لا تخلُو يوماً صحافتنا المقروءة ومؤسساتنا الإعلاميّة من رصدِ القضايا التي تمس البلدَ، أو حال المواطنين، ومعاناتهم.. وفي أغلب الأحيان تتصدر أخبار البلد وأهم قضاياه وهموم المواطنين وشكواهم أبرز العناوين فيها.
لم يأتِ دورُ الصحافة والإعلام هذا من فراغ، بل من الشعورِ بالمسؤوليةِ اتجاه البلد والمواطنين الكرام.. فلا أحدَ يستطيع تكميمَ أفواه الصحفيين والإعلاميين في أي بلد، مهما كان شكل الحكم فيه .
وفي أغلب الأحيان يقوم المسؤولون في الدولةِ بالاتصالِ بالمؤسسات الصحفية والإعلاميّة، أو بمَن يكتب أو يتحدث فيها، ويزودونه بالمعلوماتِ والسبق الصحفي، وعلى الأصعدة كافة. كما يجيبون على أغلب التساؤلاتِ التي تطرح في الرأي العامّ.. وهنا أصبح المسؤول هو الوسيطَ أو حلقة الوصل بين الصحافةِ والمواطن.
نعم.. الصحفيون يدخلون بيوتَ المسؤولين ودوائرهم دون استئذان، من خلال صدور الصحف اليومية، وبث البرامج التلفزيونيّة بشكلٍ مباشرٍ في وسائل الإعلام «المرئية والمسموعة والمقروءة».
نعم.. الشعورُ بالمسؤولية عاملٌ من أهم العوامل التي يجب أن تتوافر في الشخص المسؤول الذي يعتمد عليه دون غيره في تحمله للمسؤوليةِ المنوطة به.
وتحمّل المسؤول للمسؤوليةِ له فوائد كثيرة تنعكس على شخصيته.. منها «اكتسابُ الاحترام الذاتي، والحصول على احترام الآخرين، من خلال عدم إلقاء اللوم، أو المسؤولية عليهم في الأمور التي يقوم بها».
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾. أما رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
إذاً المسؤولية هي التزامٌ أمام الله أولاً، وأمام الآخرين مهما اختلفت مسمياتهم ثانيا.
كما يجب على المسؤولِ أن يحسن الاختيارَ بمَن يعملون معه، لاسيما المناصب الحساسة التي تمس أمنَ وسمعة البلد، أو تلك التي تكون على تماسٍ مباشرٍ مع حياةِ المواطنين.
أيها القارئ العزيز.. عندما ترى وتسمع إن مسؤولاً ما في دائرته يمتلك من الخبرةِ المهنية من خلال تدرجه الوظيفي، يدير العملَ بشكلٍ صحيح ومنضبطٍ، ولا يتثاقل من الأمانةِ والمسؤولية المنوطة به، نتيجة لضغوط العمل أو الحياة، ويعرف كل ما يجري في أروقةِ عمله، ويضع الحلولَ الناجعة لأي مشكلةٍ تواجهه.. أليس هذا يستحق التقديرَ والاحترام؟
وهنا أذكر موقفاً في عهد نوري السعيد الذي شغل منصبَ رئاسة الوزراء في المملكة العراقية 14 مرة من 1930 إلى 1958.
كان هناك حلّاقٌ في العاصمةِ بغداد اعتادَ نوري السعيد أن يحلقَ شعره عنده، ولدى الحلاق في محله نجله الذي يمسك المنشفةَ لنوري السعيد بعد إكمال الحلاقة ليمنحه إكراميةً.. وبمرور الزمن جاءَ نوري السعيد ليحلق شعره عند ذلك الحلّاق، وكان الشاب يمسك المنشفةَ له، عندها قال الحلّاق لرئيس الوزراء: باشا هل علمت أن ولدي أكمل الدراسةَ الإعداديّة.. هنّأه السعيد بذلك، ومدّ يده إلى جيبه ليعطيه إكراميةَ الحلاقة والنجاح، ولكن بادره الحلّاق يا باشا أريدك أن تتوسّط له وتقبله في الكلّيةِ العسكريّة، عندها صمت نوري السعيد برهةً، وقال للحلّاق: أستطيع أن أقبله في أي كلّيةٍ يريد غير الكلّية العسكريّة.. استغرب الحلّاق من ذلك، وسأله لماذا؟ أجابه السعيد: ابنك تعلّم أن يتسلم الإكراميةَ على مسك المنشفة.. حين يكون قائداً في الجيش كيف سيتصرّف أمام المغريات.
في هذا الموقفِ استشعر نوري السعيد حجمَ الخطر الحقيقيّ الذي قد يحصل في تعيين ابن الحلاق في المؤسسة العسكريّة، ولم يجامل الحلاقَ على حساب أمن البلد وسمعته.
لذلك لابدّ أن يعرف كل مسؤول كيفيةَ قيامه بأداء واجباته والقضايا المنوطة به، وكيف من المفترض أن يظهر المسؤولون لدينا لحل كل القضايا التي تمر علينا بين الحين والآخر، وخاصة القضايا العاجلة التي تحتاج إلى تدخلٍ سريعٍ من هؤلاء المسؤولين الذين وضعوا على رأسِ القيادة في مؤسساتهم.
ختاما أقول.. غرور المسؤولية والمنصب قد يدمر المسؤولَ ومؤسسته في آن واحد، وتواضعه وحنكته قد تجعله مسؤولاً وقائدًا استثنائياً وناجحاً، وأسوة حسنة لباقي المسؤولين في أي موقعٍ من العمل.