسرحنا العراقي، وكل علامة من تلك العلامات كانت قد اشتغلت، ضمن نظم الأداء الصوري الإخراجي، على أشكال ورؤى قد تكون متناقضة.
ففي “مسرحية “غربة” التي تحكي باختصار غربة المثقف واغترابه إذا صح التعبير، مسرحية منودراما لمدة 40 دقيقة مستمرة من بطولته وهي من تأليف جمال الشاطئ وإخراج الفنان كريم خنجر. ما لفت إليها الأنظار “كيف لممثل بهذا العمر يقوم بهذا الدور المرهق وينجح” هذا ما أذهل النقاد والجمهور إضافة إلى القيمة الفكرية للمسرحية. وهناك “أغنية التم” لتشيخوف هي تجربة منودراما أخرى قدمها عدة مرات، الأولى كانت من إخراج االراحل إبراهيم جلال عام1956 لفرقة المسرح الحديث قدمت على قاعة الشعب “قاعة الملك فيصل آنذاك”، ثم أعاد تقديمها عام1976 بإخراج الفنان “قاسم محمد” على مسرح بغداد ثم على قاعة منتدى المسرح، ثم قدمت بثلاث مدن ايطالية عام 1998 برؤية الفنانة عواطف نعيم وإخراج الفنان عزيز خيون، وبعنوان مختلف هو” أبحر في العينين”. وآخر مرة قدمت “أغنية التم” في الشارقة عام 2000
أنتمى إلى فرقة المسرح الحديث، والتي أسسها إبراهيم جلال، يوسف العاني وسامي عبد الحميد ومجموعته كان معظم عناصرها من الطبقة المثقفة يوسف العاني من خريجي كلية القانون ويحملون أهدافا وأفكارا معينة، كانوا يؤمنون أن المسرح وسيلة للتوجيه والتوعية، ونقدا لما هو سلبي في المجتمع والسلطة وليس وسيلة للتسلية وحسب·· وبدوا يبحثون عن جمهور جديد غير جمهور الجامعة وتوسع جمهورهم عدديا عبر السنوات، في البداية كانوا يقدمون العرض لليلة أو اثنين وينتهي الأمر، وإذا بهم في بعض العروض كمسرحية ”النخلة والجيران” التي أعدها وأخرجها الراحل، قاسم محمد، عرضت أكثر من شهرين، وفي سنة 1969 استأجروا بناية خاصة سميت «مسرح بغداد» وأصبحت مقرا لمسرحهم، وأصبح الناس يأتون من المحافظات المجاورة بالحافلات يشاهدون العروض ويعودون في الليل، ومسرح بغداد مازال موجودا إلى اليوم لكنه مدمر.
كانت فرقة المسرح الحديث من وقت تأسيسها في عام 1959، تجمع ابرز المسرحيين المتخرجين قديما وحديثا من معهد الفنون الجميلة، فشارك هو في أغلب أعمالها في الإخراج والتمثيل. ألّف عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: فن الإلقاء، وفن التمثيل، وفن الإخراج. وترجم عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: العناصر الأساسية لإخراج المسرحية لألكسندر دين، وتصميم الحركة لأوكسفورد، والمكان الخالي لبروك. كتب عشرات البحوث من أهمها: الملامح العربية في مسرح شكسبير، والسبيل لإيجاد مسرح عربي متميز، والعربية الفصحى والعرض المسرحي، وصدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي.
في البداية كان سامي عبد الحميد والرواد الأوائل ممن معه عانوا من فقر المكتبة للنصوص المسرحية المحلية، لم تظهر نصوص تغري المخرجين أو تصل إلى المستوى الفني العالي كما في النص العالمي، وهذا جعل التوجه إلى اليها، لكن في بداية الستينيات ظهر عدد ولو قليل من المؤلفين أمثال يوسف العاني، عادل كاظم، نور الدين فارس، طه سالم·· خلقوا بصمة، وحفزوا مخرجين الذين كانوا يتركون النصوص العراقية في البداية والبحث عن أخرى أجنبية مترجمة لاعتقادهم أنها مكتملة، وبها عناصر دراما راقية، ولكن لما ظهرت هذه الأسماء التي اخذت على عاتقها تقديم نصوص محلية ذات نكهة عراقية جلبت الانتباه .
