رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
ليلتان في السماوة


المشاهدات 1514
تاريخ الإضافة 2024/02/25 - 8:24 PM
آخر تحديث 2024/07/27 - 3:20 AM

منذ اللحظات الأولى لبدء الرحلة إلى مدينة السماوة التي سميت بذلك لأنها أرض مستوية لا حجر فيها بحسب معجم البلدان، كان الخيال يسبقنا للوصول إلى تلك المدينة التي ارتبط اسمها بالبادية، وبالمنافي البعيدة التي تعدُ بيئة مثالية للتخلص من الأشخاص الذين يسببون قلقاً للسلطات، من زمن الإنكليز الذين شيدوا سجن نقرة السلمان، وصولاً إلى العهد الملكي، ثم خمسينيات وستينيات القرن الماضي حين أصبح هذا المنفى المكان المفضل لإبعاد السجناء السياسيين، وبالأخص من الشيوعيين الذين قاوموا الإبعاد بالغناء والشعر الشعبي، والقصائد المغناة التي تشكو هجران الأحبة والديار، وتحلم بوطن حر وشعب سعيد.
هناك أماكن لابد من زيارتها حين تكون في محافظة المثنى، ومنها قضاء السلمان قلب بادية السماوة الذي يقع على بعد أكثر من 150 كم عن مركز المدينة، حيث النقرة الشهيرة الواقعة على أطراف البادية. الوصول إلى هذا القضاء ليس سهلاً في الوقت الحاضر، فكيف كان قبل ستين عاماً وأكثر؟ عليك أن تتخيل سجيناً في نقرة السلمان، خطر على باله أن يهرب يوماً من ذلك السجن الصحراوي الحصين، وافترض أنه نجح في الفرار فأين سيتجه؟ لا شيء سوى البادية والصحراء والرمال والطرق الصحراوية التي لا يعرف مسالكها غير البدو الرُحَّل، والمتاهة، وذئاب الليل الجائعة، لذلك حين تم إطلاق سراح الشاعر ناظم السماوي قبل ستة عقود، وقف بباب السجن حزيناً تائهاً غير راغب بالخروج ومفارقة نزلائه، حتى أنه قال متنهداً من قلب كليم: “ مو بدينه نودع عيون الحبايب مو بدينه.. والعشك لحظة عمر وتمر علينه”. وكان ناظم متدفقاً عاطفة وشعوراً وشعراً ودمعاً وجرحاً وهو يقص على الحضور الذين أحاطوا به في نقرة السلمان، ويحكي لهم عن ذكرياته في القاووش 10 الذي كتب فيه أجمل قصائده برفقة مظفر النواب وسعدي الحديثي وغيرهم، ومنها قصيدته “يا حريمة” التي كتبها على ضوء الفانوس وطنين البرغش.
نترك سجني قضاء السلمان، سجن “ النقرة “، ثم سجن “التلة” الأحدث منه تاريخياً والذي شُيد على تلة مرتفعة بعكس السجن الأقدم الذي شيده الإنكليز في منخفض من الأرض، وكلاهما الآن مجرد أبنية مهجورة، وغرف متهدمة، وأطلال مخلوعة الشبابيك والأبواب، وحيطان تحمل بقايا أسماء وذكريات وشعارات وحِكَم منسية على جدار الزمن، ونتجه في رحلة مرهقة إلى بادية مترامية الأطراف، لا يعرف مسالكها إلّا دليل. وعندما تفقد أثر الدليل تتيه في حلقة مفرغة وأنت وسط صحراء مقفرة تموت فيها الهواتف الذكية وتتحول إلى جماد، فلا انترنت، ولا شبكة اتصالات، إلى أن يظهر لك الدليل ويقودك إلى خيمة أقامها بين شجيرات صحراوية، ويضيفك بكرم بدوي لا تحده حدود بادية ولا صحراء، عُرف به أهل المثنى تاريخياً بأعرافهم العشائرية، وعاداتهم البدوية الريفية التي أخذت خير ما في البادية والريف من طباع اجتماعية وقيم أخلاقية.  
محافظ المثنى الجديد مهند العتابي يرفض تسمية الفقيرة التي تطلقها بعض وسائل الإعلام على محافظته، لثقته بأنها خزين للطاقات والمهارات والمواهب والأسماء اللامعة في مختلف الميادين، ويقول بأن المكان بالمكين، ويدعو للعمل بسرعة على تنشيط السياحة البرية التي يمكن أن تشكل مورداً اقتصادياً مهماً للمحافظة، وهو يعول على مشاريع الاستثمار التي تخدم الناس، كما يؤكد بأن مشاريع كثيرة على قيد الإنجاز في المستقبل القريب. وخلال فرصة لقضاء ليلتين في السماوة أتاحتها مؤسسة “خطى” لعدد من الكتاب والصحفيين والإعلاميين لحضور حفل تكريم رواد المثنى في الصحافة والفن والأدب، سمعوا من المحافظ ورئيس مجلس المحافظة ونائبه ورئيس هيئة الاستثمار، ومن المكرمين أنفسهم، ما يبهج القلب، ويسر النفس، تجاه محافظتهم الجميلة التي تصلح للحياة المضيئة، لا للمنافي المعتمة.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير