رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الوردي و حضارة العراق


المشاهدات 1196
تاريخ الإضافة 2024/07/22 - 8:39 PM
آخر تحديث 2024/07/27 - 2:41 PM

عبدالرضا حمد جاسم
قبل التطرق الى نصوص الدكتور الوردي حول دراسته للمجتمع العراقي أجد من اللازم ان اُعرج على رأي الوردي في حضارة العراق: كتب في ص 17 /دراسة في طبيعة المجتمع العراقي:1965 تحت عنوان: «صراع البداوة والحضارة» التالي: [خلال دراستي للمجتمع العراقي وجدت فيه ظاهرة ألمحها فيه أينما توجهت في نواحيه المختلفة عبر الزمان والمكان وهي التي اسميتها بظاهرة «صراع البداوة والحضارة»] انتهى
وتفسيراً لذلك كتب في نفس الصفحة التالي:
1ـ [لقد أجمع علماء الآثار أن العراق كان مهبط حضارة تعد من أقدم الحضارات في العالم[.
2ـ [فالذي يهمنا بالدرجة الاولى أن نعرف أن العراق قد احتضن منذ بداية التاريخ البشري حضارة مزدهرة[.
3ـ [وظلت الحضارة تراود العراق حيناً بعد حين[.
4ـ [وقد مر عهد إبان تأسيس الدولة العباسية أصبح العراق فيه مركز الحضارة العالمية حتى صارت عاصمته بغداد بودقة اجتماعية ضخمة تذوب فيها خلاصة ما أبدعه البشر من تراث حضاري حتى ذلك الحين[.
5ـ [في ص28 كتب: هنا نجد الشعب العراقي واقعاً بين نظامين متناقضين من القيم الاجتماعية: قيم البداوة الأتية اليه من الصحراء المجاورة وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم[
6ـ [في ص31 عن الحضارة كتب:(هناك عوامل عديده جعلت المنطقة العربية تنتج في بعض بقاعها حضارات مزدهرة حيناً بعد حين، فقد أشرنا الى حضارات العراق ومصر ...الخ[.
........................
نناقش النقاط الستة اعلاه:
*ورد في (1): العراق «مهبط حضارة»...
أقول :أسْتَغْربْ استعارته هذه العبارة او المفهوم فالمعلوم ان ال»مهبط» فيها دلالة على مٌسْتَقْبِلْ لنازل من أعلى سواء كان هذا الأعلى «فيزيقي او ميتافيزيقي» .أعتقد أن لطرح الراحل هذا علاقة بما كتبه عن «آدم» في هامش ص49 من كراسته/شخصية الفرد العراقي: بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث/1951 حيث ورد التالي: [لا يهمنا من قصة آدم انه خُلِقَ من طين..........انما يهمنا الآن هو ما ذكرت المأثورات الدينية عن آدم من انه عَلَّمَ الناس الزراعة أو أن صنعته كانت الزراعة فقد روي عن النبي محمد :»افضل الكسب الزراعة فإنها صنعة ابيكم آدم» و في هذا اشارة لا تخفى عن ان الزراعة بدأت في العراق و كذلك بدأت به المدنية على اعتبار ان قيام المدنية كان مرادفاً لقيام الزراعة. ومن الممكن القول: بأن آدم لم يكن ابا البشر جميعاً بأنواعهم العديدة فهناك انواع من البشر سبقوا آدم كما اشار ابن خلدون في تاريخه، أن آدم بالأحرى ابو البشر المتمدنين الذين امتهنوا الزراعة وهو حسب المأثورات الدينية قد كان ساكناً في جنوب العراق حيث بزغت أنوار المدنية الاولى في فجر التاريخ[.
يعني هبوط الحضارة مرتبط بهبوط آدم كما في الروايات الدينية. ولا بد ان ابين لكم ما طرحة الوردي عن الزراعة والنبي محمد والمناقض لما ورد اعلاه حيث كتب في كراسة/الاخلاق: الضائع من الموارد الخلقية/1958 ص26: (من الأحاديث المروية عن النبي محمد إنه مر ذات يوم ببعض دور الأنصار في المدينة فوجد فيها محراثاً فقال: «ما دخلت هذه دار قوم إلا ودخلهم الذل»(.
ثم يُكمل الوردي بالتالي: [وأعتقد ان هذا الحديث ينطبق على العشائر العراقية انطباقاً كبيراً...الخ[
هناك عندما أراد ان يتكلم عن المدنية والحضارة استل حديث او قصة آدم وحديث النبي محمد وهنا عندما أراد ان يتكلم على البداوة استل حديث للنبي محمد!! أليس في ذلك ما يثير؟؟؟؟؟؟