يقول سامي عبد الحميد في مداخلة له « على سبيل المثال أنا كنت أخرج نصوصا ليوسف العاني محلية أي تتحدث عن المجتمع العراقي، بعدها أعطاني المؤلف عادل كاظم نصا بعنوان” تموز يقرع الناقوس” يحكي عن أسطورة عراقية قديمة، فتموز مع حبيبته أرنيني يتفقان على أن يضعا قلبيهما في مادة لصنع الجرس وعندما يدق هذا الجرس تحدث الثورة ويتغير النظام، عندما قرأته دهشت ومباشرة قررت أن أخرجه، والسينوغرافي الذي عمل معي ضياء العزاوي أيضا عراقي من أهم الرسامين، واشتغل الديكور بألواح تحيلنا على الآثار لكنها تنبض بالحياة «.
ومنذ ذلك الحين بدأت تتشكل ملامح المسرح الأولى، وفي هذه الفترة قدم يوسف العاني نفسه بعد أن كان يكتب نصوصا بسيطة، كتب مسرحية اسمها ”المفتاح” قدمت في بغداد، ثم في بالجزائر بعنوان ”الخربة” مع فرق الزمن الذي كتبت فيه، لكنها تتميز بالمستوى العالمي، وبذلك دخل المسرح الملحمي، وهكذا حدث التحوّل من النص الأجنبي إلى النص المحلي· النقطة الثانية في تحولات المسرح العراقي كانت أيضا بالستينيات التي تعتبر الفاصلة بالنسبة للمسرح العراقي، حيث كان المسرحيون في منتصف الخمسينيات وإلى غاية بداية الستينيات مقلدون للمسرح المصري، فكانت تأتي فرق زائرة إلى بغداد كفرقة يوسف وهبي وفرقة جورج أبيض·· وغيرها، فأخذوا يقلدون هذه الفرق في كل شيء، ولكن بعد أن ذهب مجموعة من خريجي المعهد العالي للفنون الجميلة في بعثة إلى الولايات المتحدة جاءوا بمعرفة وتقنيات لم يكن يعرفها المسرح ووقتها تغير شكل العمل المسرحي·
اما النقطة المهمة، والتي جعلت المسرح العراقي أكثر تفتحا وأكثر حيوية، ومن المسارح العربية المتقدمة، أن معظم المخرجين درسوا في أماكن مختلفة روسيا، الولايات المتحدة، إنجلترا، اليونان، هذا ما خلق ثراء معرفيا وتطبيقيا في المسرح العراقي الذي تحول العرض فيه من تقليد ساذج للفرق المصرية إلى رؤى وتقنيات انعكست في الأعمال التي قدمها من درّسونا من المخرجين الأوائل أمثال إبراهيم جلال، جعفر السعدي وجاسم لعبودي وفاضل خليل وعوني كرومي ومحسن العزاوي وصلاح القصب··· وغيرهم، وهناك نقطة مهمة في تحولات المسرح العراقي وهي ظهور الفرق المسرحية، فإلى جانب تأسيس فرقة المسرح الوطني أو كما سميت ”الفرقة القومية للتمثيل”، وفي الحقيقة كان لسامي عبد الحميد دورا بالتأسيس غير الرسمي في العام 1964 وقدمت إلى غاية 1967 أربع مسرحيات مهمة ”تاجر البندقية لشكسبير، انتيغوني، الحيوانات الزجاجية، النسر له رأسان” ومن شاهد هذه المسرحيات او كتب عنها نقدا في الصحف آنذاك ، أكدوا أنها لا تختلف عن أي عرض يقدم في الخارج، وبعد ذلك جاء التأسيس الرسمي لفرقة المسرح الوطني سنة 1968 وضمت عدد كبير من الممثلين والمخرجين لديهم تنوع بالرؤى ومعارف كبيرة.
