رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
فرنسا .. معاداة السامية عنوان لمعاداة الإنسانية


المشاهدات 1220
تاريخ الإضافة 2024/07/20 - 9:08 PM
آخر تحديث 2024/07/27 - 3:07 PM

لم ير أعضاء من مجلس الشيوخ الفرنسي ما يدعو إلى الاهتمام في التطورات الخطيرة جدا التي تجري فوق أرض غزة سوى إبداء قلقهم وتخوفهم إزاء ما اعتبروه ( خطرا يهدد السامية )، وهكذا لم تحرك فيهم حرب الإبادة الجماعية التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي والتي أزهقت أرواح عشرات الأرواح من المدنيين غالبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء والشيوخ وخلفت عشرات الآلاف من المصابين ومن المفقودين وقصفت المستشفيات وأماكن العبادة والمدارس ودمرت معالم الحياة الحس الإنساني ساكنا و لا وازعا إنسانيا.
هكذا و كل استغراب، بل وبكل وقاحة، ما أن انتفض طلاب جامعة العلوم السياسية بباريس للمطالبة بالوقف الفوري للحرب في غزة ، حتى سارع مجلس الشيوخ الفرنسي إلى تشكيل لجنة بطلب من أحزاب اليمين و الوسط الفرنسي ، بعدما اعتبروا الاحتجاجات الطلابية عملا ( معاديا للسامية )، واشتغلت اللجنة بوتيرة سريعة حيث عقدت أكثر من ستين إجتماعا في مدة لم تتجاوز الشهرين ، استمع أعضاؤها خلالها إلى العديد  من المسؤولين ، وانتهوا بصياغة تقرير مثير توج بالمصادقة عليه من طرف جميع أعضاء المجلس .
واعتبر التقرير أن « هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر من السنة الماضية ، و ما تلاه من ردة فعل إسرائيل في غزة ، كشف عن معاداة السامية النائمة « و « أن مستويات معاداة السامية سجلت ارتفاعا خلال الفترة الفاصلة بين السابع من أكتوبر و نهاية شهر مارس بما يعادل الضعف، مقارنة مع ما سجل خلال السنة الماضية « و « أن احتجاجات طلبة جامعة العلوم السياسية بباريس تسببت في أجواء لا تطاق ، منعت طلاب يهود من ولوج الجامعة « و « أن هذه الاحتجاجات حصلت بدافع حسابات سياسية « .
ويبدو أن معدو التقرير لم يولوا أي اهتمام لما صرح به مسؤولو الجامعة أثناء  الاستماع إليهم من طرف اللجنة ، حيث أكدوا أنهم « شعروا بالعجز فيما يتعلق بالتوصيف أو التكييف القانوني للأفعال المصنفة معادية للسامية « و أنهم « واجهوا صعوبة كبيرة في التمييز في هذا الاطار، بين النقد السياسي المشروع لسياسة الحكومة الاسرائيلية المضمون بقوة حماية حرية التعبير ، و التصريحات التي يمكن تصنيفها معادية للسامية و التي تشكل جرائم « .
 وهكذا لم يكترث أعضاء مجلس الشيوخ إلى هذه المعطيات الهامة التي وضعت الأصبع على موقع الجرح في بلاد لم يفتر حماسها يوما في الدفاع عن حرية التعبير وتقديسها وتضمينها في شعار الجمهورية الخامسة ، وسارعوا بتقديم الوصفة التي قدّروها كفيلة بوضع حد لما اعتبروه معاديا للسامية ، وهكذا صاغوا رزمة من التوصيات، كان أهمها تشريع قانون يحدد الالتزامات الملقاة على عاتق المؤسسات الجامعية فيما يتعلق بالكشف عن الأفعال المصنفة معادية للسامية ، وتعيين مساعدين لرؤساء الجامعات مكلفين بمحاربة العنصرية ومعاداة السامية ، واتخاذ تدابير صارمة لما وصفوه بـ ( الوقاية الإلزامية ) خصوصا حينما يتعلق الأمر بالترخيص بتأسيس منظمات طلابية، وفتح منصة على الانترنت لتسريع تبادل المعلومات المتعلقة بمعاداة السامية داخل الجامعات الفرنسية و بين هذه الأخيرة والنيابات العامة داخل المحاكم الفرنسية .
وحرص أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي على اختزال كل ما يحدث من تطورات في غزة و ما لها من تداعيات على المجتمع الإنساني في حركة احتجاجية ميزت تاريخ فرنسا  الجامعي، في حين لم يتطرقوا لا من قريب و لا من بعيد ، حتى بمجرد الإشارة ، إلى حرب الإبادة الخطيرة التي تقترف في حق ملايين المدنيين، واعتبروا أن خطر معاداة السامية يشكل أولوية الأولويات و لا بد من التصدي له .
 والواقع أن ما أقدم عليه مجلس الشيوخ الفرنسي يجد تفسيره في التعاطي الغربي مع حرب الإبادة المقترفة في غزة ، حيث نجحت قوى الشر العالمية في تطويع جميع المؤسسات السياسية والدستورية والعسكرية والديبلوماسية والإعلامية، الرسمية منها بالخصوص ، وحولتها إلى أدوات لتنفيذ ما يقترف من جرائم ، وإلى منصات رئيسية لإطلاق صواريخ معاداة الإنسانية .
ما اقدم عليه مجلس الشيوخ الفرنسي، وقبله ما أبدته فرنسا الرسمية من دعم لا مشروط  للعدوان ، مسيء لفرنسا قبل أن يكون  مسيئا لغزة و لفلسطين ، لأنه يفرغ فرنسا الثورة الفرنسية ، وفرنسا القيم و المبادئ ، وفرنسا العظماء من سياسيين وعلماء و فلاسفة و أدباء ، من محتواها وتجريدها من تاريخها ، وتحويلها إلى مجرد ملحقة صغيرة موالية للسادة ، وإلى مجرد رجع صدى خافت .
إنها فرنسا الجديدة التي لا تشبه فرنسا التي عرفها العالم كدولة عظمى تقبض بيدها على قراراتها السيادية .  
 


تابعنا على
تصميم وتطوير