رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
حكايات الدرويش طه جزاع و شيخه مع الحلاج


المشاهدات 1790
تاريخ الإضافة 2024/08/27 - 7:52 PM
آخر تحديث 2024/09/20 - 9:35 AM

 عدنان سمير دهيرب
ليس يسيراً على الباحث الولوج الى عالم التصوف و الكتابة عن فضاءاته الروحية قبل الايمان بتلك العوالم و معرفة مراحل التربية الصوفية و أحوالها و الاطلاع على حياة و مفاهيم أقطابها المكتنزنة بالإيمان و الزهد و المحبة و النقاء و اليقين بالتواصل مع الله .
تلك المقدمات إكتسبها الدكتور طه جزاع بالدراسة و التنقيب الفلسفي على مدى نصف قرن طالباً و إستاذاً لإنتاج هذه الإضاءة و السياحة الفلسفية و الصوفية في تاريخ الاسلام , أوجزها مع تلمس الاستفاضة في كتابه حكاية الدرويش و الحلاج .
إذ وظف الحكاية بمهارة و لغة شائقة في إيصال أخلاق الصوفية و فهم منهجهم من خلال سيرة شيخه أستاذ الفلسفة الدرويش كامل مصطفى الشيبي الذي يعتقد أن كل واحد من المتصوفة لابد أن يمر بسلسلة من التهذيب و التربية و التصفية و التطهر تتغير بمقتضاها طباعه الانسانية المعتادة الناقصة الى طباع أصفى و أنسب للحياة الروحية التي يقبل عليها  , و عليه أن يمارس رياضة روحية سباعية المراحل أو تساعيتها تسمى المقامات أشهرها الآتي : التوبة / الورع / الزهد / الصبر / التوكل / الرضا . و يستبدل بها أو يضاف اليها الآتي في النطاق التربوي السباعي أو التساعي : الشكر / الرجاء / الخوف / المحبة أو الحب / التقوى / الاخلاص / اليقين / الارادة / الطاعة / مقام الصالحين / الولاية – الصداقة / القرب ص60.
لم تكن الحكاية لأغراض التسلية أو ذكر وقائع تأريخية تختلط فيها الاسطورة  و الحقيقة , و إنما سيرة واقعية لطالب و أستاذ فلسفة , الأول أصبح أستاذاً للفلسفة في جامعة بغداد و كاتباً صحفياً بارزاً على مدى خمسة عقود مضت , تأثر بأستاذه كامل الشيبي علماً و إنساناً ليسطر رحلته العلمية و الفكرية و الفلسفية حول المتصوفة و في مقدمتهم الحسين بن منصور الحلاج . و قدم في تلك السيرة (سرد حكايات الدرويش التي تتطلب خيالاً و بحثاً و إستقصاءاً) ومن خلالها يشرح معاناة الحلاج في السجن و كيف أعدم و لماذا يشكل أحد أهم رموز التصوف في العالم الاسلامي على الرغم من مضي أحد عشر قرناً على مقتله . و صدور أكثر من ألف وستمائة كتاب تتناول حياته و فلسفته باللغات العربية و الفارسية و التركية و الأردية و الاندونيسية و السريانية و العبرية و اللغات الاوربية . و تناول مأساته أدباء و مستشرقون .
يصف الدرويش الشيبي نهاية الحلاج الذي أنتهى الأمر بالحكم عليه بالاعدام على الصورة التي نفذت في أسرى القرامطة و جواسيسهم . فضرب ألف جلده ثم قطعت أطرافه الأربعة و ضرب عنقه و أحرقت جثته ثم ذُري رماده في دجلة , ثم حمل رأسه الى خرسان لانه كان له فيها أصحاب  . بعد هذا حُرقت كتب الحلاج و أخذ من الوراقين عهد بعدم تناولها و طاردت الدولة أنصاره مدة ثلاث سنين , و قتلت عدداً منهم . و بعد سنين تحول الحلاج الى شهيد قديس و أنتشر صيته حتى غطى العالم الاسلامي كله من القرن الخامس الى يومنا هذا .
تلك القسوة و العذاب ثم القتل كان لتحويل إنتباه الناس . و هي سياسة تتبعها السلطات عند وقوع الازمات و الاضطرابات السياسية و الاجتماعية , و كانت حينها حركة القرامطة و الانتماء اليها . لذلك وجد الوزير حامد بن العباس أن قتل الحلاج الذي كان مسجوناً قد يشغل الناس و يلقي الرعب في قلوب المعارضين . 
إن الحكايات تترى في سردية الأكاديمي و الصحفي و الدرويش طه جزاع , يذكرها منذ كان طالباً في قسم الفلسفة / كلية الاداب . يبدأ بحكايته الاولى يوم أنتمى الى القسم و حياة الطلبة و مشاكساتهم و حفلات التعارف .. فقد رجعت و أنا أقرأ ما كتبه أربعة عقود الى الوراء . إذ كنت في قسم الاعلام المجاور لقسم الفلسفة في ذات الكلية . و هذا السرد يدعو كل طالب تخرج من آداب جامعة بغداد , الى التعايش مع الكلمات و السطور و حياة الدراسة في تلك الكلية العريقة التي كانت نهراً متدفقاً لكبار المفكرين في شتى الاختصاصات منذ تأسيسها عام 1949 (لتنشئة شباب مثقف يمكنه أن يشق طريقه بصورة صحيحة في الحياة ).
و يصف الدرويش الشيبي سنته في دار المعلمين العالية بالقول أن سحر العالية إنها جمعتنا بأخوان و أخوات من كل جنس و دين و لغة , و أذا بتنا في بوتقة فيها إكسير يُسمى الحب تحولنا بفعله الى عنصر شريف باعد الجافي من عادات المحلة و القرية و الأزقة و ارتفع كل شيء جدير بمدينة (طوبى و حسن مآب) التي كانت تسمى دار المعلمين العالية .
و لماذا إنتقل الى الكتابة في الصحف التي يراها مصدر سعادة و سرور و مجالاً آخر للتوجيه و الارشاد العلميين الأدبيين الفكريين . أنتقل من البحث العلمي في الدوريات التي نشر فيها أكثر من مائة بحث الى المقالة العلمية التي يوضح شروطها و صياغتها و ما يتوجب أن يتوفر فيها .
و في حكايته قبل الأخيرة يكشف الزميل طه جزاع عن براعته و صبره و مثابرته في الحوار الصحفي الافتراضي و يشير الى إنه حوار قائم على آراء صحيحة و موثقة في لقاءات أو مقالات صحفية أو بحوث أو إستدراكات , حصلتها من كتب متنوعة , و صحف متناثرة ,و ذكريات مؤكدة و متقطعة معه دامت أكثر من نصف قرن , منذ اللقاء الأول للمؤلف مع شيخه منتصف السبعينات و حتى آخر لقاء قبل رحيله بعدة شهور ثم الوداع الأخير , بعد ساعات من صعود روحه الى بارئها فجر يوم الاثنين الرابع من ايلول 2006 ذلك الدرويش الباحث (في مجال التصوف و الاسلاميات و الفكر الفلسفي الأسلامي , و محقق للشعر العربي النادر و الطريف) و تحقيقه مجموعة دواوين مثل ديوان (الدوبيت) و (الفلك المحملة) و دواوين الحلاج و الشبلي و السهروردي).
و يختم جزاع آخر حكاياته التي زبرها على صفحات الكتاب البالغة 187 صفحة ليؤكد إنتمائه الى هذا الفضاء الروحي و كنت قد تلمست بذور الدروشة و النبل و الانسانية مذ كنا نسكن معاً في غرفة واحدة عام 1985 في فندق ساوة آنذاك في شارع السعدون . و ظل شاخصاً في الذاكرة , لغاية الآن حين  قرأت  حكاياته التي عشت معها روحاً و معنى . و هو يطرز حياة أبرز أقطاب التصوف في التاريخ الاسلامي القديم من خلال آخر الدراويش في التاريخ المعاصر .
 


تابعنا على
تصميم وتطوير