ولم ينسَ يوماً استاذنا ومعلمنا سامي عبد الحميد أن الكتابة حفظت للسومريين والبابليين والآشوريين والفراعنة تاريخهم، فراح يكتب ويبحث ويقدم تجربته على ورق، فألف كتباً عدة منها: (فن الإلقاء، وفن التمثيل، وفن الإخراج) , فيما ترجم عدة منها: (العناصر الأساسية لإخراج المسرحية لألكسندر دين، وتصميم الحركة لأوكسفورد، والمكان الخالي لبروك)، وفيما كتب عشرات البحوث من أهمها: (الملامح العربية في مسرح شكسبير، والسبيل لإيجاد مسرح عربي متميز، والعربية الفصحى والعرض المسرحي، وصدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي). حضوره الساحر في المسرح والسينما والدراما، كانت جواز سفره للمشاركة في مهرجانات مسرحية عدة، ممثلاً ومخرجاً أو ضيفاً منها: (مهرجان قرطاج، ومهرجان المسرح الأردني، ومهرجان ربيع المسرح في المغرب، ومهرجان كونفرسانو في إيطاليا، ومهرجان جامعات الخليج العربي، وأيام الشارقة المسرحية).
لذلك تمسك سامي عبد الحميد بخلود أعماله وأصبح من العصيين على النسيان والذي بقي لآخر لحظات عمره يقدم درساً مستمراً للأجيال في تحقيق المعادلة الشكسبيرية (أكون أو لا أكون)، فكان على الدوام هو الساحر والمعلم والمتجدد, فهذا الراهب الكبير في المسرح العراقي بات ظاهرة مسرحية تجد وتجتهد كثيراً؛ كي تلحق بها إبداعياً أو قد لا تلحق, فكيف عاش؟ وما هي مسيرته التي صنعت منه ذلك الساحر والراهب بامتياز؟ هي ما يجب أن يقتفيها كل مشتغل في المسرح؛ كي يتعلم كيف يكون أو لا يكون.
يتذكر الراحل الكبير “سامي عبد الحميد” تلك السنوات وهو في ريعان شبابه عن المسرح فيقول : “كنت جنديا من جنود المسرح، مازلت في الحقيقة أكافح، أحاول أن أجد طريقي، لكي أثبت إمكانياتي، أثبت معرفتي، اكتشفت بعد سنين طويلة أن ثقافتنا المسرحية كانت فقيرة جدا، ولكن في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي بدأت أذهاننا تتفتح على المعارف والثقافات، وكان لمجلة ”المسرح” المصرية دورا في هذا، ازداد هذا التفتح بالنسبة لي عندما درست المسرح في لندن، بل أكثر من هذا عندما ذهبت إلى الولايات المتحدة إلى جامعة هوريغن ودرست المسرح للحصول على شهادة الماجستير، هناك اكتشفت مدى الفقر في الثقافة لدينا، آنذاك شعرت أن حتى الأساتذة الذين درّسوني في بغداد ثقافتهم كانت جدا جدا فقيرة بالرغم من ممارساتهم النظرية والتطبيقية، فعلى سبيل المثال أستاذنا الراحل، حقي الشبلي، درس المسرح في باريس وجاء منها في بداية الأربعينيات وأسس في معهد الفنون اختصاص للتمثيل والمسرح، ومن خلال تدريسه وتدريبه كنت أشعر أنه مثقف، لكن الآن عندما أسترجع الأمور أقول إنه لم يكن يمتلك ثقافة مسرحية، يمكن أن تكون لديه خبرة من خلال التطبيقات والتجربة جعلته يعرف كيف يقف الممثل على خشبة المسرح وكيف يلقي بشكل صحيح·· أما التنظير فلا يوجد شيء، فعلى سبيل المثال لا أتذكر في يوم من الأيام أنه ذكر الموسيقار “فاغنر” وأثره في المسرح، أو ذكر الدوق “ساكس ما ينغل” ودوره ودور فرقته في المسرح، لا أتذكر حتى أنه أشار إلى “ستانسلافسكي”، هذا الاسم الذي عرفناه بعد أن عاد بعض المبعوثين من الولايات المتحدة مثل “إبراهيم جلال”، “جاسم العبودي”·· وإذا بهم يقولون إن هناك طريقة تسمى طريقة” ستانسلافسكي”، واكتشفت أنني عرفت بهذه الطريقة قبل أن يأتوا بها هم، بترجمتي لكتاب “ديفد ماغرشاك” عن الطريقة ونشرته في سلسلة بمجلة السينما التي كانت تصدر في بغداد سنوات بين 54 و56، والحقيقة أنني ترجمته، ولم أكن أعرف ما هي هذه الطريقة.
ويواصل: “وهنا أرجع وأقول أنني اكتشفت هذا الفقر في الثقافة عندما درست الماجستير في جامعة هوريغن وذهبت إلى المكتبة، وكنت أريد أن أخرج مسرحية كتبها مؤلف عراقي ، فذهبت إلى مكتبة الجامعة واكتشفت أن هناك رفوفا عديدة حول المسرحية والكاتب، ومن هنا امتد بحثي إلى أمور كثيرة، وبدأت أفكر في كيفية نقل هذه المعارف إلى طلبتي، حيث سبق وأن قمت بترجمة أول كتاب في الإخراج المسرحي ”أسس الإخراج المسرحي” لألكسندر دين، وهو واحد من علماء الإخراج المسرحي في العالم، وترجم هذا الكتاب بعد ذلك بسنوات في مصر، وهكذا رحت أؤلف العديد من الكتب في فن التمثيل وخصوصا في فن الإلقاء”·
أعمال أبقت سامي عبد الحميد عصياً على النسيان دوماً، وفي رحلته مع المسرح والتلفزيون ، كان هو ذاته ذلك الفنان المتبصر في قبول الأعمال السينمائية التي تبقى في ذاكرة المتفرج دوماً، ولا تغادر مخيلته، فكانت مسيرته مع فلم (من المسؤول؟ - 1956) إخراج عبد الجبار ولي، وفيلم (نبوخذ نصر 1962) إخراج كامل العزاوي، وكان أول فيلم عراقي ملون. وفيلم (المنعطف 1975) إخراج جعفر علي، وفيلم (الأسوار 1979) إخراج محمد شكري جميل، وفيلم (المسألة الكبرى 1982) أيضاً من إخراج محمد شكري جميل، وفيلم (الفارس والجبل 1987) إخراج محمد شكري جميل، وفيلم (كرنتينا) للمخرج الشاب عدي رشيد. ومن يتابع بتمعن رحلته مع التلفزيون، يعرف أننا أمام عقلية فنية نتحدث, ففي التلفزيون المساحة الأخطر على الفنان عرف كيف يحجز مقعده في ذاكرة الدراما، فاختار بتمعن وبصيرة ادواره التي اتسمت بدقة الاختيار والتأثير في مسلسل (النسر وعيون المدينة) عام 1983، وفي مسلسل (رجال الظل) عام 1997، وفي مسلسل (أبو جعفر المنصور) عام 1998.
لم تكن الجوائز مبتغاه، بل كان العطاء غايته ومنتهى مناه، إلا أن مسيرته سجلت حصوله على الكثير من الجوائز والأوسمة منها: (جائزة التتويج من مهرجان قرطاج، ووسام الثقافة التونسي من رئيس جمهورية تونس، وجائزة الإبداع من وزارة الثقافة والإعلام العراقية، وجائزة أفضل ممثل في مهرجان بغداد للمسرح العربي الأول، وجائزة التجريب من مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة, وآخر تكريم له هو اطلاق شرف اسمه على مهرجان محترف ميسان المسرحي الدولي أونلاين 2020).
توفي “سامي عبد الحميد”، صباح الأحد 29 سبتمبر 2019 عن عمر ناهز الـ 91 عاماً، بعد صراع مع المرض.