نعود الى «مهبط حضارة» حيث مما يعنيه هذا القول إن العراق ليس مُنتجاً للحضارة انما الحضارة هبطت عليه من عليين. والذي تهبط عليه الحضارة ربما لا يشعر بقيمتها لأنه لم يفكر بها ولم يتعب في انتاجها فيفرط بها بسهولة.
لماذا أقول هذا؟ الجواب هو التالي: [كتب الراحل الوردي في ص30 من /دراسة في طبيعة المجتمع العراقي التالي: «ومشكلة العراق أنه حين ينحسر عنه المد البدوي لا يستطيع ان يتكيف للحضارة سريعاً حين تأتي اليه فهو يبقى متمسكاً بقيمه البدوية زمناً يقصر او يطول تبعاً للظروف التي تواجهه عند ذاك.]انتهى
ثم يتبع ذلك بالقول: [من طبيعة القيم الاجتماعية بوجه عام انها تبقى فعالة زمناً بعد ذهاب العوامل المساعدة لها، فالناس إذا تعودوا على قيم معينة صعب عليهم بعد ذلك ان يتركوها دفعة واحدة.] انتهى
لا اعرف لماذا حدد الراحل الوردي انها «مشكلة العراق»...ماذا عن المجتمعات الأخرى؟ طبعاَ كما سيأتي لاحقاً سأبين كيف أن الراحل الوردي وضع أقبح الصفات على المجتمع العراقي وجعله متفرداً بها من دون كل مجتمعات المعمورة وهنا يؤكد الوردي أن العراق غير منتج للحضارة حين ذكر التالي:» لا يستطيع ان يتكيف للحضارة سريعاً حين تأتي اليه فهو يبقى متمسكاً بقيمه البدوية»...وكأن العراق منبع البداوة وليس منتج الحضارة فقد قلب الراحل الأمور فأصبحت القيم البدوية هي قيم العراق!!
ورد في (2) أن «العراق قد احتضن حضارة مزدهرة» أي تلك التي «هبطت» والذي يحتضن الحضارة او كان «مهبط» لها لا يكون كمن انتجها وبناها فالأول كثيراً ما يستسهل التفريط بها ولا يتحمس في حمايتها والدفاع عنها ولا يتمكن من إعادة انتاجها اما منتجها وواضع أسسها فيمكنه إعادة انتاجها او إصلاحها وتطويرها ويكون متحمس في حمايتها والدفاع عنها.
ورد في (3) «ظلت الحضارة تراود العراق...» وهنا ايضاً إشارة على أن العراق لم ينتج حضارة انما هي تراوده هبوطاً من الأعلى او دخولاً من الجوانب. والمراودة هنا كما استنتج انها تعني التكرار او التعاقب ويعني عدم الاستمرار ويعني تفريط «المحتضن لها» بها...ولكن في كل الأحوال هي ليست من: «امرأة العزيز تراود فتاها....»
ورد في (4) «ان العراق أصبح مركز الحضارة العالمية»...ايضاً ليس فيما ورد هنا من العراق منتج للحضارة فقد يكون المركز عبارة عن تَّجمع لمتخصصين او مختصين كما نجد اليوم في بعض مدن الخليج من انها مركز سياحي او مركز تسوق او مركز أبحاث وليس لأهلها من دور مهم فيها.
ورد في (5) «... وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم»...هنا صارت حضارة العراق «منبعثة» أي خرجت الى فضاء العراق من دون تدخل سكان العراق أي عدنا الى ان العراق لم ينتج الحضارة.
ورد في (6) «هناك عوامل عديده جعلت المنطقة العربية تنتج في بعض بقاعها حضارات مزدهرة حيناً بعد حين، فقد أشرنا الى حضارات العراق ومصر»...هنا العراق منتج للحضارة.
الذي ورد أعلاه يعني فيما يعنيه حيرة الوردي في حضارة العراق او الحضارة في العراق... مرة كان «مهبطاً لها» ليس له دور في انتاجها ومرة «احتضن» وربما لم يحسن احتضانها... ومرة «راودته» أي لا دخل له بها «تهبط وتغادر» ومرة «مركزاً» لها لا نعرف هل أحسن إدارة هذا المركز؟ ومرة» تنبعث» أي لا دخل للإنسان العراقي فيها ومرة «أنتجها «وهذه تنفي كل سابقاتها...وهنا الضياع الذي ضاع فيه الراحل الوردي ودفعه لِلَصْق كل غريب بالإنسان العراقي او المجتمع العراقي.
اليكم نماذج من ذلك «اللصق» الذي تغص به كل كتب الراحل الوردي له الذكر الطيب ذلك اللصق الذي كان بقصد واحد هو ترجيح فكرته عن الانسان العراقي والمجتمع العراقي مستخدماً فيه الكثير من «العيوب العلمية» من كذب وتحريف وتزوير وادعاء وتأليف حكايات ركيكة.
عن مجلة « الگاردينيا»


تابعنا على
تصميم وتطوير