في جلسة إخوانية عذبة ، تبادلت اطراف الحديث مع زميل فاضل مهتم بالبحوث الانسانية والصرفة، حول المنجز الجديد للعزيز الباحث عمر علي حيدر، الذي حمل عنوان (أثر الاديان في تربية وتعليم الصبيان) وبعدد صفحات بلغت 792 من القطع الكبير.. وكنا قرأناه منفردين مؤخرا، وقد تحدثنا بأعجاب عن قدرة وتحمل وصبر الباحث على التبحر والسياحة الفكرية والجدلية مع 518 مصدرا مهما، لكبار الباحثين المعروفين في الجد والعمق البحثي ..
وليس جديدا قولي، ان الباحث المتميز يحصل من خلال المصادر والمراجع المعتمدة، على كافة المعلومات المتعلقة ببحثه العلمي الذي يتم إجراؤه، كونها توفر قدرًا كبيرًا من المفاتيح التي تسهم في إثراء البحث العلمي بشكل كبير، فيجب على الباحث الذهاب إلى أكبر عدد ممكن من المصادر والمراجع، وهذا ما سعى اليه الباحث، تعزيزا لما اراد ان يصل اليه، وفق تصور راق لمضامين جديدة في الرؤى لموضوع الاديان واثرها في تعليم الصبيان..
ويشير د. خزعل الماجدي في تقديمه للكتاب، بالقول ان الكتاب يضعنا امام مشهد واسع من تقصي مظاهر التربية والتعليم والكتابة والاساتذة والطلبة والمدارس بأنواعها، وكل اوجه العملية التربوية والتعليمية عند الشعوب القديمة والوسيطة بشكل خاص ومدى مساهمة الاديان في هذا الجانب الحضاري المهم، وخصوصا في فئات الاطفال والصبيان والشياب ..
لقد اعتمد الباحث على القرآن الكريم، في العديد من النقاط، اضافة الى عدة مباحث مهمة، منها مدخل الى الدين، والدين لغة واصطلاحا وتعريفات الدين ومصادر نشأته ونظريات تلك النشأة وتصنيف الاديان وانواع الاديان المتبوعة وعلم الدين ومقوماته، وضم ايضا المدرسة في الاديان والحضارات القديمة، وخص بها المدرسة في العراق القديم ومصر القديمة، والمدارس الكنسية في العصور القديمة، والمدرسة الرومانية القديمة الخ .
ثم عرج بعلمية رائدة، الى تسلسل المراحل الدراسية للمدارس القديمة، والسن الدراسية فيها وعن معلميها ودوامها وعطلها، ومناهجها وطرق التدريس والشكر والعقاب فيها، وتربية وتعليم البنات في مدارس العصور الوسطى، واستمر في تسليط الضوء بانتباه ورؤية علمية على مراحل التربية والتعليم الديني في التاريخ الحديث والمعاصر، وشمل التعليم وكتاتيب البلاد العربية .
كتاب ليس ككل الكتب، فالجهد المبذول في اصداره بهذا الشكل البحثي، شاسع المدى، دلالة على تأمل فكري واستقصاء عالي المستوى، وقراءات جدلية في مئات الطروحات والمصادر، وهنا اشير الى مدى الامانة البحثية التي اتسم بها الكتاب، حيث لم يغفل اي مصدر بحثي، حتى المصادر الفرعية، التي اشتملت على الأبحاث التي تمت كتابتها في العصر الحديث، والتي اعتمدت في أساسها على المصادر الأصلية الأولية، فالمصادر الفرعية اشار اليها، ومن ثم قام بشرحها وتفصيلها ونقدها وتلخيصها، وبهذه الامانة يؤكد الباحث ابا خالد أن تنوع مصادر البحث العلمي تلعب دورا كبيرا وهاما في إثراء البحث العلمي بعدد كبير من المعلومات، بالإضافة إلى ذلك فإنها تمنح الباحث ثقافة عالية تجعله يتفوق بما يقدم من بحث علمي مستوف لكل عناصر الرصانة، وفي الختام اقول، ان سطوري هذه ، ليست قراءة لهذا الكتاب الكبير في طروحاته، واسلوب كتابته، انما هو اشهار صحفي، يناسب حجم هذا العمود .. فللباحث عمر علي حيدر اقول تهاني العميقة لسفرك الثقافي والتراثي والبحثي الكبير، وامتناني الخاص لإهدائه كتابه لأبيه، صديق شبابي ويفاعتي الزميل علي حيدر طيب الله ثراه، بسطور تؤكد بره بأبيه، فبر الاب، مقامه عظيم ، وأجره عند الله جزيل ..