واشنطن/متابعة الزوراء:
يبذل الإعلام الأميركي جهوداً لتشويه الاحتجاجات التي تشهدها الجامعات الأميركية تضامناً مع الفلسطينيين بطريقة تشبه كثيراً تلك التي شهّرت بها بالاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام عام 1968، وهي الاحتجاجات التي لعبت آنذاك دوراً في امتناع الرئيس ليندون جونسون عن ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة في تلك السنة.
وكانت شرارة موجة الاحتجاجات الأكاديمية ضد الحرب الأميركية على فيتنام قد انطلقت من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، كما هو الحال مع الحراك الطلابي الحالي ضد العدوان على غزة، وبينما تفتخر الجامعة بكونها مهد الحراك السابق، عملت الشرطة المحلية على قمع الحراك المتضامن مع الغزيين بتواطؤ وطلب من إدارة الجامعة وتحديداً من رئيستها نعمت (مينوش) شفيق.ويشنّ الإعلام الأميركي حملة تشويه ضد احتجاجات الجامعات الأميركية المتضامنة مع الغزيين، واصفاً إياها بأنها «معادية للسامية» وموجهّة ضد الطلاب اليهود، على الرغم من أن أهم الأطراف الفاعلة فيها هم اليهود أنفسهم. وادعى الإعلام الأميركي أن الاحتجاجات قد تشعل الولايات المتحدة، وتخلق الفوضى، وتزعزع الاستقرار، من خلال تشويه سلوك المحتجين، ووصمه بالعنف. ويقول تحليل إعلامي نشره موقع موندويس إن الاستراتيجية الحالية الواضحة في نشرات الأخبار التلفزيونية وفي المنابر الصحفية الأكثر شهرة مثل صحيفة نيويورك تايمز ومجلة أتلانتيك هي إيلاء الأولوية لتجاهل الأحداث الفعلية التي أدت إلى المظاهرات، وقول القليل أو لا شيء على الإطلاق عن العدوان الإسرائيلي الذي أوقع عشرات الآلاف من الشهداء، أغلبهم أطفال ونساء.وعند تغطية أخبار المتظاهرين العنيفين المؤيدين لإسرائيل، الذين هاجموا مخيم المتظاهرين السلميين لساعات عدة، أمام أنظار شرطة الحرم الجامعي وسلطات إنفاذ القانون في كاليفورنيا وأيديهم المكتوفة، وبالرغم من أن هناك مقاطع وصوراً للإصابات، فالكثير من الصحف والأخبار التلفزيونية نقلت الأحداث على أنها «اشتباكات»، من دون إلقاء اللوم على الغوغاء المؤيدين لإسرائيل.
ويبدو هذا أشبه باحتجاجات فيتنام. يقول الصحفي في «موندويس»، جيمس نورث: «حضرت شخصياً بعض أعمال العنف التي ارتكبتها الشرطة في مؤتمر شيكاغو الديمقراطي في عام 1968. وكان قسم كبير من الصحافة في ذلك الوقت يتبع نفس قواعد اللعبة، إذ بالغ في تضخيم العنف من جانب المتظاهرين المناهضين للحرب وبرّأ الشرطة».ورأى التحليل أن وضع الإعلام الأميركي أسوأ خلال الاحتجاجات الحالية، وأوضح أن «الأسوأ من ذلك هذه المرة هو رفض وسائل الإعلام نقل مطالب الطلاب المحتجين»، وبدلاً من تغطية المطالب والقتل الجماعي المستمر الذي ترتكبه إسرائيل في غزة، ركّزت وسائل الإعلام الأميركي الرئيسية بشكل شبه حصري على التفاصيل الضيقة. فمثلاً في شبكة سي أن أن طالب المذيع أندرسون كوبر مراسليه الموجودين في مكان الحادث بتوثيق كل خطوة تقوم بها الشرطة، لكنه لم يُشِر إلى أن الشرطة نقلت كل الصحفيين خارج مكان الاقتحام.ولاحظ التحليل أيضاً تشابهاً بين الاحتجاجين من حيث تصيد أخطاء شخصية الطلاب المحتجين، من قبيل وصف الطلاب المحتجين بأنهم مدللون وسُذَّج وغير ناضجين، بينما يتعرّضون في الحقيقة للاعتقال ويخاطرون بمستقبلهم لأن ضمائرهم رفضت الصمت أمام الحرب في الماضي والآن.
لكن متظاهري الجامعات اليوم يتظاهرون في ظلّ وقوف 51 في المائة من الأميركيين ضدّ الحرب على غزة، التي أسهمت في تراجع شعبية جو بايدن، ومقاطعة شريحة من قاعدته في انتخابات التصفية، ما قد يهدد بإعادة انتخابه أمام دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة هذا العام.
وفي مقال لها ، كتبت الباحثة اللبنانية دلال البزري، أن الاحتجاجات الحالية «تتفوّق على حركة فيتنام بوفرة صورها، وشرائطها اليوتيوبية، ومشيعيها على مواقع التواصل، وفيض متابعيها ومُحلّليها ومُروّجيها، وبضخامة قدرتها الإعلامية.