لا شك أن هناك تقدمًا ملحوظًا في مجريات الأحداث على أرض الواقع فيما يتعلق بالحرب الدائرة بقطاع غزة، والتي وصلت إلى الجنوب بتوجيه القصف والمدفعيات نحو رفح الفلسطينية، والعمل على إغلاق المعبر من تلك الجهة، وهي الخطوة التي حذرت منها مصر بشكل واضح، ونقلت التحذير أهم صحف الاحتلال، بعد أن تأكد تهرب نتنياهو، من المضى بشكل جدي في المفاوضات، والإصرار على اجتياح رفح، الأمر الذي دفع مصر للتهديد بإلغاء معاهدة السلام، وطالبت مجلس الأمن، والأطراف الدولية بالتعامل بقدر المسئولية مع الوضع الخطير الذي يشهده قطاع غزة، وخصوصًا رفح الفلسطينية التي تتعرض لمخاطر إنسانية كبيرة نتيجة سيطرة الاحتلال على المعابر ومنع تدفق المساعدات الإنسانية، ولم ولن تتوقف المطالبات بأهمية تكثيف الجهود الدولية لتحقيق رؤية حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.
ووفق التحرك المصري في المقام الأول، وتتوازى معه الضغوط الدولية المختلفة واستمرار احتجاج طلاب الجامعات في أمريكا، فإن نتائج عدة مهمة تحققت خلال الأيام الماضية، لكنها على قدر تلك الأهمية فإن ضريبة الدم لم تزل تُدفع ولم تزل تُهدر أرواح أبرياء في أنحاء متفرقة من القطاع المكلوم، ولم يزل هناك توسع في الاستيطان بالضفة الغربية، وكأنها ضريبة ثقيلة لنتائج ومقدمات مهمة في صالح القضية الفلسطينية، منها ما شهده يوم الجمعة الماضي من اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، ويوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب، ويحدد طرقًا لإعمال حقوق وامتيازات إضافية تتعلق بمشاركة فلسطين بالأمم المتحدة، هذا التصويت الذي يأخذ طابعًا رمزيًا من واقع الاستخدام الأمريكي المتكرر لحق الفيتو في مجلس الأمن، يشير بوضوح إلى تغير المعادلة عالميًا في التعامل مع القضية الفلسطينية، لذا جاء الترحيب المصري بالقرار الذي اعتبرت صدوره تاريخيًا، ويمثل تجسيدًا لواقع وحقيقة تاريخية واعترافًا بحقوق شعب عانى لأكثر من سبعة عقود من الاحتلال.
وكما أكدت الخارجية المصرية، أن توقيت صدور هذا القرار يأتي في مرحلة دقيقة تمر بها القضية الفلسطينية، في ظل الاعتداءات غير المسبوقة على الشعب الفلسطيني وحقوقه، فإن هذه الخطوة يأتي ثقلها من جوانب أخرى، أبرزها أن القرار جاء بتأييد أغلبية كاسحة عبر تأييد 143 عضوًا مقابل اعتراض 9 أعضاء أولها بالطبع الولايات المتحدة، إسرائيل، ثم الأرجنتين، التشيك، المجر، بابوا غينيا الجديدة، وغيرها وامتناع 25 عن التصويت، الذي تلى خطوات أخرى ذات تأثير لافت، حيث أكد جوزيب بوريل الممثل الأعلى للشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، أن إسبانيا ستعترف بدولة فلسطين في الحادي والعشرين من مايو الجاري، وأن دولا أوروبية منها أيرلندا ومالطا وسلوفينيا في طريقها للاعتراف بدولة فلسطين، المعترف بها في الوقت الحالي من قبل 8 أعضاء بالاتحاد الأوروبي التشيك وبولندا والسويد والمجر وقبرص وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا، ليكون إجمالي الدول المعترفة بدولة فلسطين بعد هذه الخطوة 155 دولة حول العالم، وعلى الرغم من استخدام واشنطن حق النقض «الفيتو»، لمنع دولة فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة، فإنه قرار يمثل إنجازًا قانونيًا ودبلوماسيًا في اتجاه تكريس الحقوق التاريخية للفلسطينيين وتعزيز مكانة الشعب الفلسطيني في الساحة الدولية، إذ يتسق مع القانون الدولي ويعبر بوضوح عن الإجماع الدولي بالوقوف خلف القيم التي تمثلها القضية الفلسطينية الحق والعدل والسلام والحرية، ويقف ضد جرائم الاحتلال عبر السنين في حق الشعب والأرض والمقدسات، ومن ثم يضع الإدارة الأمريكية في مزيد من الحرج، وهي التي تحاول أن تُجمل موقفها المخزي عبر عقودٍ في دعم الاحتلال، والتلويح بحجب الأسلحة عن الكيان المحتل، وهو ما دفع جمهوريين بمجلس الشيوخ إلى تقديم قرار بإدانة أي إجراء من إدارة بايدن في حال اتخاذ هذه الخطوة، التي اتُخذت نسبيًا بإيقاف شحنة قنابل بسبب المخاوف من قرار شن هجوم واسع النطاق على رفح، وكيف يتم استخدام هذه المتفجرات في منطقة حضرية مكتظة بالسكان مثل رفح التي لجأ إليها أكثر من مليون مدني بعد نزوحهم من مناطق أخرى من غزة، وكأن الأماكن التي تم اجتياحها واستهداف أطفالها ونسائها وشبابها لم تكن مأهولة بسكان حتى اقترب تعداد الشهداء من 40 ألفًا.
ويبدو أن الأيام المقبلة سوف تشهد مزيدًا من التطورات في صالح القضية الفلسطينية، رغم الضريبة القاسية التي يسددها أبناء فلسطين، فمع اعتزام دول أوروبية الاعتراف بدولة فلسطين، وقرار دعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، وإعلان دول مثل تركيا رسميًا قطع جميع العلاقات التجارية مع إسرائيل، وسبقها إعلان دول مثل كولومبيا وتشيلي وبوليفيا وهندوراس قطع علاقاتها مع الاحتلال، وانضمام ليبيا إلى جنوب إفريقيا في قضية الإبادة الجماعية المقامة ضد الاحتلال بمحكمة العدل الدولية، وتأكيد جنوب إفريقيا بأن الإجراءات التي أمرت بها محكمة العدل الدولية لا تتناسب مع الظروف المتغيرة في غزة، واستمرار خروج الاحتجاجات في شوارع العالم، مع استمرار تظاهرات واحتجاجات الطلاب بالجامعات الغربية والأمريكية لوقف الإبادة والحرب ووقف دعمها ومحاكمة الاحتلال على جرائمه، سوف تكون هناك نتائج أخرى جديدة تضاف للمشهد، الذي نأمل أن يتوقف فيه نزيف الدماء.