قاسم ماضي
للخوض في هكذا نص مسرحي يتطلب منا الأستعداد الكامل لفهم مالذي يريد إيصاله هذا الكاتب الشاب « علاء كولي « الذي يرسم لنا عبر شخصياته المسرحية ، ربما المتخيلة أو الواقعية الآن ويستمدها من عالمه المثخن بالحرقة والألم .
« انا لا أريد شيئا ، الوطن يؤلمني « ص46
هذا العالم الذي عاشه ونعيشه ،،انطلق منه ليؤسس عليه ومن وحي مخيلته الناضجة بحب الآخر ،تلك المخيلة التي ترسل إشارات تحرك قارئ النص وتثيره من أجل فك رموز هذا القلق اليومي ، حتى يستفز نوعية التأثير المراد طرحه للقارئ ويوصلك الى اجابات غير مستقرة ، تفتح الباب على تأويلات تقود لفهم مالذي يجري في عصرنا الحالي المشبع بالمطاردات والتنكيل .
« انا أحب ان أخدم الوطن بلا مقابل « ص14
ويحكمها جيدا عبر حوارات مكتنزة وفيها من الحكمة والدلالة ، والتحفيز ضد الواقع الذي يعيشه الإنسان، وكأنه يريد منا جميعا أن نقف معه ، وهو يستصرخ جميع الضمائر الميتة والتي تحولت الى آلة أداة حادة لقتل الإنسان دون خوف أو وجل .
« الوطن يسكر بنا كل ليلة ويضاجع احلامنا ويرميها إلى النهر واللصوص « ص15
وحين تأخذك هذه الشخصيات إلى صراع داخلي عاشه المؤلف الشاب « علاء كولي « وهو يحاكي السياسي الفاشل الذي أوغل في كل ما هو مسيء الى الكائنات الحية التي تعيش بإنكسارات عديدة حتى أخذ بالتطاول على قيمه التي أرادها الله لتكون هي الرادعة لكل الطغاة .وهنا يقول :
« ههههههه ،هههههههه، الوطن .. الوطن هههههههه . الوطن فكرة سيئة ، نحتاج ان نشرب قافلة من الخمر حتى نستوعب هذه الفكرة ، هههههههه الوطن . ص 14
هذه الحيرة التي تشغل هذا الشاب وتضعه بين زنزانات تسوقها إليه الأقدار في هذا الوطن ، ليضع لنا مادة أدبية نسجها من عقله الراسخ بحب الأرض التي ولد عليها ، وأراد ان يستدرج كل ملكته الفكرية ليضعها في نصه المسرحي ، بوصف المؤلف المسرحي الأداة التي تحفر في الصخر وينتج مادة أدبية عبر أدواته ليعبر عن مفهوم ما أو ليوصل فكرة ما أو يعلن موقفا ما حيال واقع ما ،و من أكثر أدواته هو قراءة واستيعاب أكبر قدر ممكن من النصوص السابقة على مر العصور . بل وأن من يعيش العديد من التجارب المسرحية يتشبع بحياة المسرح وروحه ليصب لنا مادته الأدبية الدسمة .
« أريد ان ابكي على روحي « ص46
وهذا يؤدي إلى إثقال خبراته الفنية وتكوين شخصيته التي لابد منها . وحتى نرسل إشارات إلى الذين يخوضون في هذا المضار فعليهم كما يؤكد من سبقونا ، فالنص المسرحي عادة ما يكون اللبنة الأولى أو المؤشر الأول الذي يحدد نوعية العرض المسرحي وشكله الذي يستوعبها الجمهور المستهدف من عمله لكي يستطيع تحقيق الهدف المرجو من العرض المسرحي .
« أبكي على هذه الهزات والزلازل التي تحيط بنا يوميا على هذه الأرض التي نسميها الوطن ، تذكرت بأن الوطن يؤلمني « ص15
ونجد في هذا النص الجميل والمعبأ بلغة مقتضبة ، وحوارات قصيرة ومكثفة مبنية من خيال كاتب يمتلك أدواته الكتابية ، ولا أدري هل هو وأقصد المؤلف « كولي « من الدارسين لهذا الفن المسرحي ،وهل لديه تجارب في العرض المسرحي وعلى مستويات هذا العرض من اخراج أو تمثيل وغيرها من عناصر العرض .
« ظننت أنك تبكي على حالك ، ما شأنك أنت والوطن وما الذي قدمه لك ؟ ص15
فالمضمون الذيإمتلكه الكاتب « علاء كولي « ليشكل وحدة بين النسق الشكل مع المضمون حتى انه أخضع مضمونه الفكري الذي بدأ واضحا بين شخوص العرض التي قادها بحرفة وحرقة قلبية و أدبية عالية لحتميات الإتساق الدرامي والشكل الفني ،ولأننا درسنا فنون المسرح وطرق كتابة المسرحية ، فهنا نجد أن التأليف المسرحي واختيار موضوعاته ، فهناك معايير عامة ثابتة تتصل بتمكن المؤلف من أدواته التي ينطلق منها ويأخذ بها الى ناصيته الكتابية حتى يصبح كاتبا متميزا في عالم المسرح ،لأن هناك معيار متغير قائم على كيفية توظيف الثوابت السابقة في التعبير عن الفكرة التي يريد إثارتها .
« أذن لماذا تبكي على وطن لا يشعر بك ولا تشعر به مطلقا « ص16
هذا الصراع بين شخوصه وهما « حسن + ناجي + والبقية « أوصلتنا إلى فكرة يعيشها الكائن الإنساني الذي تلتف حوله الشعارات والأكاذيب التي حولت حياته إلى خراب فاضح ، حيث نجد هاتين الشخصيتين المختلفتين والمتصارعتين ، وهما أبطال هذا النص متمكنان من سلوكهما وأقصد سلوك الشخصيات فيها منطقيا وحتميا ً، وكان المؤلف « كولي « واعيا ومتمكنا من كل الأساليب والحيل الدرامية الأ في البعض منها وممكن معالجتها إخراجيا أو اعادة صياغتها ، حيث مخيلته منحته القدرة والسيطرة على مشاعر القارئ وأنا منهم ، وكان قادرا على شحن لغته التي استخدمها في نصه المعنون « أحزان السنة القادمة « وهي لفغة حيوية وفيها من الطاقات التعبيرية وتماشي الحياة اليومية التي تحرك فينا هذا الوجع الإنساني الذي يعيشه اغلب أنباء المعمورة .
« بضاعة فاسدة ورخيصة وقيم ومبادئ فاسدة ايضا « ص16
ومن الاجدر ان ينتبه بعض المخرجين إلى هكذا نصوص مسرحية ويتعاملوا معها وخاصة من طلبة المعاهد والكليات التي تختص بالفنون المسرحية ، بالأضافة إلى الفرق المسرحية الرصينة التي تأخذ على عاتقها تقديم العروض الجادة والمؤثرة كما كنا نعمل في السابق من اجل ايجاد فرصة للشباب في هذا المحفل المسرحي ، لأن الجميع يعرف أن النص المسرحي هو اللبنة الأولى والأساسية في أي عرض من العروض المسرحية ، والنص المسرحي هو الرسالة التي يود توجيهها الى الجمهور.
« سنحارب الفساد « ص46
تقول عنه « وجدان عبد العزيز «
ومسرحية « كولي «جاءت امتدادا لتاريخ الكتابة المسرحية ، وقد أظهرت لنا قدرته في الكتابة المسرحية ، كونه يمتلك الموهبة في رؤية الواقع وتحليله بشكل عميق وادراك المشاكل . اذن هكذا نصوص مسرحية هي مفخرة لنا ولكل العاملين في الوسط المسرحي .
« في بلاد وادي الحرامية ، العراق سابقا « ص39
بقى ان نذكر هذه المسرحية المعنونة « أحزان السنة القادمة « هي من منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب.