رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
بين العراق وأمريكا: اتفاقيات استراتيجيّة أم خُروقات وتدخّلات استراتيجية؟


المشاهدات 1233
تاريخ الإضافة 2024/07/08 - 9:18 PM
آخر تحديث 2024/10/20 - 12:12 PM

بعد سقوط النظام السابق ، نيسان عام 2003 , بأيام ، سَنحتْ لي الفرصة ان اكتب او اتحدّث لبعض الاخوة السياسين و القيادين في العراق ، و بعضهم لايزالون ،عن تبعات طرح الثقة في الدور الأمريكي في العراق ، وعن تبعات ما استطيع تسميتهُ ” بالاستسلام السياسي لأمريكا ” .
تبلّورت  لدي فكرة و رؤية موضوعية عن استراتيجية امريكا تجاه المنطقة والعراق ، ومصدر هذه الرؤية ليس عمل حزبي او سياسي بحت ، و انما متابعة إعلامية و قانونية لأحداث العراق و المنطقة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، تيّسرت لي ،ومن مراجع فرنسيّة رسمية و وثائقية ، بحكم عملي التدريسي في مادة القانون والعلاقات الدولية في الجامعات الفرنسية . استراتيجية امريكا تجاه المنطقة و العراق قائمة على ثوابت لا تتغيّر بتغير الادارات الأمريكية ، ولا بتغيّر السياسات الموضوعة. الثوابت هي ، مصلحة إسرائيل وهيمنة إسرائيل على المنطقة ،ثابت لا يتغير ، و هو الفلك الذي تدور حوله وتسير بهداه السياسة الأمريكية تجاه العراق و المنطقة . امام مصلحة إسرائيل تُسقِطُ كل الاعتبارات وتختفي كل المعوقات وتهّدم كل الحواجز . والثابت الأخر هو استمرار هيمنة امريكا على العالم ،بالسيطرة على موارد العالم ، على دول العالم ،على شعوب العالم . ولكل جانب أدواته وسبُلهِ .فالسيطرة الأمريكية على موارد العالم بالاحتلال و السرقة ،كما يجري في سوريّة ،او بسياسة الدولار ، والسيطرة على دول العالم من خلال سبل تغيير الأنظمة ، و بحجّة الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وتنصيب العملاء ،والسيطرة على شعوب العالم عن طريق وسائل التواصل ، و الاعلام ، و التظاهرات ،والديمقراطية الخ …
بين العراق و امريكا اتفاقيات استراتيجية و شراكات استراتيجة ، ولكن كل هذه الاتفاقيات و الشركات الاستراتيجية لم تجعل منسوب الثقة السياسية بينهما أيجابياً . لا امريكا فهمت و استوعبت العراق ( دولة وشعب ) ، و لا العراق قادر على ان يسير في السكّة التي تريدها امريكا ،والسكّة التي تريد امريكا ان تسير عليها قاطرة العراق تصلهُ إلى محطة تل ابيب !
ربما يسئلُ سائل، لتكن بينهما قواسم سياسيّة مشتركة ، وتصبح العلاقة و الأمور وفقاً لهذه القواسم المشتركة ؟
صحيح جداً ، و لكن تسقط كل القواسم المشتركة بضربة قاضيّة من قبل ثوابت السياسة الأمريكية تجاه العراق والمنطقة واهم هذه الثوابت مصلحة إسرائيل .
لن يتوقعْ العراق من الولايات المتحدة الأمريكية خيراً ،و امرْ و قرار امريكا بيد إسرائيل و لوبياتها المتعددة في اروقة المؤسسات الأمريكية، وخاصة الكونغرس الأمريكي . من حصاد الاتفاقيات و الشراكة الاستراتيجية العراقية – الأمريكية ليس حّلْ ازمة الكهرباء او تحسين القدرات العسكرية العراقية او استثمارات أمريكية او غيرها في الاقتصاد العراقي، وانما اعتداءات متكررة واغتيالات ،والشواهد على الاعتداءات و الاغتيالات معروفة ،ولا حاجة لذكرها، وكذلك تدخلات وخروقات لسيادة العراق ،ومواقف من شأنها تقويض السلطات الدستورية للبلد و امنه و استقراره، وابقاء العراق في قدرات اقتصادية وعسكرية وسيادية مرهونة و متواضعة ، ولا تتناسب مع ثرواته وحاجاته و تطلعاته.
تتوالى ،الواحدة بعد الأخرى ، افعال و تصرفّات سياسيّة امريكية تجاه العراق ،وتنّم عن روح عدوانية و استصغار للعراق، وهي من صُنع الصهيونية ،المُهيمنة على الادارة و الارادة الامريكية . فهي ( واقصد التصرفات و الأفعال الأمريكية ) في وقعِها اكثر سوءاً من التدخلات ،التي اعتاد العراق عليها، ويتعايش، على مضض، معها.
أصبح،على ما يبدو، عُرفاً بأنَّ السياسي او والمسؤول الأمريكي ،والذي يروم النجاح في مهمته في العراق او مساره في امريكا، عليه أن يُشّرح العراق وينكّل به ويتجاوز على مؤسساته و كرامته . ها هو عضو الكونغرس الأمريكي مايك والتر يتبنى تصريحات تسئ إلى السلطة القضائية في العراق ،ويشكك في نزاهة ووطنية رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان ، ويتهمه و قادة عراقيين ،دون تسميتهم ،بالعمالة إلى إيران .
وقد اعربت وزارة الخارجية العراقية عن رفضها التام للتصريحات والاتهامات، في بيان لها بتاريخ 29/6/2024 .
وسبقَ هذا الموقف ، خطاب  السيدة   ،تريس جاكوبسون ، امام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي ، والمُرشحّة للعمل سفيرة في العراق  ،والذي تناولت فيه ذات الاتهامات ” وهي العمالة لايران ” و الحشد الشعبي و الفصائل المسلحة.
العراق وشعوب المنطقة ،بل وشعوب العالم ، يعانون من غباء و تهّور السياسات الأمريكية المرتهنة للصهيونية والإمبريالية والاستغلال و اثارة الفتن والحروب بين الدول والشعوب . كُلَّ ما شاهدناه وعايشناه طيلة العقديّن المنصرمين من مُنجزات السياسة الأمريكية هي خلافة الدول الإسلامية في العراق ( داعش ) ، وخلافة الدولة النازية في إسرائيل ، و افتعال حرب اوكرانيا ،من خلال استفزاز روسيا ونقض تعهدات الغرب معها عام 2014 ، و دعم المليشيات النازية في أوكرانيا مثل سنتوريا ،لاثارة الاقتتال الداخلي في أوكرانيا ومحاربة الروس .
من شدّة الارتباط الصهيوني -الأمريكي ،اصبح اغلب سياسي ،وغير سياسي امريكا ،عملاء اللوبيات الصهيونية ، و كأنَّ العمالة تنتقلُ فيما بينهم بالجينات او بالوريد ، حتى ظنوا بأن الآخرين من الشعوب مثلهم  ، و يصفُ الشاعر المتنبي ببراعة هذه الحالة ويقول :
إذا ساء فعلُ المرءِ ساءت ظُنونهُ
وصدّقَ ما يعتادهُ مِنْ توّهِمِ .
تستخدمُ امريكا ” شمّاعة إيران او بعبع ايران ” لابتزاز و تخويف دول وشعوب المنطقة ،وللتقرّب بالولاء والطاعة للصهيونية في امريكا و العالم . ولكن من الغرابة و الدهشة هو انه ،وبالرغم من الاستخدام الأمريكي لشمّاعة إيران وتحذير دول المنطقة من ايران ، يتمدّد نفوذ ايران و تتطور علاقاتها مع دول وشعوب المنطقة والعالم ، الأمر الذي يدّلُ على يقظة الدول والشعوب لأكاذيب الولايات المتحدة الأمريكية، و تحذير امريكا للدول والشعوب من ايران ، ليس لمصلحة  العراق او هذه او تلك الدولة ،و انما لمصلحة اسرائيل .
بعد فشل تجربة الخلافة الاسلامية في العراق ( داعش ) ، وبعد فشل عزل إيران في المنطقة ، شماعتيّن سياسيتيّن تتكأ عليهما امريكا لزعزعة الاستقرار السياسي في العراق وللحيلولة دون بناء دولة سياديّة مقتدرة : شماعة الديمقراطية وحقوق الإنسان ، و وظّفتها امريكا ببراعة حين ارادت التخلص من حكومة السيد عادل عبد المهدي ،فأجّجت التظاهرات و الشارع و دعمتها بكل قوّة ،والسبب ،لانه توجّه نحو الصين من اجل مشاريع استثمارية عملاقة ، وصوب المانيا من اجل حّلْ ازمة الكهرباء ؛ واليوم تستخدم شماعّة ايران لتقويض السلطة القضائية، و تهديد رئيس مجلس القضاء الأعلى بعقوبات ، والسبب هو لان القضاء حرص على تطبيق الدستور و اتخاذ قرارات تعزّز من سيادة العراق وتحارب الفساد .
اعتقدُ من الوطنية و الواجب ان تندّد الاحزاب و التكتلات السياسية جميعها التدخلات والخروقات السافرة ،وان تُعبّر كافة المؤسسات الدستورية عن رفضها و ادانتها لتصريحات و محاولات الكونغرس الأمريكي في النيل من القضاء العراقي .
نقلا عن « رأي اليوم «


تابعنا على
تصميم وتطوير