رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
هندهم وبهاراتنا


المشاهدات 1281
تاريخ الإضافة 2023/09/12 - 8:23 PM
آخر تحديث 2024/10/20 - 6:22 AM

على مدى عقود بقيت علاقتنا بالهند محكومة بمسالتين الأولى مقاربتنا المشهورة للإفصاح عن معادلة الذكاء والغباء  «قابل اني هندي», والثانية البهارات الهندية التي تزدهر بها أسواقنا من الفاو الى زاخو بوصفها خلطة وطنية توحدنا بهاراتيا أكثر من أية خلطة أو شدة ورد أو شدة»عاكول» أو حتى»طرطيع». لا أعلم متى بدأ إستخدام عبارة  «قابل آني هندي» لمن يريد منا إظهار ذكائه مقابل مايعتقده غباء الهندي أو بلادته, لكن قناعتي إنها  إرتبطت على الأكثر بالإحتلال الإنكليزي لبلدنا خلال الحرب العالمية الأولى وماتلاها من سنوات إنتداب. فالإنكليز كانوا يرسلون جنود مستعمراتهم والهند كانت من كبرياتها الى دول جديدة هم في صدد إستعمارها. لم تكن الهند آنذاك مثل الهند اليوم. كانت شبه قارة كبيرة قبل إنفصالها عام 1947 بحيث أصبحت دولا مستقلة عن بعضها (الهند, باكستان, بنغلادش) بعد أن خاضت حروبا ونزاعات بعضها لايزال قائما مثل مقاطعة كشمير. 
وحيث أن منظر الجنود الهنود الذين هم عماد الجيش البريطاني آنذاك لم يعجبوا أباءنا ولأنهم لايجيدون لغة قومنا ولا قومنا يجيدون لغتهم  فقد تخيلهم ربعنا على إنهم ليسوا أكثر من بلداء لا يصلحون لشئ. لكن ما أن إنتهت «أيام المزبن» بلغة مظفر النواب وبينما بقينا ننتظر متى «تكظي» أيام اللف كانت الهند تسرع الخطى نحو كل أشكال التقدم العلمي والإقتصادي. فعلى مدى عدة عقود من الزمن بدأت النهضة الهندية وبسرعةعجيبة علميا وتقنيا ومن بعد ذلك اقتصاديا وتنمويا والآن سكانيا. هذا يعني وبكل بساطة أن  الهندي الذي  كنا نضحك عليه علنا لأنه لايجيد لغتنا ولا لهجاتنا المحلية, كان هو يضحك علينا بـ «عبه» ويقول مع نفسه إنتظروا اليوم الذي تتمنون أن تحافظوا حتى على أيام اللف. الهند اليوم تخطت الصين بعدد السكان «أكثر من مليار ونصف المليار نسمة». ومع أن الزيادة السكانية ليست ميزة بقدر ماهي عبء أحيانا لكن في بلد يعد من بين أفضل الديمقراطيات وفيه من العقول الجبارة هي من بين أفضل العقول العلمية في العالم, وفرص التنمية فيه باتت هي الأسرع عالميا ونسبة الأمية من بين كل هذا العدد من السكان هي 23% فإن الزيادة السكانية لم تعد مشكلة بحد ذاتها.
في مقابل ذلك كم نسبة الأمية عندنا اليوم ونحن 42 مليون نسمة؟  إذا عدنا قليلا الى الوراء .. أربعون سنة على الأقل كم كانت نسبة الأمية عندنا بإعتراف اليونسكو وكم كانت نسبتها في الهند آنذاك؟ أرقام اليونسكو كانت تتكلم لصالحنا. ولأن العبرة بالخواتيم فالهند الهند   تتقدم اليوم في كل شيء بمن في ذلك باتت تمثل ثقلا رئيسيا في أهم التكتلات العالمية مثل بريكس ومجحوعة العشرين. المفارقة في حكايتنا مع الهند لا تنتهي عند هذا الحد. فهذه الدولة العملاقة قررت مؤخرا العودة الى إسمها الأصلي في التاريخ وهو «بهارات». في قمة العشرين التي عقدت مؤخرا في الهند وضع رئيس الوزراء الهندي مودي قطعة أمامه مكتوب عليها إسم الدولة التي يمثلها .. بهارات.
 سنعود نحن للضحك ثانية. لماذا؟ لأن الهند لاتقيم وزنا لا لبس جنودها أيام الإستعمار البريطاني ولا الى أكلات المطعم الهندي المطعم بكل أنواع البهارات الـ «سبايسي». ماهو المطلوب منا اليوم؟ هل نعتذر للهند لأننا لم نكن نريد أن نكون هنودا لأنهم أغبياء ونحن أذكياء؟ أم نبتكر تسمية أخرى للبهارات بعد أن خرجت من خانة «سبع بهارات» التي لاتخلو منها  مطابخ بيوتنا بوصفها هي من يطيب الأكل ويضفي عليه نكهة خاصة لاتتوفر في باقي أنواع البهارات؟ كل شيء وارد بعد أن بات «المحتوى الهابط» هو الذي يهيمن على خياراتنا في التعامل مع الظواهر والأشياء من حولنا. لو عدنا لنسال اباءنا عما خلفوه لنا. هل خلفوا لنا شيء يعتد به غير أنين وحسرات ولوعات داخل حسن وحضيري أبو عزيز وسلمان المنكوب وجبارعكار؟ في مقابل ذلك لو سأل هنود الأمس أو بهاراتيو  اليوم ماذا خلف لهم اباءهم؟ خلفوا لهم دولة هي الاقتصاد الخامس بالعالم الان وفي طريقها الى ان تقفز قفزات كبرى في طرق التنمية والربط السككي والبحري والبري فضلا عن التقنيات الحديثة حيث يكفي ان معظم سكان وادي السيلكون الخاص بالتقنيات الحديثة هنود سابقا وبهاراتيون لاحقا.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير